على بعد أيام من موعد الانتخابات، تتجه أنظار الأميركيين إلى «اليوم التالي» لها، إذ يحتمل أن يستيقظوا صباح 4 تشرين الثاني، من دون معرفة هوية الرئيس السادس والأربعين للبلاد، أو عدد الأشخاص الذين أدلوا بأصواتهم، أو موعد الانتهاء من احتساب تلك الأصوات.
وخلال الأشهر الماضية، حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح تأجيل موعد الانتخابات، زاعماً أن التغييرات التي أُجريت لتسهيل الاقتراع عبر البريد سوف تجعلها عرضة للتزوير. لكن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، المخوّل مع مجلس الشيوخ باتخاذ قرار التأجيل، جعل هذا الأمر مستحيلاً.

ما هي أبرز تفاصيل وتوقعات العملية الانتخابية، قبل أيام على موعدها؟

1 . إقبال قياسي

تحدّثت توقعات من مصادر رسمية عن إقبال قياسي على التصويت، بنحو 150 مليون ناخب، يُمثّلون 65% من الناخبين المؤهلين، وهو أعلى معدل منذ عام 1908.

وأدلى أكثر من 70 مليون ناخب بأصواتهم إما من خلال إمكانية التصويت المبكر شخصياً أو بالبريد، وذلك وفقاً لبيانات جمعها مشروع الانتخابات الأميركي بجامعة فلوريدا.

ويمثل هذا العدد رقماً قياسياً يتجاوز نصف العدد الإجمالي لمن أدلوا بأصواتهم في انتخابات 2016.

2 . منافسة مفتوحة

أدلى أكثر من 69 مليونَ أميركي بأصواتهم حتى الآن، فيما تُظهر استطلاعات الرأي في فلوريدا أن الأرقام متقاربة جداً بين المتنافسَين، إذ أدلى أكثر من 6.4 ملايين مقيم بأصواتهم في الولاية.

ويتقدم الجمهوريون في التصويت الشخصي بنسبة 46.4٪ مقابل 34.0٪ للديمقراطيين، بينما يتقدم الديمقراطيون بالأصوات البريدية بـ 46.8٪، في مقابل 31.0٪ للجمهوريين.

ومع اقتراب الحملات الانتخابية من نهايتها، تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم جو بايدن على ترامب بفارق مريح. كما تشير إلى أن مزاج الناخبين لم يتغير بعد المناظرات الرئاسية، في تناقض واضح مع انتخابات عام 2016، عندما انفصل العديد من الناخبين في الولايات المتأرجحة عن ترامب في الأسبوع الأخير من الحملة.

3 . ماذا عن عام 2016؟

برغم «المفاجأة» التي مثّلتها نتائج انتخابات عام 2016، تدافع العديد من شركات الاستطلاع عن نماذجها الاستطلاعية التي صاحبت تلك الانتخابات، إذ جادل موقع «538» بأن توقعاته أعطت ترامب فرصةً بنسبة 29% في الأسبوع الذي سبق يوم الانتخابات، وأنه كان هناك دائماً احتمال إحصائي بأن يفوز.

وبصرف النظر عن التأثير الذي يُمكن أن تُحدثه استطلاعات الرأي في سلوك التصويت، فإن هناك الكثير من الأدلة على أن العديد من الناخبين الفاترين تجاه كلينتون لم يصوتوا لها في يوم الانتخابات، لأنهم افترضوا أنها ستفوز بسهولة، وهذا ما أدى إلى انتصار ترامب المفاجئ.

لكن عام 2020 مختلف بحسب خبراء الانتخابات، والسبب وراء ذلك هو قلة عدد الناخبين المتأرجحين، بالنظر إلى حالة الاستقطاب الشديد التي تشهدها هذه الانتخابات. فترامب، الذي ركّز على مناشدة قاعدته الأساسية من مؤيديه بدلاً من توسيع قاعدة دعمه خلال فترة رئاسته، هو أحد أكثر الرؤساء إثارة للانقسام في التاريخ. واستطلاعات الرأي بالكاد تحركت بعد مؤتمرات الأحزاب والمناظرات الرئاسية، ما يشير إلى أن معظم الناخبين قد اتخذوا قرارهم بالفعل.

