أسيرتان لـ«القاعدة» والكنيسة... والنظام المصريوائل عبد الفتّاح
المهلة انتهت. هكذا أعلنت «دولة العراق الإسلامية» ساعة الصفر في حربها على أقباط مصر، وسائر المسيحيين. حرب بسبب امرأتين. كما كان يحدث في حروب القبائل القديمة. وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، أشهر امرأتين في مصر، اسيرتا الكنيسة، كما يطلق عليهما بيان «القاعدة»، و«الشريدتان» كما تعاملت معهما قيادات البطريركية القبطية، وفي مقدمها الأنبا شنودة الثالث.

كاميليا تركت بيتها في دير مواس (تابعة لمحافظة المنيا في الصعيد)، غاضبة أو هاربة من زوجها القس تداوس، وهو اسمه بعدما دخل سلك الرهبنة، وأصبح كاهناً في مطرانية دير مواس، بينما كان اسمه بالميلاد أيمن سمعان رزق عبد الملاك.
تفاصيل واقعة الاختفاء تاهت مع تراكم الأحداث، منذ أن تقدم الكاهن ببلاغ الى مكتب مباحث أمن الدولة يصف اختفاء زوجته بأنه اختطاف.

تحولت المرأتان إلى رمز حي تتصارع عليه سلطات دينية وسياسية
عند هذه النقطة تحول الاختفاء العائلي إلى حدث كبير، ذكّر بواقعة حدثت قبل ٦ سنوات، وكانت بطلتها وفاء قسطنطين.
وفاء من بحري، أي من الجانب الآخر لدلتا النيل، وبالتحديد من بلدة ابو المطامير. مهندسة زراعية، وأم لولد وبنت، وزوجة كاهن أيضاً. وفاء اختفت من بيت العائلة لأسباب أصبحت في صندوق أسرار شخصية، قد تكون صاحبتها نفسها أضاعت مفتاحه. هي ممنوعة من الظهور منذ اللحظة التي سلّمتها فيها أجهزة أمن الدولة إلى الكنيسة، بعدما تحول الاختفاء الى فتيل أشعل تظاهرات مسيحية غير مسبوقة احتجاجاً على ما قالت الجماهير الغاضبة إنه «اختطاف لزوجة كاهن وأسلمتها بالقوة».
الكنيسة من يومها قررت منع وفاء من الظهور، ونشرت خبراً في الصحف يقول إن «الكنيسة قررت أن تتفرغ وفاء للعبادة وألّا تلتقي أحداً من زوار دير وادي النطرون» (منفاها غير الاختياري).
قررت وفاء تغيير دينها من المسيحية إلى الإسلام لتحصل على الطلاق. وهنا بدأت المأساة (زوجها ذو رتبة كبيرة في الهيراركية الأرثوذكسية). تحولت إلى رمز في حرب طائفية غير معلنة. قصتها أيقظت النار النائمة تحت الرماد.
المؤسسات الكبيرة لم تحتمل. لا الكنيسة ولا الأمن ولا الرئاسة، ولا حتى الأحزاب. كل هؤلاء لم يحتملوا الدفاع عن حرية سيدة تبلغ من العمر 46 عاماً. ليس هذا فقط، بل إنهم جميعاً لم يحتملوا قرارها الخروج من حياتها إلى حياة جديدة.
أعطوها أوصافاً فظيعة. اتهموها في أخلاقها. تحدثوا بالنميمة عن رغبتها في الاستمتاع بحياتها، وبأنها غيّرت دينها لتحصل على الطلاق من زواج لم تكن المتعة على برنامجه.
المتعة عيب، والحرية الشخصية آخر شيء يمكن احترامه. أما الشعور بالفردية أو بالقدرة على الخروج من القطيع، فهو ضرب من الجنون. يتعامل معه أصحاب القرار بتسفيه. وهذا ما دفعت كاميليا بعد كل تلك السنوات ثمنه مبكراً.
الزوج لعب على القصة القديمة، ووصف اختفاء زوجته بأنه اختطاف. أجهزة عثرت على كاميليا في «بيت قريبة لها»، وقالت إنها لم تختطف.
كاميليا أصغر، عمرها ٢٥ سنة. بدأت عملها في المدرسة الابتدائية قبل سنتين فقط من تحول قصتها الى فتنة الفتن، وكتب اسمها في تاريخ العواطف الملعونة.
نسي الجميع (مسلمين ومسيحيين، دولة وكنيسة، «قاعدة» وجماهير) كل شيء عن كاميليا شحاتة، وقرروا تحويلها إلى رمز حي تتصارع حوله سلطات دينية وسياسية.
كاميليا وحيدة الآن، لا يعرف أحد أين تقيم، ربما في منفى مجاور لزميلتها الأقدم، وفاء، التي أصبحت في أساطير الهوس الديني «شهيدة». ونسج زغلول النجار، أحد الدعاة التلفزيونيين، قصة عن حرقها (وفاء) في الكنيسة لأنها أصرّت على إسلامها، من دون أن يغفل الإشارة إلى أن حكاياته التلفزيونية كانت وراء قرار إسلامها.
خرجت كاميليا من بيتها والشحن حول وفاء في ذروته. اتحد الجميع ضدّ حريتها. تظاهر الآلاف أمام الكاتدرائية وهددوا بحرق البلد إذا لم يستردوا وفاء «المسيحية»، بينما جرى حديث بين المسلمين على أن يقتحم الشباب دير وادي النطرون حيث تعيش الآن ليحرروا وفاء «المسلمة».

