تبلورت أسباب عدة دفعت «الكتلة الإسلامية» إلى الفوز في انتخابات مجلس اتحاد طلبة جامعة «بيرزيت» للعام الثاني على التوالي، بعد أيام من فوزها في انتخابات جامعة «النجاح»، كبرى جامعات الضفة الغربية. وإذا كان هذا الفوز يجسد مكانة الحركة الأم لـ«الكتلة الإسلامية» في الضفة ويظهر مكانتها، فإنه يشي بفشل كل محاولات الملاحقة التي يتعرض لها عناصرها، سواء من قبل إسرائيل أو من قبل السلطة، والتي تستخدم من قبل «الكتلة» في دعايتها الانتخابية.وبينما تروج «الكتلة الإسلامية» أن فوزها في انتخابات جامعات الضفة مؤشر إلى ثقة الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة، التي تقول إن «حماس» رأس حربته وتتبناه في خطابها، ورفض التنسيق الأمني الذي يُعد أحد أعمدة سياسة السلطة التي تمثلها حركة «فتح»، إلا أن العديد من الأوساط داخل «فتح» تعتقد أن فوز «حماس» لا يتعلق بزيادة شعبيتها، بقدر ما هو انتقام وعقاب لها لأسباب بعضها يتعلق بانقساماتها الداخلية، أو جراء ممارسة السلطة وقياداتها، ومواقفهم السياسية.
يُفترض أن تكون الانتخابات الطالبية نقابية وخدماتية بالدرجة الأولى، لكنها في فلسطين تُعدّ انتخابات سياسية بحتاً، ولعل ذلك يعود إلى غياب أشكال الانتخابات الأخرى، مثل الرئاسية والتشريعية، والتي تتنافس فيها الفصائل والأحزاب، ويتجلى ذلك الانعكاس في الدعاية والمناظرة الانتخابيتين اللتين تقدمهما الكتل، فيطغى عليهما الخطاب السياسي. وفي نظرة سريعة على فوز «الكتلة الإسلامية» في جامعة «النجاح»، نجد أن للأحداث التي شهدتها المدينة خلال السنوات الست الماضية، بالتزامن مع توقف الانتخابات في الجامعة، دوراً في النتائج، وتحديداً أحداث العامين الماضيين التي عاشتها المدينة على توقيت «عرين الأسود» كظاهرة تجسد المقاومة المسلحة، فأعادت الاشتباك المسلح والمواجهة مع الاحتلال إلى الواجهة.
ورغم أن العديد من مقاومي «العرين» محسوبون على «فتح»، فإنهم اشتكوا من ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم واعتقالهم وتعذيبهم في سجونها، وهذا يتضح، سواء في وصاياهم أو في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن البعض وفي تسجيلات مصوّرة بايعوا قائد «القسام» محمد الضيف على المقاومة، كما ارتبط تشكيل وتمويل «العرين» بـ«حماس»، وعلى ضوء ذلك اعتقلت الأجهزة الأمنية القسامي مصعب أشتية واتهمته بالمسؤولية عن تمويل المجموعة، وهو ما أثار غضب المقاومين والأهالي، وأدى إلى اشتباكات عنيفة في المدينة تركت انطباعات سلبية تجاه السلطة، كما نفّذ العديد من عناصر «حماس» في نابلس عمليات فدائية، حظيت بتأييد شعبي واسع، كونها جاءت رداً على مجازر الاحتلال، كعملية الشهيد خروشة التي قُتل فيها مستوطنان، وعملية «شافي شمرون» التي قُتل فيها جندي، وعملية الأغوار التي قُتلت فيها 3 مجندات، وكل ذلك شكّل مادة دسمة في خطاب «الكتلة الإسلامية».
لقد شكّل سلوك القيادة السياسية للسلطة أو الفصائل، وبشكل تراكمي، العامل الحاسم في التصويت، وخاصة تلك الأحداث والتصريحات التي سبقت عملية التصويت


وبينما تنقّلت «الكتلة الإسلامية» في خطابها بين تبني خيار المقاومة في الضفة، وبين الإشادة بتجربة المقاومة في غزة، مستلهمة من معركة «سيف القدس» التي بدأت بإعلان من قائدها العام محمد الضيف، الذي بات يحظى بشعبية جارفة في الضفة، فسجلت نقاط قوة لها. وهاجمت السلطة وممارساتها، سواء داخل الجامعات أو خارجها، واتهمت الأجهزة الأمنية بالسيطرة عليها، وتساوق «الشبيبة» معها ومع إدارة الجامعة ضد الطلبة، وصولاً إلى استمرار التنسيق الأمني، وعقد اللقاءات مع الإسرائيليين في شرم الشيخ والعقبة.