4 . متى تُحسم الأصوات؟

سيتوجّه الناخبون الذين لم يُرسِلوا بطاقة اقتراع بالبريد إلى صناديق الاقتراع، لتبدأ المهمة الضخمة بعدّ الأصوات في وقت لاحق من ذلك اليوم.

تختلف أوقات فتح وإغلاق مراكز الاقتراع من ولاية إلى أخرى، لكن غالبيتها تفتح في الساعة الـ 6 صباحاً، على أن تغلق جميع مراكز الاقتراع أبوابها بحلول الساعة الـ 9 مساءً بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة.

ويمكن تسلم بطاقات الاقتراع عبر البريد في وقت متأخر، لكن يجب تسلم معظمها في غضون يومين من 3 تشرين الثاني، مع استثناءات قليلة، إذ تمتد هذه المهلة في بعض الولايات الرئيسية، بما في ذلك بنسلفانيا ونورث كارولينا ( 6 تشرين الثاني) ومينيسوتا ونيفادا ( 10 تشرين الثاني) وأوهايو ( 13 تشرين الثاني).

تبدأ كل ولاية بالتصديق على نتائجها ابتداءً من 10 تشرين الثاني، ويجب على كل ولاية، باستثناء كاليفورنيا، إكمال التصديق بحلول 8 كانون الأول، ما يعني وجوب حل جميع النزاعات، بما في ذلك الطعون وعمليات إعادة الفرز، بحلول هذا التاريخ. بخلاف ذلك، ينص القانون الفيدرالي على أنه يمكن للكونغرس رفض قبول الأصوات الانتخابية من تلك الولاية.

5 . بصمة «كورونا»

إلى جانب الجدل الذي يثيره الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الانتخابات الرئاسية ونتائجها، أثّرت جائحة فيروس كورونا في انتخابات هذا العام.
فقد تغيّرت آلية المؤتمرين السياسيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهما عنصران أساسيان في سنوات الانتخابات الرئاسية، إذ قرر جو بايدن ونائبته المرشّحة، كامالا هاريس، عدم السفر إلى ويسكونسن لقبول ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة. بدلاً من ذلك، قبل بايدن الترشيح وقدّم خطاباً وطنياً من موطنه في ولاية ديلاوير. كما قبلت هاريس رسمياً ترشيح نائب الرئيس من قاعة احتفالات بفندق في ويلمنغتون بولاية ديلاوير أيضاً.

المؤتمر الجمهوري بدوره كان مختصراً. فقد اقتصر على عدة خطابات افتراضية من مواقع مختلفة، بما فيها خطاب قبول ترامب بترشيح الحزب الجمهوري والذي ألقاه من البيت الأبيض.

ومن غير الواضح كيف سيبدو يوم الانتخابات نفسه، نظراً إلى خطر الإصابة بالفيروس من خلال التصويت شخصياً.

6 . احتمالات النزاع

لا يمكن النظر إلى النزاع المحتمل على النتائج، بما شهدته انتخابات عام 2000 من مشادات حسمها قرار المحكمة العليا، فترامب قال في آب الماضي، إن «الطريقة الوحيدة التي سنخسر بها هذه الانتخابات هي إذا تم تزويرها».

ويعدّ الجمهوريون العدة للعمل منذ يوم الانتخابات، خاصة بعد السماح لهم بمراقبة عملية الاقتراع، وهو القيد الذي فُرض عليهم بعد استخدام ذلك في ترهيب الناخبين عام 1981.

فقد شجّع دونالد ترامب مؤيديه على «الذهاب إلى صناديق الاقتراع والمراقبة بعناية شديدة»؛ كما قام الجمهوريون بتجنيد مراقبي الاقتراع للإشارة إلى الأصوات التي يمكن الطعن فيها. لذا قد تظهر الجماعات شبه العسكرية المسلحة المؤيدة لترامب في مراكز الاقتراع بذريعة حماية الانتخابات.

بالإضافة إلى ذلك، قد يرفع الجمهوريون عدداً كبيراً من الدعاوى القضائية لمحاولة وقف العدّ أو الطعن في بطاقات الاقتراع. ووفق موقع «بوليتيكو»، فإن لدى ترامب آلافاً من المحامين يقومون بإعداد تحديات قانونية محتملة، وهم راقبوا، خلال الانتخابات التمهيدية في حزيران، مسؤولي بنسلفانيا وهم يعدّون الأصوات ولاحظوا جميع الطرق التي يمكنهم من خلالها تحديهم.

