في البداية، نود أن نطمئنّ على وضع الأسير وليد دقة الصحي؟ وضع وليد الصحي هو كالتالي، لديه حالة صحية معقّدة وحساسة جداً رئوياً، وفي القلب أيضاً لديه قصور قلبي خطير جداً، عضلة قلبه ضعفت جداً بسبب كل تعقيدات الوضع الصحي الذي مرّ به في الشهور الأخيرة. وليد موجود الآن في سجن الرملة الذي لا يستوفي الشروط الأساسية لعلاجه، أو لعلاج حالة صحية مركّبة ومعقّدة كالتي يعاني منها، وأيضاً التنقلات بين المستشفيات كل يومين، من هذا المستشفى إلى ذاك، هذا لا يساهم في تقدم وضع وليد الصحي، ربما يعيق عملية شفائه والعودة لوضعه الصحي كما كان قبل الانتكاسة الصحية.
ليست لدينا في سجن الرملة معلومات دقيقة حول وضعه، لأنه كما تعلمون، «الرملة» سجن مثل كل السجون، ولا نستطيع هناك أن نذهب ونزور الأطباء، ونقف معهم عند وضعه الصحي كما كنا نفعل عندما كان يمكث في مستشفى عادي مدني خارجي، هناك زيارة مرتقبة يوم الخميس القادم ونأمل أن نطمئنّ على وليد وأن نجد وضعه مستقراً.
(سناء سلامة زوجة الأسير وليد دقة وابنتهما ميلاد)

كيف تقيّمون هذا الوضع، وما الإجراءات التي تتخذونها كعائلة بهذا الخصوص، وهل هناك خطوات تنوون القيام بها في الأيام القادمة؟
توتر وترقب شديدان، ومحاولة المتابعة على مدار الساعة لوضع وليد الصحي أيضاً. استصدرنا تصريحاً خاصاً لمختص رئوي، طبيب من طرفنا كي يقوم بمتابعة وعلاج وليد من جانبنا وليس فقط الاعتماد على الأطباء في المستشفيات الإسرائيلية، لكن للأسف هذا المختص لم ينجح حتى الآن في زيارة وليد بسبب تنقلاته الكثيرة بين المستشفيات كما قلت.
الخطوات التي ننوي القيام بها كما ذكرت، هنالك الزيارة المرتقبة للاطمئنان عليه وتقييم وضعه ومحاولة أن نفهم كل التفاصيل التي تتعلق بعلاجه بسجن الرملة، وكيف تتم المتابعة وإذا كان الأطباء أو الأقسام داخل عيادة السجن مؤهلين لتدارك أي وضع صحي طارئ يمكن أن يطرأ على صحة وليد.
أيضاً بمساعدة المحامين، ومن خلال زياراتهم، نحاول أن نكون بصورة وضع وليد على مدار الأيام والساعات، ونأمل أن نحدث اختراقاً في هذا الموضوع، بحيث ندخل متخصصين من جانبنا. أيضاً قدّمنا طلباً لإدخال طبيب جراحة قلب لزيارة وليد ومعاينته، ونأمل أن لا نصطدم بالبيروقراطية والعنصرية كما هو الحال دائماً، وأن نستصدر التصاريح بسرعة. وفي حال لم ننجح، سوف نتوجه إلى المحاكم باستئنافات سريعة، فنحن كعائلة من حقنا مواكبة وضع وليد عن قرب في هذه اللحظات الصعبة.

