في العاشر من حزيران قبل عامين، استشهد القائد المطارد جميل العموري في شارع الناصرة بجنين، برفقة بطلين من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية: أدهم عليوي وتيسير عيسة. كان «مجدّد الاشتباك» في طريقه إلى زيارة أحد الأصدقاء في المشفى، في سيارة مع صديقه وسام أبو زيد، لاحقتهم قوة صهيونية فاشتبكوا معها، استشهد جميل واختُطف جثمانه، واستشهد أدهم وتيسير، واعتُقل وسام.
■ ■ ■

«الله يرحمه، الله يرحم الشهيد إللي معاه، إبني مش أحسن من غيره، استشهدوا كثير على أرض الوطن، احنا عايشين في فلسطين، أرض رباط، أرض مرابطين، هاي تعودنا عليها. تعودنا، اليوم ابني، بكرا واحد ثاني الله أعلم مين، الله يصبر قلب كل أم شهيد، الله يرحمهم. خليها تسمع إسرائيل، احنا مش خايفين، والله ما خايفين، راح أدهم بيجي 100 بداله. هي أبناء السلطة قاعدين بغامروا عشان شعبهم، قاعدين بضحوا بأنفسهم، أول واحد ابني أدهم، ضحى لأجل شعبه، لأجل ولاد شعبه، لأجل يدافع، الحمد لله رب العالمين أنه استشهد» (والدة ووالد أدهم عليوي في لقاء صحافي مع المركز الفلسطيني للإعلام في صباح يوم الاستشهاد).
■ ■ ■

«إنه الموت على كل حال، فليكن الاستشهاد موتاً جميلاً يهب الحياة ويصنع توازن الرعب عندما نعجز عن تحقيق توازن القوى [...] كنت أحلم بالشهادة منذ صغري ولكن وضعي السياسي والتنظيمي كان يدفعني إلى مواقع مختلفة. أثناء التعذيب على أيدي الإسرائيليين في سنوات الاعتقال والتحقيق أحسست أحياناً بالاقتراب من هذه اللحظة وتمنيتها، على كلٍّ ما زلت أنتظر» («فتحي الشقاقي، رحلة الدم الذي هزم السيف»، الأعمال الكاملة للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي. القاهرة: مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1997، 1162).
■ ■ ■

«صعبة السنة، خاصة رمضان، خاصة العيد، خاصة الذكريات، تاريخ ميلاده كان في 6/2 يعني هو استشهد بعد تاريخ ميلاده في 8 أيام! وهس تاريخ ميلاده مر في 6/2. عنجد صعبة الحياة. لا مش حلوة. قد ما كنت مبسوطة معاه في الحياة، قد ما زعلت عليه وراح أزعل. وراح اتضل غصة في قلب الواحد» (لقاء مع زوجة وعائلة الشهيد تيسير العيسة على قناة «جي ميديا»).
■ ■ ■

منذ قيام مجموعة من المستوطنين باختطاف الطفل محمد أبو خضير من شعفاط وتعذيبه وحرقه، وهو حي في أحراج دير ياسين في الثاني من تموز 2014، ونحن في انتظار مستمر لبدء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. ومن يقرأ التطور النوعي على قدرات الجماهير المقاتلة منذ ذلك اليوم يدرك أن الشعب الفلسطيني قد طوّر قتالاً ووعياً جماعياً، وحلماً مشتركاً، وعلاقة مع الفقدان والتضحية والموت/الأرض أعاد فيها تعريف الانتظار والانتفاضة. هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى انتفاضة يتكامل فيها العمل الفردي مع الحركات الاجتماعية والعمالية، والعمل النسوي مع العمل السري والعسكري في تنفيذ البرنامج السياسي وطموحات الشعب. ولكن قد يكون تحديد نقطة البداية والنهاية غير ممكن.
والحقيقة أنه «لن يستطيع أحد نزع سلاح شعب يقبض عليه منذ 75 عاماً. هذا سلاح حاربنا به الاحتلال البريطاني والاحتلال الصهيوني ولن ‏نلقيه قبل زوال الاحتلال. هذا سلاح عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وخليل الوزير ومصباح الصوري وعماد عقل ولن نفرط ‏فيه. العمل المسلح داخل فلسطين المحتلة أمر شديد التعقيد لأسباب عديدة وهو يحتاج إلى بنية تنظيمية دقيقة، وأي عمل ليس ابن لحظته وإنما في سياق تراكم خبرات وإمكانات وعمليات تكتيكية متعددة، وهذا يجعل العمل المسلح في فلسطين هو الأكثر كلفة في العالم، وليس بالإمكان تحديد تكاليف عملية بعينها» (فتحي الشقاقي، مصدر سبق ذكره).
■ ■ ■

