دأب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، منذ أسابيع، على تأكيد رسالة مفادها بأن تقارب النتائج بينه وبين منافسه جو بايدن، ستعني، حكماً، وقوع عمليات تزوير في فرز الأصوات. بات السيناريو الذي كان يخشاه بعض الأميركيين أمراً واقعاً، بعدما أغرق ترامب - ومن البيت الأبيض - بلاده في المجهول، عبر إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، فيما لا يزال فرز الأصوات مستمراً، ما استدعى هجوماً مضاداً على الفور من بايدن الذي يبدو، حتى الآن، في وضع متقدِّم عليه للفوز. شبح الأيام الطويلة من عدم اليقين، وحصول معارك قضائيّة حامية، بات يخيّم حالياً على بلدٍ يشهد أساساً أزمات صحية واقتصادية واجتماعية وإنسانية كبرى. وفي كلمةٍ مقتضبة ألقاها من البيت الأبيض، قال ترامب: "بصراحة، فزنا في الانتخابات"، مدّعياً حدوث "تزوير". وطالب بشكل مبهم "بوقف (فرز) كل الأصوات"، مؤكداً عزمه اللجوء إلى المحكمة العليا. إعلان ترامب فوزه بشكل سابق لأوانه عند الساعة 02:20 بالتوقيت المحلّي (07:20 بتوقيت غرينتش)، يُعدُّ أمراً غير مسبوق لرئيس أميركي، فيما لا تزال الولايات تقوم بفرز الأصوات، ما استدعى تنديداً من معسكر الديموقراطيين بتصريحات "فاضحة" وغير مسبوقة صادرة عن الرئيس. وقال فريق الحملة الانتخابية الديموقراطية: "إنها محاولة متعمّدة لحرمان المواطنين الأميركيين من حقوقهم الديموقراطية"، مؤكداً استعداده "لمعركة قضائية" في حال لجأ الرئيس المنتهية ولايته إلى المحكمة العليا. جاء ذلك بعدما صرّح بايدن بأنه على الطريق الصحيح للفوز، داعياً الأميركيين إلى التحلّي بالصبر. وأضاف بايدن أمام مناصريه الذين تجمّعوا في معقله ويلمينغتون في ديلاوير "حافظوا على إيمانكم، سنفوز!". من جهتها، استنكرت النائبة الديموقراطية، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التصريح الصادر عن ترامب، واعتبرته فاضحاً وغير مسبوق، ووصفته بـ"غير الشرعي والخطير والسلطوي". وغرّدت عبر حسابها كاتبةً: "لنحصي كل الأصوات ونحترم النتائج"، فيما وصفت النائبة الديموقراطية عن ولاية مينيسوتا، إلهان عمر، ترامب بأنه "رجل خطير"، وكتبت تغريدة قالت فيها: "لا يمكنك منع فرز كل الأصوات... فهذه ليست ديكتاتورية، ولن تُحسم (النتيجة) هكذا". على المنوال ذاته، تفاعلت السناتور الديموقراطية عن ولاية مينيسوتا، إيمي كلوبوشار، على حسابها في "تويتر"، وإن بدت أكثر حرصاً في لهجتها، إذ دعت الرئيس إلى التمهّل والانتظار حتى احتساب النتائج النهائية.
بعد حديث ترامب، حاول نائب الرئيس، مايك بنس، التخفيف من تصريحاته، رافضاً إعلان النصر المبكر. وأصرّ على أن جميع الأصوات التي تم الإدلاء بها بشكل قانوني سيتمّ احتسابها، إذ بدا أكثر انسجاماً مع الكيفيّة التي يُتوقّع أن يتصرّف فيها زعيم أميركي في لحظة من عدم اليقين السياسي. لكن الضرر وقع بالفعل سواء فاز ترامب أو خسر.

النتائج الأوّلية
أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأوّلية فوز المرشّح الديموقراطي بـ238 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو ما يمثّل نسبة 49.78% من الأصوات، في مقابل 213 صوتاً في المجمع للمرشّح الجمهوري، أو ما يمثّل نسبة 48.61%، بحسب "أسوشيتدس برس". وتُظهر أحدث المؤشرات تقدُّم دونالد ترامب في ولايات بنسلفانيا وكارولاينا الشمالية وجورجيا وميشيغان، في حين تُظهر أخرى تفوّق بايدن في ولاية ويسكونسن التي تميل عادة إلى الجمهوريين.
وأكد ترامب أن ما يجري يمثّل لحظة مهمّة في تاريخ أميركا، وعدّد مجموعة من الولايات قال إنه فاز فيها، من أهمها فلوريدا وتكساس وأوهايو، مدّعيا أنه سيفوز في بنسلفانيا حيث قال إنه متقدم بفارق كبير. وأضاف: "فزنا بهذه الولايات، ومن الواضح أن هناك عملية احتيال على الشعب الأميركي... سنفوز بهذه الانتخابات، وقد فزنا بها بالفعل.. هذه لحظة مهمّة في تاريخ أمّتنا".
من جهته، يشعر بايدن بالتفاؤل إزاء وضعه الانتخابي في ويسكونسن وميشيغان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بنسلفانيا. إلا أن آمال بعض الديموقراطيين في معسكر بايدن في تحقيق انتصارات تاريخية في كارولاينا الشمالية أو جورجيا أو تكساس تبدّدت. واحتفظ الرئيس الجمهوري بفلوريدا التي سبق أن فاز فيها عام 2016، كما فاز في أوهايو التي فاز فيها منذ عام 1964 كل المرشّحين الجمهوريين الذين وصلوا إلى الرئاسة. ويتوقّع المراقبون أن طريق بايدن إلى البيت الأبيض يمرّ عبر الشمال الصناعي للبلاد. الهدف المعلن للديموقراطيين هو استعادة ثلاث ولايات انتزعها ترامب عام 2016، هي ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا، لكن فرز الأصوات في هذه الولايات قد يستمر طوال اليوم، أو حتى لعدّة أيام بسبب المستوى القياسي للتصويت عبر البريد.