وقوبلت خطابات العديد من المسؤولين في السلطة، سواء الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، أم المحافظون، باستياء شعبي كبير، إضافة إلى بعض الأحداث التي ستبقى تلاحق السلطة، مثل قتل نزار بنات، وموقفها من إضراب المعلمين، وتأجيل الانتخابات العامة، والفساد العام، فحظيت كل تلك الأمور بالتركيز في خطاب «الكتلة الإسلامية»، وبالتالي لم يكن غريباً ترديد مُناظِر الكتلة في أكثر من مناسبة كلمة «احمونا» من باب التندر، والتي دأب الرئيس عباس على إطلاقها في أي مناسبة.
وفي نابلس تحديداً، لم يغب ما تعرّض له الطلبة من اعتداء داخل أسوار الجامعة، وسحلهم من أمن الجامعة المحسوب على «فتح» والمقرّب من «الشبيبة» عن صندوق الاقتراع، ولعل ما عزّز ذلك، هو ظهور مدير الأمن السابق في الجامعة الذي جرى توقيفه عن العمل على رأس الحملة الدعائية لـ«الشبيبة» في نابلس. وبدت الانتقادات التي وُجّهت إلى «الكتلة الإسلامية» في خطاب «الشبيبة» غير كافية للتأثير الكلي في توجهات الطلبة، وإن كانت قد حققت بعض الأثر، وهذا ربما يفسر تراجع «الكتلة الإسلامية» في جامعة «بيرزيت» 3 مقاعد عن العام الماضي، مقابل تقدّم «الشبيبة» مقعدين، على عكس جامعة «النجاح».
ولعل عدم مشاركة «حماس» في المواجهة الأخيرة على قطاع غزة، والتي خاضتها «الجهاد الإسلامي» مع بعض الفصائل الأخرى لمدة 5 أيام، شكّل أبرز النقاط التي استندت إليها «الشبيبة» في مناظرتها مع «الكتلة الإسلامية»، إضافة إلى علاقات «حماس» الإقليمية، وتحديداً مع قطر، والمنحة القطرية التي تدخل إلى غزة، وهجرة قادة «حماس» من القطاع إلى الخارج، وتحديداً إلى قطر، وهروبهم من الواقع الحياتي في القطاع، إضافة إلى انتقاد أداء مجلس الطلبة في «بيرزيت»، والانتقاص من عمله خلال ترؤسه المجلس على مدار عام.
وبينما تضمن الكتل الطالبية عادة أصوات عناصرها في الانتخابات، إلا أن كل ما ذُكر أعلاه هو محاولة لاستقطاب أصوات الطلبة غير المؤطرين، وهذا يجري من خلال استغلال بعض الأحداث العامة التي تَشكّل حولها رأي عام، فنجد أن «الكتلة الإسلامية» ركّزت على خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، وتحديداً مطالبته المتكررة بـ«احمونا»، وتحولها إلى «ترند» على وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، إضافة مثلاً إلى صورة الشاحنة التي أُغلق بها شارع رئيسي قرب الخليل لعرقلة وصول المعلمين إلى اعتصام مركزي في رام الله، لكنّ هذه الشريحة تبقى متأرجحة وهي غير ثابتة ومتقلبة في التصويت، ولعل هذا ما يفسر صعود بعض الكتل أو هبوطها بعدد من المقاعد.
لقد شكّل سلوك القيادة السياسية للسلطة أو الفصائل، وبشكل تراكمي، العامل الحاسم في التصويت، وخاصة تلك الأحداث والتصريحات التي سبقت عملية التصويت، وأثّرت على مزاج الطالب، ويبدو أن هذا العامل الحاسم بدأ يؤسس لمرحلة تغيير، يمكن القول إنه في بدايته، لكنه يحمل إشارات مهمة، لارتباطه بجيل الشباب، على غرار ما جرى في قاعة «كمال ناصر».
تُعدّ هذه القاعة في «بيرزيت» الأكبر من حيث أصوات الطلبة، كونها مخصّصة لطلبة السنة الأولى الذين يناهز عددهم 3 آلاف طالب، وهم لم يختبروا التجربة الديموقراطية سابقاً، وتاريخياً كانت تُحسب لحركة «الشبيبة» التي تفوز بها بفارق كبير عن «الكتلة الإسلامية» وتقلب بها نتائج الانتخابات، إلا أن «الكتلة» (خلال العام الجاري والعام السابق) استطاعت الفوز بها، وهو ما يشير إلى قدرة التأثير على هذه الشريحة ذات التأثير العالي، فغالباً ما تكون غير مؤطرة سياسياً.