كما يمكن للمسؤولين الجمهوريين في الولايات والمسؤولين الفيدراليين أيضاً إثارة المزيد من الشك في النتائج من خلال بدء التحقيقات في مخالفات التصويت، ويمكن الإشارة هنا إلى لويس ديجوي، حليف ترامب، الذي قام منذ تعيينه مديراً عاماً للبريد بتنفيذ تغييرات أبطأت عمليات التسليم.

7 . سيناريوهات النزاع

في حزيران الماضي، جمعت روزا بروكس، الأستاذة في جامعة جورج تاون، علماء بارزين وإعلاميين وكبار المسؤولين الديمقراطيين والجمهوريين، لمحاكاة سيناريوهات الانتخابات القادمة، والتي يمكن من خلالها تصوّر التعقيد الذي يمكن أن يشوب السباق الانتخابي.

في أحد السيناريوهات، فتح المدعي العام لترامب، بيل بار، تحقيقاً في مزاعم لا أساس لها من تزوير لأصوات الناخبين والعلاقات بين المسؤولين الديمقراطيين وحركة «أنتيفا».

وفي محاكاة أخرى لبروكس، طلب الجمهوريون من مدير مكتب البريد العام مصادرة أوراق الاقتراع لحماية الانتخابات. في الولايات المتأرجحة الحاسمة، مثل بنسلفانيا وفلوريدا، يمكن لترامب أن يستخدم هذه العملية ويزرع الشك في شرعية النتائج.

يمكن للديمقراطيين، الاحتجاج على هذا التدخل في العملية الانتخابية، النزول إلى الشوارع. هنا قد يلجأ ترامب إلى قانون التمرد لإرسال قوات عسكرية لاستعادة النظام، مثلما فعل سابقاً أثناء احتجاجات بورتلاند. كما يمكن أن يأمر القوات الفيدرالية بمصادرة أوراق الاقتراع المزورة. هذا ما حدث بالفعل أثناء إحدى عمليات محاكاة بروكس.

في العموم، يتعيّن على الولايات تسوية تلك الخلافات قبل الموعد النهائي في الثامن من كانون الأول. وإلا فإن للكونغرس أن يرفض قبول ناخبيهم.

ولكن ماذا لو لم تتمكن هذه الولايات المتأرجحة من إعلان الفائز مع اقتراب هذا الموعد النهائي؟ يسمح الدستور الأميركي للمجالس التشريعية للولايات باختيار ناخبيها للتصويت في المجمّع الانتخابي.

بالتالي يمكن للجمهوريين، الذين يسيطرون على الهيئة التشريعية في الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان وبنسلفانيا ونورث كارولينا وفلوريدا وأريزونا وويسكونسن، أن يقرروا أن نتائج الانتخابات غير شرعية، ويختاروا ناخبين لدعم ترامب. في الحقيقة هذا هو السيناريو الفعلي الذي ناقشه المستشار القانوني لحملة ترامب مع مجلة «ذي أتلانتيك».

رداً على ذلك، يمكن للديمقراطيين أن يجادلوا بأن التصويت كان مشروعاً وأن الولاية قد انتخبت فائزاً بالفعل. حتى يتمكنوا من إرسال شهادة بالنتائج إلى الأرشيف الوطني واختيار مجموعة منفصلة من الناخبين الديمقراطيين.

هذا من شأنه أن يخلق مجموعتين من الناخبين ينتمون إلى الولاية نفسها، وعندما يجتمع الناخبون الرئاسيون في عواصم ولاياتهم للتصويت لمنصب الرئيس، يمكن لمجموعتين من الناخبين الحضور ومحاولة الإدلاء بصوت.

القوانين التي تحكم هذا السيناريو ليست واضحة بشأن ما يجب أن يحدث هنا.

يقول بعض مفسّري الدستور الأميركي، إن رئيس مجلس الشيوخ، وهو نائب الرئيس، يقرر أي مجلس ناخبين ينبغي أن يقبله الكونغرس. وهذا ما سيجعل ترامب هو الفائز.