قانونياً، ما تقييم المحامين، وما الإجراءات التي يمكن أن يتخذوها لمساعدة وليد في معركته مع الاحتلال؟
بالنسبة إلى الوضع القانوني، رأيتم كيف أرجؤوا النظر في قضية وليد، وأحالوها إلى لجنة المؤبدات، مع أن وليد أنهى حكمه المؤبد الذي حُدد بـ 37 عاماً يوم 27 آذار الماضي، ولذلك يحق لوليد أن يتقدم أمام لجنة عادية من أجل الإفراج المبكر لأسباب صحية، لكنّ سلطات الاحتلال رفضت، ولا تزال تصر على أنه أسير مؤبد وينطبق عليه تعريف الأسير المؤبد، ولجنة المؤبدات تُضيّق كثيراً هامش المناورة القانونية ليس كاللجنة العادية، ونحن ما زلنا في هذا السؤال، وإذا ما تمّ التعنت بهذا الموضوع واعتبار وليد أسيراً مؤبداً ولا يحق له الإفراج المبكر، فنحن سوف نستأنف على هذا القرار أمام الهيئات العليا. في العموم أعتقد أن قضية وليد لن تُبت قانونياً أمام هذه اللجنة أو تلك، إنما سوف تُبت أمام الهيئات القضائية العليا في دولة الاحتلال، أي محكمة العدل العليا. الاحتمالات ليست كبيرة، لكن هذه معركة فُرضت علينا، ونحن لا نريد أن نوفر أي جهد أو باب من دون أن نطرقه، أو نحاول فتح طاقة أو إمكانية أو فرصة للضغط من إطلاق سراح وليد وتلقيه العلاج بلا قيد.
وليد معروف بمعاركه ضد سلطة مصلحة السجون، ومعروف بانتصاراته ضد هذه «المصلحة» وذروة هذه الانتصارات ابنتنا ميلاد


القضية الفلسطينية، طالما أنجبت أيقونات نضالية، ووليد دقة، أيقونة في الأسر، وأحد رواد الفكر من السجون، كيف تنظرين إلى هذا التصنيف الأيقونة لوليد دقة، وهل هذا الأمر يخدمه في صراعه مع الاحتلال؟
بالنسبة إلى قضية الأيقونات النضالية، وهذه المسميات الضخمة التي نحب أن نستعملها، وليد يُعتبر في هذا المجال من أبرز الأسرى ورموز الحركة الأسيرة ومفكريها، لأن وليد يملك إرثاً نضالياً وفكرياً وثقافياً ومعنوياً استثنائياً بكل المعايير. نحن نتحدث عن أسير استثنائي بكل المعايير، أولاً من ناحية سنوات الاعتقال، معتقل منذ 37 عاماً في السجون الإسرائيلية، وخلال هذه السنوات كان نداً دائماً لهم، وكان دائماً في المواجهة، ومنتصراً عليهم، وليد معروف بمعاركه ضد سلطة مصلحة السجون، ومعروف بانتصاراته ضد هذه «المصلحة» وذروة هذه الانتصارات ابنتنا ميلاد كما تعلمون، التي جنّ الاحتلال جنوناً منذ نوّرت ميلاد فلسطين ونوّرت الدنيا بقدومها يوم 3 شباط 2020 وحتى اليوم.
لذلك، عندما تقول وليد دقة تقول «جغرافيا المقاومة» كتابه عن اجتياح مخيم جنين والمقاومة في هذا المخيم، عندما تقول وليد دقة تقول «صهر الوعي»، وهي أهم دراسة على الإطلاق، وضعت عن الحركة الأسيرة دراسة سياسية تحليلية بامتياز تربط بخط مشترك بين ما يحدث في السجون وما يحدث خارج السجون من ناحية استراتيجية الاحتلال في هندسة البشر، وهنا هندسة الفلسطيني كي يفكر مثلها، وكي يهادن ليصبح فلسطينياً لطيفاً متنازلاً عن حقوقه وكرامته وحريته واستقلاله.
