يصف الشاعر أحمد دحبور تجربة فرقة «العاشقين» بـ«التجربة الجذابة للمنصة والجمهور، والتي حملت في ثناياها الهمّ الفلسطيني الجمعي، وجرح الوطن النازف. ورسمت في فضاء الكون أملاً، وفي خيال الشعب ثورة وحرية. وهي تجربة واقعية تستحق أن تؤرخ». ماذا تقول عن هذه التجربة الآن؟ما لا يعرفه بعض الناس، أن فرقة «العاشقين» كانت نتيجة تجربة، بدأنا بأغان معينة، دوّرناها وبحثنا عن اسم لمجموع هذه الأغاني واتفقنا على اسم (فرقة أغاني العاشقين)، بمعنى أنها أغاني الناس الذين يعشقون فلسطين. من هنا، كانت أهمية الفرقة واستمراريتها، ولا تزال حتى اليوم، والذين أسسوا الفرقة كانوا من الشباب، ووصلوا اليوم إلى أعمار متقدمة، كلهم غنّوا أو عزفوا أو رقصوا أو فعلوا أي شيء ضمن «العاشقين»، كانوا يفعلون ذلك عشقاً لفلسطين، فعزفوها وغنوها ورقصوا من أجلها، بطريقتهم، بطريقة «العاشقين»، وعلى الكل أن يفعل ما يجب من أجل فلسطين، وفنياً غنّوا واعزفوا وارقصوا وأبدعوا من أجل فلسطين، لكن بسوية عالية ورفيعة بمستوى هذه القضية.

يُزعم أن «العاشقين» انحازت إلى قوى فلسطينية معينة في مجاراة لسياساتها ونهجها، كيف ترد على ذلك؟
هذا غير صحيح، لأن دور الفرقة وغيرها من الفرق الغنائية الملتزمة كان ولا يزال هو تأريخ مراحل النضال للشعب الفلسطيني عبر الأغنية السياسية والوطنية. وحتى بعد اتفاق أوسلو لم نقترب من السياسة، وبقينا على مسيرتنا، وليست مهمتنا أن نصلح الغلط، لكن مهمتنا «نحكي الصح». وأعطيك مثالاً من الراهن، استمعت إلى أغان عن عملية القدس التي حصلت في الآونة الأخيرة، وقبلها أغان عن مجزرة مخيم جنين، وكل هذه الأغاني كانت معبرة، سواء بالنسبة للعملية أو للمجزرة، وهؤلاء الذين قدموا هذه الأغاني ليس لهم علاقة بـ«أوسلو». لذلك، فإن مهمتنا، كانت ولا تزال، أن يثبّت القائمون على الفرق الغنائية كل الأحداث التي يعيشها الشعب الفلسطيني من انتفاضات وثورات، فالأغاني هي التي رسخت في ذاكرة الناس أسماء الشهداء محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، منذ الثلاثينيات وحتى اليوم، وستبقى كذلك في المستقبل تثبّتها في الذاكرة الفلسطينية.

ثمة من يعتقد بموت الأغنية السياسية في الساحة الفلسطينية والوطن العربي راهناً، كيف ترى الأمر؟
لا أعتقد ذلك، لأن الأغنية هي من الداخل، من فلسطين، وهناك عدد كبير من الشباب اليوم نجحوا في أغانيهم وهم صادقون بأدائهم، وهم يمثلون الاستمرارية والبقاء والحفاظ على التراث عبر الأغنية، وأذكر مثالاً على ذلك نوح إبراهيم الذي غنى للوطن في ثلاثينيات القرن الماضي، واستمر وكأنه قام بذلك قبل وقت قريب، لهذا فإن الأغنية تترسخ بالذاكرة ويستمر الناس بالاستماع إليها دائماً، هذا عدا عن العديد من الأغنيات التي تصدر بين حين وآخر وتقدم معنى وقيمة وأهمية، وكذلك استمرارية للماضي الملتزم بالقضايا الجدية.

ما هي العراقيل والتحديات التي تواجه الفن الفلسطيني الملتزم اليوم داخل فلسطين وخارجها؟
لا شك أن التحديات والعراقيل موجودة، لكن عليك أن تشتغل بما يرضي ضميرك، وتؤدي واجبك بالشكل الصحيح، ومن هنا لا قيمة للعراقيل، لذلك لم أكن أنظر خلفي، مهما كانت الظروف، والحمد لله كانت مسيرتنا موفقة، وأتواصل مع الذين عملوا معي مثل يعرب البرغوثي ومحمد هباش الذي يتصل بي بين فترة وأخرى من أوروبا للاطمئنان عليّ، وأخذ المشورة والنصيحة حول أي عمل فني يقوم به.

