اعتذر» نوري المالكي عن قبول المبادرة السعودية صباحاً، فاشتعلت أحياء بغداد بالتفجيرات مساءً. عشرات القتلى ومئات الجرحى وتمسّك بنهاية وشيكة للأزمة الحكومية وتساؤلات عمّن يتحمل مسؤولية الدم العراقي
إيلي شلهوب
... وهكذا انهارت بغداد أمنياً، من دون مقدمات. هجوم مشبوه صاعق، متعدد الاستهدافات، حصد ما لا يقل عن 76 قتيلاً و325 جريحاً. تطور دامٍ يطرح مجموعة من التساؤلات وعلامات الاستفهام؛ أولها يتعلق بالتوقيت: بعد ساعات فقط من إعلان نوري المالكي اعتذار التحالف الوطني والتحالف الكردستاني عن قبول المبادرة السعودية. ثانيها يتعلق بالحجم: سلسلة تفجيرات متزامنة ضربت عاصمة الرشيد من دون سابق إنذار. وثالثها يتعلق بالنوعية: مستوى عالٍ من التنسيق والقدرة على تدمير خطة أمنية استلزم تنفيذها سنوات من العمل وعشرات الآلاف من العناصر. ورابعها يتعلق بالهدف: الأمن الذي بنى عليه نوري المالكي حملته الانتخابية، معتبراً إياه درة إنجازاته. وخامسها يتعلق بالجهة المنفذة: هناك في بغداد من لا يزال يمتلك هذا الكم من القدرة، سواء تعلق الأمر بخلايا القاعدة أو السلفيين أو «فلول البعث».
أوساط نوري المالكي تتحدث عن «رسالة سعودية واضحة لا لبس فيها: لقد رفضتم مبادرتنا، حسناً، لكن عليكم أن تعرفوا أن لدينا أوراقاً يمكننا لعبها، نستطيع أن نمثّل تهديداً حقيقياً لكم، إذا لم تستجيبوا لمطالبنا. لكننا ندرك أننا لن نتخلص من هذا التهديد الإرهابي حتى لو استجبنا. ستكر سبحة المطالب». وتضيف: «يريد السعوديون العودة إلى العراق. يريدون عودة كاملة مهما كان الثمن».
وتعرب الأوساط نفسها عن اعتقادها أن السعوديين، «لما طرحوا المبادرة، لم يكن المقصود منها تحقيق إنجاز، بل القول إن التوافق الذي يحصل في العراق ليس هزيمة بالنسبة إليها ولطروحاتها، بل بالعكس يجري بموافقتهم ورعايتهم». وتوضح أن «السعوديين كانوا بحاجة إلى مخرج لتصريحاتهم السابقة عن أنهم يتحفظون على أي حكومة يرأسها المالكي. كان المخرج بالنسبة إليهم تلك المبادرة التي حرصوا على التوضيح أنها لا تهمّش المالكي ولا تضع شروطاً عليه. ولما سقطت المبادرة كان ما كان، رغم أن المالكي كان حريصاً بدوره على التأكيد أن الاعتذار عن رفض المبادرة لا ينبع من كونها سعودية، بل من رغبة في حل داخلي متوافر، يتوقع أن يبصر النور خلال أيام».
وتكشف المصادر نفسها، في رد على سؤال عن هشاشة الوضع الأمني الذي انهار خلال دقائق، «عن أن عناصر من الشرطة والجيش، وجزء منهم مرتزقة، يقومون بما يفعلون في مقابل المال، يشاركون في الهجمات والتفجيرات. ومعروف أن النقاط الأمنية لا تفتش سيارات الشرطة». وتضيف: «الأجهزة الأمنية تعمل ضد المالكي. لا وزارة الدفاع معه ولا أركان الجيش معه. وزير الداخلية لا ينفذ أوامره. لم ينفذ حتى اليوم أمراً صدر في أيلول العام الماضي بإقالة مدير العمليات في وزارة الداخلية اللواء الركن عبد الكريم خلف. يقول إن عليه أن يحمي رجاله». وتتابع: «حتى قوات حماية بغداد التي أنشأها المالكي مخترقة، والأكراد لديهم دولتهم المستقلة بجيشها ووزاراتها الأمنية، ولا يستطيع رئيس الوزراء توجيه أي كلمة لهم. كيف والحال هذه سيضبط الأمن في بلد يجب أن تراعى فيه جميع تناقضاته؟».
