أن تركل الكرة في أزقة المخيم، يعني أنك ستلعب في مساحة لا تتخطى الأمتار بمشاركة الأمهات وتصفيقهم، ويعني أن تلعب مع النوافذ أكثر من اللاعبين، وأن تتبع الكرة عشرات المرات إلى الأزقة وخارج أسوار المخيم. تبدأ عاصفة المباراة بين شباب لم تنبت لهم أضراس العقل بعد. هي مرحلة إجبارية يمر بها اللاعب الفلسطيني قبل أن يسمح له من قِبل «المحترفين» أن يدخل ملاعب المخيم. وهي مرحلة تمهيدية قبل أن تلعب في فريق أكبر، ففرق الأزقة، أكبرها تضم 3 لاعبين مع حارس مرمى، يحدد بحجارة بدل القوائم والعارضة والشباك. هنا كرة القدم «هي الأوبرا التي يعزفها» شباب المخيم، ومتنفسهم الوحيد. لذلك يكاد لا يخلو مخيم فلسطيني في لبنان من الملاعب، في أغلب الأحيان تكون ملاعب خماسية، أي بخمسة لاعبين وحارس مرمى لكل فريق. يأتي إليها محمد، المولود في مخيم برج البراجنة ويعمل قصاباً، وعمر، البنّاء، ورفاقهما، ليشكلوا فريقاً ينافس فرق المخيمات الأخرى في بيروت، ضمن بطولة المخيمات الفلسطينية التي تقام في ملعب قصقص التابع لبلدية بيروت.
الكل هنا يضع أحلاماً أكبر من كل أسوار المخيم. يفكّر في الاحتراف واللعب في بطولات عالمية، بدأ هذا الحلم من الاصطفاف أمام قهوة «أبو سامر» التي تبلغ مساحتها 6 أمتار، واستراق النظر إلى اللاعبين في مونديال كأس العالم، المكان الذي يجمع نجوم هؤلاء الأطفال.
وفي مخيم برج البراجنة يستثمر «دكنجي» الحارة فرصة المونديال ويضع بعض الكراسي مع شاشة عرض كبيرة ويقدّم المشروبات للحاضرين. فهذه الزاوية توفر على الكثيرين أموال الاشتراك في القنوات الخاصة لنقل المباريات، وتؤمن الأجواء الحماسية. واللافت أيضاً وجود الفتيات، اللواتي شكلن في بعض المخيمات فرقهن الخاصة للعب كرة القدم.
الكل هنا يضع أحلاماً أكبر من كل أسوار المخيم. يفكّر في الاحتراف واللعب في بطولات عالمية


يمكن أن ترى تاريخ تطور لعبة كرة القدم عند الدخول من باب المخيم. من أطفال يلعبون بكرة من صنع الأيادي إلى سماع أغنية مونديال 2022 من النوافذ. وملعب عشبي مخطط حسب معايير الفيفا، لكن بسياج عالٍ، جعله بعض سكان البيوت المجاورة منشر غسيل. فلفتح بوابة الملعب الحديدية، يتوجب دفع المال، وبسعر تقريبي يصل إلى 10 دولارات للساعة الواحدة. وهذه الملاعب عادة ما تكون «مفولة» مع وجود نوادٍ للأطفال، تتعاقد معها شهرياً. وما يخفف الضغط عن أزقة المخيم، بعض الملاعب الرملية القريبة من المخيمات، منها قد أغلق كالملعب عند البوابة الشرقية لمخيم مار إلياس الذي استرده صاحبه، وسوّره، تحضيراً للبناء فيه، ربما، وآخر خلف المخيم، وواحد قريب من طريق المطار، ميزة هذه الملاعب بالنسبة إلى أبناء المخيمات، أنها مجانية، ويجري عقد الاتفاقات على حجزها، وبتفاهم مع الجيران من اللبنانيين. يبقى أن جمهور اللاعبين في المخيم، ختيار الحارة، الذي يتفاعل على طريقته، بالتململ والصراخ لكثرة الضجيج، وأطفال الحي المجاور للملعب في المخيم، فأولئك يحجزون السياج، للفرجة، والتمتع ببعض الدقائق من اللعب على أرضية خضراء، مجاناً.