هل يستوي الفن الملتزم والمال، وكيف تتحوّل الأغنية إلى سلاح؟
يجب أن يعمل كل واحد بما يمليه عليه ضميره، ولا ينتظر من أحد لا جزاء ولا شكوراً، وعليه ألّا يشتغل كمرتزق. وأن يكون العمل مخلصاً بأنه ذاكرة الوطن، وأن الأغنية هي جزء من الأرشيف الوطني للشعب الفلسطيني، لذا يجب أن تكون صادقة في شحذ همم العالم، بغض النظر عن مردودها المالي، وهذا ما جعل فرقة «العاشقين» تختلف عن غيرها، ولا تكون تابعة لأحد أو لأي جهة، فهي أبدعت منذ بداية انطلاقتها على الرغم من إمكاناتها المالية الشحيحة.
وكي يحافظ الإنسان الفنان على تراثه، وتحديداً التراث المعاصر، يجب أن يمتلك ثقافة جيدة وألا يستنسخ نفسه. وأذكر مثالاً على ذلك أغنية «من سجن عكا طلعت جنازة» لم نغيّر فيها شيئاً، لكننا أعطيناها الروح الجديدة التي جعلت الناس لا يقولون عنها أغنية تراثية بالمعنى المجازي.

هل وجد حسين نازك في حياته من يشبه روحه؟
لقد تعاونت عبر مسيرتي الطويلة مع كثير من الشعراء الذين كتبوا عن فلسطين، أو أي مدينة وقرية فيها، وقمت بتلحين قصائدهم إلى أغان، ومن هؤلاء، على سبيل المثال وليس الحصر، ناهض الريس أبو منير رحمه الله، الذي طلبت منه كتابة أغان لكل مدينة فلسطينية، وأيضاً أحمد دحبور الشاعر اللطيف الذي اشتغلت أنا وهو عشرات الأغاني. فالأغنية تتألف من بندين هما الكلمة واللحن، ولأن الكلمة تستفزّ الملحن كي يترجمها، سألتْ مذيعة مصرية أحمد دحبور ذات يوم كيف عملت أغنية «والله لزرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر» فردّ عليها بالقول: أصدرت أربعة دواوين شعرية في تلك الفترة، فما وصلوا إلى الناس مثل ما وصلت هذه الأغنية التي اشتهرت كشاعر من خلالها، وهذا مكسبنا، أنا حسين نازك وهو، مدى قربنا من العالم.

في عمرك ويومك هذا، في لحظتك هذه، إذا طلب منك الذهاب إلى أرضك وبيتك في مدينتك القدس، ماذا ستكتب وتحكي لهما؟
أكتب لأرضي وبيتي، وأقول لهما إن العودة حتمية، ولا بد من يوم نرجع فيه كلنا إلى مدينتنا وأرضنا وسمانا وأقصانا، وإلى كل شيء في القدس، ففيها كل شيء يرتبط بنا، ولن يصحّ إلا الصحيح أولاً وأخيراً. أمّا القدس، فهي مزروعة في شراييننا، ولن نتخلّى عنها مهما فعلوا ومارسوا، والأرض بحدّ ذاتها تتمسك فينا بقدر تمسكنا فيها.

ما هي رسالتك للجيل الفلسطيني والعربي الفني الحالي واللاحق، وهل يمكن رفد متحف المستقبل بالجديد كلاماً ولحناً؟
إن المجال متاح للجميع، لأن الفن إبداع، والإبداع ليس له حدود، ويمكن للأجيال المقبلة أن يبدعوا أكثر مما قدمنا نحن، وهكذا يمكن الحفاظ على هويتنا وعلى إبداعنا.


شيخ الموسيقى الفلسطينية والعربية
الأستاذ حسين نازك هرم كبير، ومهما تحدثنا عنه لا نستطيع أن نفيه حقه، وأنا تتلمذت على يديه منذ كان عمري ثلاثة عشر عاماً. بدأت معه في برنامج «افتح يا سمسم»، وشرف كبير لي أنه أستاذي ومعلمي وشيخ كارنا، والمخزون الكبير من الموسيقى الذي لديّ، السواد الأعظم منه، هو ممّا تعلّمته على يديه، لذلك فإن شهادتي به مجروحة، لكن يجب أن نقول الحقيقة، له فضل كبير علينا جميعاً، وعلى الأغنية الفلسطينية وكذلك على الأغنية العربية. لقد تعلمت منه كيف نتقن التلحين والموسيقى، وإلى الآن أستشيره أحياناً عندما أكتب شيئاً للأوركسترا، ودائماً لديه ما ينصح به ويقدمه لي، وخلال الفترة الطويلة التي ترافقنا خلالها معاً، كنت معه وبجانبه في الاستديو والمسرح والبروفات، وهو بالنسبة إليّ مدرسة كبيرة وعريقة وهو فنان وإنسان محب للجميع، وهرم كبير نسأل الله أن يبارك في عمره.
محمد هباش (من فرقة «العاشقين»)

التزم الموسيقار حسين نازك، ابن مدينة القدس، منذ بداية مشواره الفني والنضالي، بقضايا الوطن والإنسان، فكان وجوده ملحناً في أناشيد الثورة الفلسطينية الأولى، وتابع مشواره، فوضع الموسيقى التصويرية والألحان لأغاني مسلسلي «بأم عيني» و«عز الدين القسام»، وقدم مشروعه الأهم (فرقة العاشقين) منذ عام 1976، والتي حدد شعارها وهويتها منذ البداية «لفلسطين نغنّي». حسين نازك صاحب الكثير من الألحان للمسرح والسينما والتلفزيون، وعلى رأسها مسلسل الأطفال الشهير «افتح يا سمسم».
محمود الخليلي (فنان تشكيلي وممثل)