عندما تقول وليد دقة تقول «الزمن الموازي» وهي رسالة كتبها وليد في «اليوم الأول من العام العشرين في الأسر»، وهكذا أسماها، وفيها اجترح فلسفة الزمن الموازي، وتحدث هناك عن زمن الأسرى وزمن من هم خارج الأسر، والحقيقة أن هذا المصطلح أصبح شعبنا الفلسطيني يستخدمه، وكُتبت بصدده الكثير من الدراسات الأكاديمية، دراسات ماجستير ودكتوراه، هي كانت رسالة عميقة، رسالة فيها أدب وفيها فكاهة وفيها فلسفة عميقة جداً، وأنصح جداً بقراءتها، وهي موجودة على النت، وقد نسيت أن أقول إن الكتاب يُدرّس في الجامعات الفلسطينيّة في الضفة لأهميته طبعاً.
وأيضاً حين نقول وليد دقة نقول «سر الزيت»، و«سر السيف»، وهي كتب وروايات لليافعين، وهو أول أسير يكتب روايات لليافعين، و«سر الزيت» نالت الجائزة الأولى على مستوى العالم العربي، لأن وليد فعلاً لديه القدرة والإبداع، ولم يأخذ الجائزة لأنه أسير، «سر الزيت» تتحدث عن الأسر، و«سر السيف» يتحدث عن النكبة واللجوء، وهناك سيكون كتاب «سر الطيف» عندما يجتاز وليد الانتكاسة الصحية إن شاء الله، وهو يتحدث عن الشهداء والشهادة، وهو مشروع كتاب لم يُنجز بعد، وقد عنونه وليد بعنوان «الشهداء يعودون إلى رام الله».
هذا بالإضافة إلى عشرات الرسومات، وليد يرسم أيضاً، ويكتب الشعر، وكتاباته إبداعية. هو من الأسرى المبدعين بالتقاط المشهد، وترجمته على الورق بشكل مذهل، أيضاً أنصح جداً بقراءة ما أسماه وليد «مرافعة ميلاد»، وهي مرافعة كتبها وليد باسم ميلاد، وكأن ميلاد تقف أمام قاضي الاحتلال وتحاكمه على منعه قدومها كل هذه السنوات إلى الحياة، ويشرح فيها وليد على لسان ميلاد كم أن ميلاد تتفوق أخلاقياً على قاضي الاحتلال الإسرائيلي. هذه نبذة قصيرة عن وليد دقة، هذا هو وليد دقة. هو في هذا المجال أيقونة مع وصولات كما يقولون، ومع تاريخ نضالي يفتخر به.

(الأسير وليد دقة)

على صعيد العائلة، كيف تعيش سناء وميلاد في هذه الظروف الصعبة، تحديات الحياة من جانب، ومواجهة الاحتلال من جانب آخر، وكيف تتعاملين مع ميلاد على هذا الصعيد، وهي ترى صور والدها في الاعتصامات والفعاليات التي تقام من أجله؟
بالنسبة إلى ميلاد وكيف تتعامل مع الوضع، وكيف نعيش في ظل هذه الظروف. طبعاً الوضع ليس سهلاً علينا، نحن في ضغط كبير جداً. أحتاج إلى ناطق إعلامي كي يخفف عني ضغط الاتصالات والمقابلات والنشاطات التي نقوم بها، هذا من جانب أعتبره إيجابياً ومباركاً، أقصد كل هذا الاهتمام. ورغم كل هذا الضغط ومحاولتي للوصول إلى كل من يريد أن يسمع أو يعرف عن وليد، فأنا لا أوفر أي باب، ولا أي جهد في هذا المجال. ورغم انشغالي على مدار 24 ساعة بقضية وليد، لكنّ ميلاد كانت ولا تزال الأولوية الأولى، ولا شيء يهم أكثر من حياة ميلاد ومدرستها، هي تذهب للحضانة، لكنها تصرّ على تسمية الحضانة مدرسة، لأنها تريد أن تكبر بسرعة. لم يتغير نظام حياة ميلاد، أتعامل معها