مصادر رفيعة المستوى من البيت الشيعي تتحدث عن أن «السعوديين يريدون مقايضة الأمن بالسياسة». وتضيف: «اللافت أن الرسالة الأمنية السعودية هذه قد ترافقت مع رسالة سعودية إلى الكتلة العراقية، سُرِّب مضمونها للمالكي، تطلب فيها الرياض دعم التجديد له في رئاسة الوزراء، وتسأل أن يقوم أحد قادة القائمة بزيارته يوم غد (الأربعاء). رسالة من باب طرد الشبهة». وتتساءل المصادر عن «موقف المجلس الأعلى مما يجري، وعن صحة الهمسات التي تتحدث عن أن (السيد) عمّار الحكيم يقف خلف المبادرة السعودية»، مشيرة إلى أن «دماء العراقيين التي سالت اليوم (الثلاثاء) لا يتحمل مسؤوليتها منفذو التفجيرات فقط».
مصادر من شركاء السر في مفاوضات تأليف الحكومة العراقية تبدو متفائلة بقرب خروج الدخان الأبيض. تستدل على ذلك بمكالمة هاتفية أجراها الرئيس المؤقت للبرلمان فؤاد معصوم بالمالكي، سأله فيها عقد جلسة للبرلمان في 11 أو 12 الشهر الجاري، فكان «جواب رئيس الوزراء بضرورة عقد جلسة كهذه في 7 أو 8 الشهر في حد أقصى».
وتضاربت المعلومات عن أعداد ضحايا تفجيرات يوم أمس. هناك من تحدث عن 40 قتيلاً و80 جريحاً، وآخر أعلن وقوع 76 قتيلاً و325 جريحاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى التفجيرات التي قال البعض إنها عبارة عن 14 سيارة مفخخة، بينما تحدث آخرون عن 20، فضلاً عن الهجمات المتفرقة بعبوات ناسفة وقاذفات صاروخية وهاون. وشملت التفجيرات، التي حصلت في توقيت واحد تقريباً، مناطق وأحياء اليرموك والحسينية والكاظمية والشعب والعامل وأور والجهاد وأبو دشير والسيدية والشعلة والأمين ومدينة الصدر.
وسارعت السلطات العراقية إلى فرض حظر كامل للتجوال في بغداد، وحظر جزئي في محافظة الأنبار، في وقت تحدثت فيه معلومات عن رصد عشرات السيارات المفخخة.
وكان المالكي قد أعلن صباح أمس، في مؤتمر صحافي عقده في أعقاب زيارة وفد من حزب الفضيلة مقر إقامته، انتهاء التوافق على الرئاسات الثلاث خلال أيام، مشيراً إلى «أننا اعتذرنا (عن قبول المبادرة السعودية)، ليس لأنها صدرت عن السعودية. لكننا سنعتذر عن أي دعوة من الخارج، لأن الحل في الداخل».
وكشف المالكي عن أن «ائتلاف دولة القانون فتح صفحة جديدة» مع التيار الصدري الذي «أصبح وسيطاً بين الكتل السياسية لدعوتهم إلى المشاركة في العملية السياسية»، مشيراً إلى أن وزارتي الدفاع والداخلية ستمنحان لشخصيات مستقلة، لا للصدريين أو أي جهة أخرى.
وفي السياق، أكد القيادي في القائمة العراقية، مشعان السعدي، «أحقية» كتلته بمنصب رئاسة الجمهورية بعد تنازلها عن رئاسة الحكومة، في مقابل حصول قائمة التحالف الكردستاني على رئاسة البرلمان. وقال السعدي إن أزمة تأليف الحكومة بدأت تقترب من الحل، موضحاً أن «منصب رئاسة الوزراء هو أكبر مشكلة كانت تواجه تأليف الحكومة، وقد حلت بعد هذا التنازل».
وأكد العضو في التحالف الوطني عن التيار الصدري، جواد الحسناوي، وجود وساطات تقوم بها كتل سياسية، من بينها التيار الصدري والتحالف الكردستاني لإقناع القائمة العراقية بقبول منصبي رئاسة البرلمان ورئاسة المجلس السياسي للاستشارات الاستراتيجية الوطنية.
إلى ذلك، كشف أمس عن وصول نائب الرئيس العراقي، عادل عبد المهدي، إلى سوريا في زيارة أوضح مصدر دبلوماسي عراقي في دمشق أنها «خاصة».