ولايات ترامب
فاز المرشّح الجمهوري- حتى الآن - بعدد من الولايات الرئيسة والمتأرجحة التي تقوّي حظوظه للبقاء في البيت الأبيض، من أهمها:
تكساس (38 صوتاً في المجمع الانتخابي) وفلوريدا (29 صوتاً في المجمع الانتخابي).
بالإضافة إلى هاتين الولايتين المهمَّتين، فاز بعدد من الولايات، من أهمها: كنتاكي (8 أصوات)، وفرجينيا الغربية (5 أصوات)، وكارولينا الجنوبية (9 أصوات)، وألاباما (9 أصوات)، ومسيسيبي (6 أصوات)، وأوكلاهوما (7 أصوات)، وتينيسي (11 صوتاً)، وأركنساس (6 أصوات)، وإنديانا (11 صوتاً)، وداكوتا الشمالية (3 أصوات)، وداكوتا الجنوبية (3 أصوات)، ووايومنغ (3 أصوات)، ولويزيانا (8 أصوات)، ونبراسكا (4 أصوات)، وكنساس (6 أصوات)، وميسوري (10 أصوات)، وإيداهو (4 أصوات).

ولايات بايدن
في المقابل، فاز المرشّح الديمقراطي - حتى الآن - بعدد من الولايات، من أهمها: فيرمونت (3 أصوات)، وفرجينيا (13 صوتاً)، وكونيتيكت (7 أصوات)، وديلاوير (3 أصوات)، وإلينوي (20 صوتاً)، وماريلاند (10 أصوات)، وماساشوستس (11 صوتاً)، ونيوجيرسي (14 صوتاً)، ورود آيلاند (4 أصوات)، ونيو ميكسيكو (5 أصوات)، ونيويورك (29 صوتاً)، ومقاطعة كولومبيا (3 أصوات)، وكولورادو (9 أصوات)، ونيو هامبشير (4 أصوات)، وكاليفورنيا (55 صوتاً)، وأوريغون (7 أصوات)، وواشنطن (12 صوتاً).
وقالت لجنة الانتخابات في نيفادا إنها لم تحتسب بعد بطاقات الاقتراع المبكر التي وصلت يوم أمس، وتلك التي لم تصل بعد عبر البريد. وفي ولاية ويسكونسن، حصل ترامب على 49% من الأصوات، في حين حصل بايدن على 49.3% بعد فرز 89% من الأصوات في الولاية.
وفي انتكاسة كبيرة لترامب، يبدو بايدن متجهاً للفوز في ولاية أريزونا الواقعة في جنوب غرب البلاد، والتي تعتبر عادةً معقلاً للجمهوريين، وكان فاز فيها ترامب عام 2016. الفوز في هذه الولاية يعني أنه ينبغي على المرشح الديموقراطي الفوز باثنتين من ولايات "الجدار الأزرق" الثلاث لعام 2016 - ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا - لضمان الفوز.
ولم تعرف نتائج 7 ولايات، وهي: بنسلفانيا وميشيغان وجورجيا وويسكونسن وكارولينا الشمالية.
وهناك أكثر من 1.4 مليون بطاقة اقتراع عبر البريد سيتم فرزها في ولاية بنسلفانيا، وقد يستغرق الأمر أياماً، بينما لم تقدم المدن الكبرى في ميشيغان (ديترويت) وويسكونسن (ميلووكي) تقارير كاملة بعد، وإن كانت التوقعات فيها تشير إلى احتمال فوز الديموقراطيين. في الوقت ذاته، فإن جورجيا التي كان متوقعاً أن يفوز فيها ترامب بسهولة، بدت صعبة على الحسم، فيما تأخّرت النتائج من أتلانتا المؤيّدة لبايدن بسبب عطل في أنبوب مياه في موقع لفرز الأصوات. ويعني فوز الديموقراطيين في جورجيا أن على بايدن أن يسيطر على واحدة فقط من ولايات الغرب الأوسط.