بدأ شغفي بكرة القدم عندما شاهدت مباراة بين مارسيليا وريال مدريد في دوري أبطال أوروبا موسم 2003 – 2004، وكنت قبل ذلك أشاهد كرة القدم، لماماً؛ تلك المباراة شكلت منعطفاً في حياتي لجهة الإقبال على مشاهدة مباريات كرة القدم بشكل يفوق حد العادة، والسبب هو اللاعب العربي المصري أحمد حسام الملقب بـ«ميدو»، الذي تألق وسجل هدفاً في مرمى فريق ريال مدريد، وهو الذي كان يضم في صفوفه لاعبين من طراز رفيع، كالبرازيلي رونالدو، والبرتغالي فيغو، والفرنسي الجزائري زين الدين زيدان، والإنكليزي ديفيد بيكهام، والمدافع البرازيلي روبيرتو كارلوس، وغيرهم؛ لقد سجل «ميدو» العربي المصري هدفاً في الفريق الإسباني الأسطوري، الذي يعج بالنجوم .. شكل وجود لاعب عربي في الخطوط الأمامية، في دوريات أوروبا، كمهاجم، سابقة لم أعرفها من قبل، وإن كان هناك من سبقه، لقد كان هذا الهدف ميلاد رحلتي مع كرة القدم، عبر متابعة هذا اللاعب من دوري إلى آخر، حتى حط رحاله في الدوري الإنكليزي في صفوف نادي توتنهام، هناك تركّز اهتمامي، وأزعم أني أصبحت مرجعاً في هذا الدوري، ومتابعاً له الى حدّ الهوس..
أصابتني دهشة وسعادة عارمة، عندما انتقل ميدو إلى إيطاليا، لينضم إلى ناديها العريق «روما»، ليلعب إلى جانب كابتن الفريق واللاعب الإيطالي التاريخي الشهير فرانشيسكو توتي، حيث استقدمه المدرب الألماني رودي فولر؛ تابعت المباريات التي خاضها اللاعب المصري مع نادي روما باهتمام شديد، لعب مباريات معدودة، ولم يحصل انسجام بينه وبين كابتن الفريق توتي، وكان الفريق في أصعب ظروفه، فمني بخسارات عدة، عرقلت صعوده في ترتيب الدوري. جرى تبديل المدرب الألماني بآخر إيطالي هو ديل نيري، الذي أجلس «ميدو» على مقاعد الاحتياط، ما كدّرني كثيراً، لكن هذا الأمر لم يلبث طويلاً.

إلى الدوري الإنكليزي
انتقل اللاعب المصري إلى الدوري الإنكليزي، إلى نادي توتنهام، معاراً، والسبب في قدومه إلى هذا النادي كما قال ميدو نفسه، هو وجود المدرب الهولندي مارتين يول، الذي سمع عنه عندما كان يلعب في صفوف نادي أياكس الهولندي، ومن شدة شغفي باللاعب، تابعت المواقع البريطانية الرياضية، حول ما تكتب عنه فور وصوله إلى بريطانيا، وخصوصاً موقع «سكاي سبورتس» البريطاني المتخصص في الرياضة العالمية، وبالأخص كرة القدم الإنكليزية..
خاض «ميدو» مباراته الأولى في مواجهة نادي بورتسموث، وأذكر أني كنت متوتراً بشدة، وخصوصاً أن لهذا اللاعب تاريخاً من الانضمام إلى أندية مهمة، سبقت «روما» و«مارسيليا»، كـ «أجاكس» الهولندي، و«سالتا فيغو» البرتغالي، و«غينت» البلجيكي، فضلاً عن ناديه الأم «الزمالك» المصري، وفوق كل هذا إنه لاعب عربي، فكنت حقاً أتمنى من كل قلبي أن يحقق نجاحاً، وكم كنت أتمنى أن يسجل ولو هدفاً واحداً؛ والجميل أنه سجل هدفين في أول مباراة له مع فريقه الجديد، محققاً الفوز، وأذكر أنه بعد دخول الهدف الأول سجدت لله شكراً، وانتابتني مشاعر فرح لا توصف، ربما لم أشعر بها منذ زمن بعيد، لقد مثّل لي هذا الفوز على يد لاعب عربي في بلد اخترعت فيه هذه اللعبة (بريطانيا)، أمراً مميزاً ومشوّقاً، لكن، وفي قرارة نفسي كان هذا دليلاً واضحاً عما يمكن للعرب فعله لو توفرت الإرادة والإمكانات، هكذا كنت أنظر للأمور، إنها معركة إثبات الكفاءة العربية الرياضية في الملاعب الأوروبية..
انتقال ميدو إلى «توتنهام» حول شغفي لمتابعة النادي، وترصّد أخباره، لجهة ترتيبه في الدوري، ومعرفة جدول مبارياته، ومن هي الفرق التي ستلعب معه وتوقع النتيجة وتأثيرها على ترتيبه في الدوري، ولم يكن مطروحاً أن أفوّت أي مباراة من مباريات الدوري الإنكليزي، وخاصة نادي «توتنهام»، وفي حال سجل ميدو هدفاً، كان لا بد من قراءة الصحف والمواقع البريطانية الرياضية، لأعرف تعليقها على أداء ميدو، فضلاً عن مشاهدتي الاستديو التحليلي للبرامج الرياضية التي كانت متخصصة في الدوري الإنكليزي، وفي حال فاتتني مشاهدة هذه البرامج مباشرة، كنت أنتظر موعد الإعادة، لمشاهدتها، حتى إني كنت أشاهد مباراة الدوري الإنكليزي التي فاتتني متابعتها رغم معرفتي بنتيجتها السابقة، إنه الشغف إلى حد التطرف.
استمر هذا الشغف بالدوري الإنكليزي لمتابعة كل مبارياته، والاهتمام بالفرق الكبرى آنذاك، مثل «تشلسي» و«مانشستر يونايتد» و«أرسنال» و«ليفربول»، إضافة إلى نادي توتنهام. لاحقاً، حظيت بجرعة سعادة كبيرة، فأصبح ميدو يقدم برنامجاً رياضياً عن الدوري الإنكليزي، على إحدى القنوات الخليجية المتخصصة بنقل هذا الدوري حصرياً، وبحكم عملي بالإعلام السياسي الفلسطيني، فقد كانت متابعة الأخبار بالنسبة إليّ، بالتوازي معها كانت الأخبار الرياضية، كنت أفتتح نهاري معها، وأحتجز يومي السبت والأحد، لمشاهدة مباريات الدوري الإنكليزي مباشرة، استمر هذا الحال، لسنوات عديدة إلى أن اتخذت قراراً يسري معي حتى اليوم..