«من أول يوم وهو يقول لي: عنجد تحرير كيف بدها تقلي بابا تيسير، بدها تنادي علي بابا تيسير؟ وأنا أضحك عليه، أقله خليني أخلّف هس، مستعجل انت؟ طيب بدي أجيبلها ألعاب، بدي أجيبلها ألعاب [...] حَضرلها كل اشي والله، ما ضل اشي ما جابلها ياه، أواعي، سرير حتى الشامبو حتى الألعاب الصغيرة كنا جايبينهم، والحمد لله انه البنت أجت وسليمة، بس يا ريت لو إنه شافها» (لقاء مع زوجة الشهيد العيسة، مصدر سبق ذكره).
■ ■ ■

«يا جميل العموري... جبنالك ورد الجوري»
قبل أيام من استشهاد جميل وأدهم وتيسير، في التاسع عشر من أيار 2021 انطلقت المقاتلة البطلة وفاء البرادعي من منزلها في الخليل، إلى مدخل مستوطنة «كريات أربع» حاملة سلاح «أم 16»، مقرّرة المشاركة في معركة «سيف القدس» على طريقتها الخاصة، شاقة طريقاً أبدياً، جدّدت فيه وفاء الاشتباك واستشهدت واختُطف جثمانها الذي قرّبت به الصهاينة خطوات نحو فنائهم.
«من صغره وهو بشتري البواريد، ويلعب فيهن، بحب هاي الشغلة من صغره. جميل العموري بقى نبراس في هذا المخيم، في التصدي، كيف بواجه آلية عسكرية أو مشاه، يكون وجه لوجه على الطريقة الرومانية، بهابش حدا، أشتغل في السلاح فترة طويلة، وكانت هوايته، وكان الابن البار لمخيم جنين، احنا كنا نحبه ونميزه دون عن الكل، يعني جميل بما أنه المطارد الأول إللي أحيا هذه الحالة، جميل كان ظاهرة، أعاد مجد الاشتباكات لمخيم جنين. جميل رجّع 2002 جميل أحيا إرث الشهداء في مخيم جنين. أشجع من هيك بني آدم ونخوجي لدرجة لا توصف. في كل اشتباك بتذكر جميل، لأنه هو القائد، هو البقول روحو غاد، تعالو هون، جيبو هاض، جميل قائدنا» (لقاء مع والدة وشقيق وأصدقاء جميل العموري، «جي ميديا»).
■ ■ ■

«أصحاب نظرية الأمر الواقع يخدعوننا، ويقولون إن موازين القوى مفروضة وليس أمامنا إلا أن نعترف بالأمر الواقع، ونحن نقول الذي سيعترف بهذا الأمر الواقع سوف يقول غداً هناك واقع جديد وعليه أن يعترف به أيضاً، وهكذا أمر واقع بلا قرار حتى في النهاية ينتهي وجود هذه الأمة لأننا نريد أن نستجيب لضغط الأمر الواقع. يعتقدون أنه لا يوجد بديل وأنه يجب أن نقبل بما يجري وأن نبني عليه، نحن نقول ما يجري لا يمكن البناء عليه [...] نرى أن الحل هو الصمود والثبات واستمرار المقاومة، وأن هذا هو الشرط الأساسي لإحداث التغيير وأن علينا أن نتماسك حتى تمر هذه الأزمة التي تعيشها الأمة، وتنهض في مواجهة هذا العدو الغازي الطارئ غير الأصيل الاستثنائي في حين نحن نملك مفردات القوة الثابتة الحقيقية» (فتحي الشقاقي، مصدر سبق ذكره).