يفتخر الفلسطينيون بأن العربية ثقافة ألسنتهم، فهي معين ما يسمون إليه بهممهم، ويعتبرون لباسهم التقليدي جزءاً هاماً من ثقافتهم وتراثهم الشعبي، وهم يتمسكون بهذه الثقافة برغم الألم في حياتهم نتيجة ممارسات الاحتلال. لقد فجّر أبناء فلسطين الفنون والموسيقى والأفكار، وتحوّل الألم إلى أعمال خَلق. الألم خَلاق، والأفكار تنشأ مع الألم، والألم ينادي الأفكار، وفي حقيقة الأمر أيضاً، أن الأشياء والأفكار والمعتقدات تنتمي إلى الإنسان الفلسطيني. هذا ما تفصح لك عنه جولة على مصنع الحكايات الفلسطينية المكتوبة بالخيط والإبرة، «نادي فتيات فلسطين» في دمشق لتصنيع و حياكة وتطريز الثوب الفلسطيني التقليدي ومقتنيات أخرى.

تبدأ مديرة النادي السيدة عبير الحفناوي حديثها عن بداية الانطلاقة، فتقول إن النادي تأسّس في مخيم اليرموك جنوب دمشق بدعم منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 برئاسة السيدة نعمة القرشلي، وظل تحت رعاية المنظمة، وحالياً، تتم رعايته من قبل السفارة في دمشق، «بهدف الحفاظ على الهوية والتراث الفلسطيني المتوارث عبر الأجيال، فكل ثوب يمثّل جزءاً من هذه الثقافة، سواء كانت مدنية أو فلاحية أو بدوية. كذلك تمثّل الأزياء النسائية في بعض الأحيان، مدناً فلسطينية محددة».
يتألف النادي من أقسام: الخياطة، التطريز، المبيع، الإعلام، والقسم الإداري، وهو يوفر فرص عمل لنحو 20 فتاة يعملن في الأقسام كافة، لكن هناك أكثر من 300 عاملة يطرزن في بيوتهن: «النادي يصنع جميع الأعمال، منها الأثواب، الجواكيت، الحقائب، الجزادين، الميداليات، الأكسسوار». ويطوّر النادي في أعماله، ويدخل التطريز في الألبسة المعاصرة، حتى يتمكّن أصحاب الأذواق المختلفة من ارتداء ألبسة مطرزة بقطب فلسطينية. تشرح الحفناوي أن لكل منطقة في فلسطين ثوبها الخاص، وحكايتها الخاصة المتعلقة بالغرز:
-ثوب بئر السبع: صُمّم نسبة إلى صحراء النقب، ويتميّز بألوانه، فالأحمر للعروس، والتي تكرر زواجها فثوبها تطرز في جانبيه أزهار حمراء، بينما اللون الأزرق للأرملة. أمّا زينة النساء في بئر السبع، إضافة إلى ثوبها التراثي، البرقع المضافة إليه القطع النقدية الذهبية والفضية، فعدا عن كونه أكسسواراً يقي أيضاً من شمس الصحراء والعواصف الرملية.
- ثوب بيت لحم: يحتوي على أهم القطب وأقدمها، وتسمى التلحمية أو القصب، ويتميز ثوب العروس في هذه المدينة بأنه يصنع من أقمشة الحرير، بألوان زاهية ومخططة مع وجود الكثير من الغرز، بينما يظهر التطريز بكثافة في «قبة» ثوب العروس، أمّا الأكمام فتكون على شكل مثلث مليئة بالرسومات المشربية، وهي أيضاً الأكمام الواسعة التي يطلق عليها «البنايق»، كذلك قد يحتوي ثوب العروس على قماش المخمل المطرز بخيوط الحرير والقصب.

- ثوب نابلس: يشبه الملابس في دمشق، نتيجة طبيعة العلاقات التجارية بين المدينتين، واكتسب المحتوى نفسه، مضافاً إليه الألوان والتطريز بخيوط الكتان والحرير وتحديداً اللون الأحمر والأخضر إلى جانب الربطة الخضراء مع الشال.
- ثوب جنين: يرمز هذا الثوب إلى نساء الريف، والزراعة الريفية في فلسطين، ويدعم ذلك أن نساء جنين عملن ويعملن في مجال الزراعة. وهو ثوب مقلّم باللون الأبيض أساساً، وألوان أخرى.
- ثوب يافا: يتميّز بغرزه الكثيرة والدقة اللامتناهية في التطبيق، إذ يحتوي على عروق الشجر والورد، اقتباساً من البيئة الخضراء الجميلة ليافا، فكل ثوب «يافاوي» يحتوي الكثير من عروق الشجر الملوّن، وخيوط التطريز الفلاحي الأصيل.
- ثوب القدس: أحد أكثر الأثواب الذي يحمل دلالات عن الأزمات والعصور التي تعاقبت على المدينة المقدسة، ففيه مثلاً ما يشير إلى الحروب الصليبية. ألوانه في الغالب داكنة وغامقة، كتعبير عن الحزن.
الإنتاج جيد، وفق الحفناوي، إلا أنه «تتحكّم به وفرة المواد الأولية، التي يصعب تأمينها بسهولة في ظل الحصار المفروض على سوريا»، أمّا التسويق، فيتم «من خلال النادي في دمشق، وفي البازارات والمعارض، داخل سوريا وخارجها، كذلك عن طريق وسائل الإعلام المتنوعة»، وهناك «إقبال لا بأس به من جنسيات مختلفة على التطريز الفلسطيني».
تؤكّد الحفناوي أن الهدف من عملهم هو تعريف الأجيال، وتحديداً الفئات العمرية الصغيرة، على التراث الفلسطيني، ليصبح هذا التراث في كل منزل فلسطيني، لدحض محاولات الاحتلال تزييف هذا التراث وسرقته ونسبته إليه: «القطبة الفلسطينية والتراث الفلسطيني أقدم من الاحتلال، وستستمر هذه الصناعة النبيلة، وهذا الفن العظيم، الذي يعني ذاكرة الشعب الفلسطيني، إلى الأبد».