كأنها صبية بالغة تعيش معي في البيت، ولا أتعامل معها بلغة الأطفال، وقد تستغربون عندما تحترم عقل الطفل وعقليته، يدهشك بمدى نضجه، ويعيد إليك هذا التعامل بشكل مذهل من الوعي والإدراك لما يحدث حوله. طبعاً أنا لا أبخسها حقها كطفلة، أن تعيش حياة الطفولة، فأصطحبها للورش التربوية والدورات المختلفة، وكل ما يلزم في هذا الجانب، كي تحقق فضولها وحياتها وتكتشف، وكي يكون لها أصدقاء من عمرها. لديها حياتها، لكن هي ترافقني أيضاً في أغلب النشاطات، وهي تعلم أن أباها أولاً في السجن، وهي تعلم هذا الأمر مني ومن وليد، لأننا حرصنا أن تعلم ميلاد حكاية والدها، ولم نكن نريد أن تعلم ذلك ميلاد من خلال سياق قد يكون مؤلماً لها، وكما يقول وليد: «الصدق هو القيمة العليا لتربية الأطفال». الآن حينما تسأل ميلاد «أين بابا؟» لا تقول إنه في السجن، إنما تقول: «في المستشفى مريض» لأنها زارته هناك، وهي تعلم أنه مريض. في زياراتنا القليلة عند وليد تقول له: «بابا حبيبي بابا تعال عنا، بابا احنا منحبك»، يعني تتفاعل بشكل رائع وجميل مع والدها، وأنا لا أخاف على ميلاد، كما قلت أنا معها، أحافظ على توازن شديد جداً بين كونها طفلة وحقيقة أنها تمر معي بكل ما نمر به، والحمد لله هي شجاعة ومبادرة، ورأيتم أكيداً صورها كيف تهتف وتتفاعل وكأنها تؤدي دورها من دون أن تتعرض لنكسات نفسية لا سمح الله.

قمتم بإنشاء حملة من أجل الإفراج عن الأسير وليد دقة، هل التفاعل يرضيكم، وهل تأثير هذه الحملة يحمل تأثيراً عالياً في المستويات الدولية والتي قد تقوم بدور ضاغط على الاحتلال؟
حملة الإفراج عن وليد هي حملة مرضية، لكن لن تكون مرضية إلى حد كبير، طالما لم نحقق الهدف المنشود وهو «حرية وليد»، وإطلاق سراح وليد. دائماً هناك المزيد الذي يمكن فعله، دائماً هناك المزيد من الجهد والنشاطات والتكثيف والتفعيل والتعميم والنشر لمضامين الحملة وصفحاتها وعناوينها، لذلك طالما لم نحقق الهدف المرجوّ، فسوف نستمر في الضغط بكل الوسائل، ونحن نضغط جماهيرياً، ومع المؤسسات القانونية والحقوقية، وأيضاً على المستوى الرسمي السياسي لأننا نعتبر أن القيادة الفلسطينية عليها واجب أخلاقي ووطني وسياسي للقيام بدورها إزاء وليد، وإزاء كل الأسرى المرضى والأسرى عموماً. دولياً نحن نتساعد مع وزارة الخارجية الفلسطينية، ونأمل أنها تقوم بالجهد اللازم أو المطلوب، وسنحاول أن نوسّع هذا الضغط والجهد، كي نحقق حالة رأي عام ضاغط من أجل إطلاق سراح وليد، وندعو أيضاً المقاومة في غزة لمحاولة تسريع صفقة التبادل، مع أننا ندرك بأنه ربما الأمور لا تتعلق تماماً بهم، لكن ربما هناك وسائل أو طرق يمكن دراستها من أجل التعجيل في الصفقة، لأن هذه الصفقة لن تنقذ فقط وليد، إنما الكثير من الأسرى المرضى، والأسرى عموماً في السجون الإسرائيلية الذين نتمنى لهم الحرية ولأسيراتنا والأسرى الأشبال في سجون الاحتلال الإسرائيلي.