لم نمت كثيراً، ولم نمت قليلاً، متنا فقط.كيف تتحرّر فلسطين؟ لا أعرف إن كان هذا هو السؤال الصحيح، كما لست متأكداً من أن إعادة صياغته بطريقة أخرى، يمكن أن تريح. المشكلة بالسؤال، ليست بـ «كيف»، وليس بـ «تتحرر»، المشكلة بـ «فلسطين»، أي فلسطين التي نريدها أن تتحرر؟
(نذير نبعة)

في قصيدته «مديح الظل العالي» يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، مسترسلاً في نغمه وثورته الشعرية «وحِّدنا بمعجزةٍ فلسطينيِّةٍ» بعد أن يقول «انتصرْ». المعجزة تبدو متاحة باليد، ولم نعد بعيدين عنها، والملامح المشيرة إليها باتت كثيرة جداً، وتشير إليها التفاصيل اليومية، فالفدائي يعود إلى المشهد، ويشغل الحيز الأكبر من اهتمام الشارع الذي ضاق ذرعاً بالاحتلال وأفعاله، كما كان في كل وقت، لكنه اليوم، يعود ليخرج ما في قلبه، فالبيوت الغارقة في أحزانها على أولادها الشهداء والأسرى، تمتلئ يوماً بعد يوم بالثورة، وتصعد تدريجاً نحو أفق يراه الشعب كل يوم، إنه الانتفاضة.
الانتفاضة ليست هي المعجزة، إنما الشعب الفلسطيني الذي يمتلك كل أسباب اليأس والانكسار، لكنه لم ينكسر، بل انتصر مراراً على نفسه وعلى عدوه «فاظهر مثل عنقاء الرماد من الدمار».

لم نمت كثيراً
كأن موعد الموعد الطويل تأجل، واتخذ لنفسه أبواباً كثيرة، لم يكن لنا منها نصيب، فلم نذب، ونقاوم الفناء، وقد أرسلنا حكايتنا مراراً بحجارة رماها أطفالنا على الأعداء، وما استسلم، ولا استسلمنا، لكننا نكتب الحكاية، ونرسم صفاتنا التكوينية على جدار رفعوه ليقض هويتنا الوطنية، ويجعلنا - يجعلونا حفاة في صحراء المعنى الفلسطيني لوجودنا. كنا ولم يكن منهم أحد، ونحن نبتسم خلف الزنازين كأننا نولد، وكأن الأسماء الأولى للأشياء تنطقها شفاهنا، فلا يفهم الآخر (عدونا اليومي) لغة تنتصر في المجاز على الهزيمة، فينتصر المبتسم، ويتنحى المجاز للعب دور آخر في حكاية فلسطين الطويلة.
الانتفاضة ليست هي المعجزة إنما الشعب الفلسطيني الذي يمتلك كل أسباب اليأس


لم نمت قليلاً
نحتاج إلى الهدوء، لنفكر بوردة في الحديقة زرعناها قبل سنين، فأزهرت ورداً فوق القبور، تلك الوردة كانت فلسطينياً يمشي بين المدن والقرى، يأكل من عدس الأرض وبصلها، ويشرب من نبعها، كان الفلسطيني هذا أبدع من أن يكون شهيداً، لكنه استشهد، فصار أبدع من الخيال، صار القصيدة والرواية، وصار الشهيد شهيداً، وعلا في البلاد نجماً جديداً، فلم يمت، لكنه استفاق في الورد، وصاح في الفجر، أنا البلاد أنا البلاد.
متنا
تبدو حكايتنا الفلسطينية، حكاية موت، هذا ظاهر منها، شهداء كثر في المعارك مع الاحتلال، وشهداء كثر في مجازر بأيدي إسرائيل وأيدي مريديها. وأسرى، أحياء بكل ما لدى الحياة من حياة، وأسر تتناسل لتنجب «زعتراً ومقاتلين».
لقد جئنا لنكون، وقد جئنا لنحيا كما نريد، أحراراً بيد الحرية، وأحراراً بيد الانتفاضة، وأحراراً نقتل الموت، ونحيا. لم نمت، ولن نموت.
«سقطتْ ذراعك فالتقطها، واضرب عَدُوَّك ... لا مفرُّ، وسقطتُ قربك، فالتقطني، واضرب عدوكَ بي... فأنت الآن حُرُّ، حُرٌّ، وحُرُّ...».