قبل المونديال بأسبوع
نال ميدو، ما ناله من تنمّر من بعض مشجعي الدوري الإنكليزي لكونه مسلماً، كما أنه تعرض لإصابات عديدة، وانضم عدة لاعبين جدد، يلعبون بموقعه الهجومي، ما أدى إلى جلوسه في مقاعد البدلاء. أدى ذلك إلى سلسلة تنقلات له ضمن الأندية الإنكليزية، إلى أن عاد وحط رحاله في ناديه الأول، الزمالك، في موسم 2009 - 2010، ليعود إلى إنكلترا، معاراً، عام 2013، ويتخذ قراراً بالاعتزال، جراء إصابته، وما قيل عن مرض يمنعه من اللعب..
حزنت حينها، فغياب ميدو عن الدوريات الأوروبية شكّل لي فقداً، فقدت البعد العربي في تلك الملاعب. تلك اللحظات، كأنها أيقظتني من حلم، أدركت خلالها أنه مع الاستمرار بمشاهدة كرة القدم، ستستنزف طاقتي، وخصوصاً أن ما يصيب المشجعين من فرح لفوز، أو حزن لخسارة كان يصيبني ويؤثر على نفسيتي، أدركت أيضاً، كم كانت كرة القدم تستحوذ على تفكيري، وتستهلك وقتي على حساب هواية أساسية ورثتها عن والدي، وهي القراءة التي من المفترض أن ينصبّ شغفي عليها لأسباب عديدة، منها قضيتي، وعملي، ومحاولاتي إنتاج ما هو مثير عنها وخدمة لها. كما أن كرة القدم ومتابعة المباريات انتقلت إلى منزلي، وأدت إلى تململ زوجتي، وهذا سبب آخر حفّز لديّ إعادة التفكير بما كنت عليه..
فكرت بالكرة التي تطير في فضاء الملاعب الكبيرة ويتابعها الملايين، وبالصواريخ التي تهوي على أهل غزة، بعدما وضعتهم إسرائيل هدفاً لمرماها


وفي حمى التفكير بوقتي واهتمامي بكرة القدم، كانت فلسطين تغلي، وبحكم متابعتي اليومية كفلسطيني وكإعلامي، أدركت أن حرباً ستندلع. كان الشهر، حزيران، وكان مونديال البرازيل 2014 على وشك إطلاق صافرة الانطلاقة. وقبل أسبوع من هذه الصافرة، اتخذت قراراً، تطلّب مني وقتاً وتفكيراً، قررت أن لا أتابع المونديال، وأن أعتزل مشاهدة المباريات، وصف بعض الأصدقاء قراري بـ«المتطرف». لكني اعتبرت أن الالتزام بهذا القرار تحدٍّ عليّ أن أخوضه وأحقق فيه هدفاً في مرماي، فقد كان بوسعي تأجيل تنفيذ القرار إلى ما بعد المونديال، ولا سيما أن مشاهديه لا يقتصرون على المهتمين، لكني آثرت الانتصار في هذه المعركة، ومع ذلك، اكتفيت بمتابعة نتائج المباريات المهمة في المونديال..
شارف المونديال على الانتهاء، ولم أتابعه، وشن الكيان الإسرائيلي حرباً على قطاع غزة، استمرت أكثر من خمسين يوماً، استشهد فيها الآلاف، وجرح فيها عشرات الآلاف. فكرت حينها، بالموت والحياة، بالحرية التي يناضل من أجلها الشعب الفلسطيني، بالكرة التي تطير في فضاء الملاعب الكبيرة ويتابعها الملايين في البيوت، وبالصواريخ التي تهوي على أهل غزة، ولا ينتبه إليها سوى قلّة، بينهم أطفال كانوا يحبون أن يلعبوا بالكرة، لكن إسرائيل وضعتهم هدفاً لمرماها.ِ