وفاء الآن أسيرة الدير، وكذلك كاميليا التي سلمتها أجهزة الأمن الى الكنيسة
لم يفكر أحد في وفاء وهم يقررون أن الحل للخروج من الأزمة هو «تسليمها» للكنيسة. كيف يقبل المجتمع الحديث عن تسليم امرأة لكهنة من دين تركته بإرادتها الحرة؟ «التسليم» تعبير متخلّف، مهين للإنسانية ومهين لكل من شارك فى العملية: البابا والدولة والوسطاء.
وفاء الآن أسيرة الدير، وكذلك كاميليا التي سلمتها أجهزة الأمن الى الكنيسة التي سلمتها الى طبيب نفساني ليعالجها من متاعبها.
هكذا عادت كاميليا، زوجة راعي كنيسة دير مواس، الخروف الضال الذي قال رئيس الكنيسة إن «الرب أعادها ليفرح شعب الأقباط».
لم يستمع أحد الى «الخروف الضال». كاميليا هجرت بيت زوجها ربما بفعل الملل الزوجي، بعد ٤ سنوات من الزواج، وولد واحد، أي أنها غالباً لم تهرب ولم يخطفها فرسان القبيلة المنافسة، ولم تكن تحتاج إلى تدخّل الرب لتعود الى القطيع. لكنها عادت بالإكراه وكانت رسالة البابا وكهنة الكنيسة واضحة: «إنها مريضة نفسياً».
العقاب هنا انتقامي، لمعاجة جرح الكنيسة في تمرد زوجات الكهنة. الكنيسة تنتقم وتقهر الفرد، تشاركها في ذلك الدولة بكل أجهزتها وجبروتها، عبر رعايتها طقس التسليم.
«لا نريد مشاكل» كلمة السر بين أجهزة تؤدي دور البطولة في عملية «التسليم». لكن «المشاكل» حدثت وتحولت الى حرب تقلق كل المسيحيين. هؤلاء انفسهم المستسلمون لأساطير الكنيسة، والمستمتعون برضوخ إلى أجهزة الدولة، هم أنفسهم الخائُفون من «القاعدة».
إنها جريمة واحدة، ضحيتها قطيع كبير، والشركاء فيها ٣ جهات معلنة: الدولة والكنيسة و«القاعدة».


«نهاية المهلة»وقال بيان «القاعدة»: «انتهت المهلة التي منحت للكنيسة النصرانية في مصر المسلمة لتبيان حال أخواتنا المأسورات وإطلاق سراحهن، ولم نسمع من هؤلاء ولا من غيرهم ممن شملهم الإنذار الا ما يثبت تواطؤهم جميعاً على حرب الإسلام». وأضاف «لذا فإن وزارة الحرب بدولة العراق الإسلامية تعلن أن كل المراكز والمنظمات والهيئات النصرانية رؤوساً وأتباعاً أهداف مشروعة للمجاهدين حيثما طاولتها أيديهم».
وتابع البيان «ليعلم هؤلاء المشركون... أن سيف القتل لن يرفع عن رقاب أتباعهم حتى يعلنوا براءتهم مما يفعل... (رأس) الكنيسة المصرية، ويظهروا للمجاهدين سعيهم الجاد للضغط على تلك الكنيسة المحاربة لإطلاق سراح المأسورات من سجون أديرتها وليلزموا بعد ذلك صوامعهم ويكفّوا عن الإسلام». وأضاف «وإلا ... لنفتحن عليهم أبواب الخراب وبحور الدم». وأعلن البيان أن منفّذي «العملية المباركة» على كنيسة سيدة النجاة هم «خمسة من أبطال الإسلام».