فيما يقول آخرون، أنه إذا أرسلت ولاية ما مجموعتين منفصلتين من الناخبين، فلن يكون لأي منهما مكانة أعلى في نظر الكونغرس، وبناءً عليه سيفوز المرشح الذي يحصل على عدد أكبر من الأصوات الانتخابية، دون احتساب أي أصوات من الولايات المتنازع عليها.

أما إذا لم يتمكن الكونغرس من الاتفاق على حل، فإن الديمقراطيين يجادلون بأن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تتولى دور الرئيس بالنيابة إلى أن يوافق الكونغرس. لكن قبول الجمهوريين بذلك يبقى موضع شك، ويمكن أن ينتقلوا لتنصيب ترامب لولاية ثانية.


النظام الانتخابي

يوم الانتخابات هو أول ثلاثاء من شهر تشرين الثاني. تم تعيين هذا اليوم من قبل الكونغرس عام 1845. دستور الولايات المتحدة لا ينص صراحة على هذا التعيين، لكنه ينص على موعد تنصيب الرئيس المنتخب حديثاً في 20 كانون الثاني.

التصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية، هو اختيار بين مرشّحَين من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. من حين لآخر، يدخل مرشح ثالث السباق، لكن من النادر جداً أن يكتسب زخماً أو يكون له تأثير كبير.

يعقد الحزبان السياسيان الرئيسيان انتخابات تمهيدية ومؤتمرات حزبية خلال عام الانتخابات لاختيار مرشحيهما. يتم بعد ذلك الإعلان عنهما خلال المؤتمرات الصيفية للحزبين.

نظام الانتخابات الأميركي يشوبه الكثير من الغموض؛ فحين إقراره في عام 1787، لم يكن هناك أي وسيلة تُمكّن المرشح الرئاسي من إعداد حملة انتخابية على مستوى البلاد. على هذا الأساس اختار واضعو النظام عدم انتخاب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي المباشر، بسبب مخاوف من أن يكون للولايات الأكبر والأكثر اكتظاظاً بالسكان دور كبير في تحديد الفائز.

يُعد النظام الانتخابي الأميركي فريداً من نوعه، فالفوز بمزيد من الأصوات لا يعني بالضرورة الفوز بالانتخابات. يقوم هذا النظام على أساس الهيئات الانتخابية، إذ يجب على المرشحين الفوز بما لا يقل عن 270 صوتاً من إجمالي أصوات الهيئة الانتخابية البالغ عددها 538.

يتم تخصيص كل ولاية بعدد محدد من أصوات الهيئة الانتخابية، يتناسب تقريباً مع حجم السكان. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يعيشون في ولاية ما، زاد عدد ناخبي تلك الولاية، لكن الحد الأدنى لعدد أصوات الولاية هو ثلاثة.

تمتلك ولاية كاليفورنيا، أكبر الولايات من حيث السكان، 55 صوتاً انتخابياً، بينما تحصل تكساس على 38 صوتاً. تليها نيويورك وفلوريدا بـ29 صوتاً لكل منهما.

تم اختيار نظام الناخبين، الذي يستند بشكل فضفاض إلى مجمع الكرادلة الرومانيين الكاثوليكيين لاختيار البابا، بنظرية مفادها أن الأفراد الأكثر معرفة واطّلاعاً من كل ولاية سيختارون رئيساً على أساس الجدارة، متجاهلين ولاءاتهم للولايات.

لذلك عندما يدلي الأميركيون بأصواتهم في الثالث من تشرين الثاني، فإنهم من الناحية الفنية يصوّتون للناخبين لا للمرشحين أنفسهم. ويدلي كل ناخب بصوت واحد بعد الانتخابات العامة. يتم بعدها تنصيب الرئيس ونائب الرئيس المنتخَبين حديثاً في الـ 20 من كانون الثاني عام 2021.

عادة ما يعكس نظام الهيئة الانتخابية أرقام التصويت الشعبي، فقد فاز الرؤساء بالتصويت الانتخابي بينما خسروا التصويت الشعبي خمس مرات فقط في تاريخ الولايات المتحدة. كانت أحدث حالة في عام 2016، عندما فاز ترامب بالهيئة الانتخابية، لكن منافسته هيلاري كلينتون فازت بالتصويت الشعبي بفارق 2.8 مليون صوت.