تخرج اللاجئة الفلسطينية سناء أبو عون (52 عاماً) صباحاً من بيتها في مخيم اليرموك، حاملةً معها بطاريات الشحن الكهربائية، لتذهب إلى بيت أحد معارفها ممن يقطنون الأحياء الدمشقية، لتشحن البطاريات في ظل انخفاض قوة التيار الكهربائي الذي يصل إلى أحياء المخيم.رحلة معاناة يومية تعيشها سناء، لتوفير بعض من «الكهرباء» لعائلتها التي عادت إلى المخيم منذ سنة 2018، في ظل ظروف قاسية، وسط حجم دمار كبير، وحياة مليئة بالصعاب، إلا أنها ورغم قساوتها، تتمسّك سناء وأفراد عائلتها بالمخيم، ويحاولون خلق الحياة به من جديد.
تقول سناء لـ«الأخبار»: «المخيم مسقط رأسي، وإذا كانت سوريا وطني الكبير فالمخيم وطني الصغير، هو الذكريات، أحلى أيام العمر عشناها داخل المخيم، أجدادك، أبوك، أمك، أخواتك، حارتك، أنا لا أستطيع العيش خارج المخيم، مثل السمك إذا خرج من الماء يموت".

العودة الصعبة
اضطرت سناء وعائلتها في نهاية سنة 2012 إلى النزوح نحو منطقة الدويلعة على أطراف دمشق، بعد أن تحولت شوارع وزواريب المخيم إلى ساحة حرب. بعد توقف المعارك، ومع أول فرصة سنحت لها بالعودة، عادت إلى المخيم، على الرغم من دمار منزلها بالكامل «عانيت كثيراً خلال فترة ابتعادي عن المخيم، من الظروف الاقتصادية الصعبة وأعباء الإيجارات، وعند فتح اليرموك أبوابه أمام المدنيين كنت من أوائل العائدين. كان لديّ استعداد للعيش بخيمة على ركام منزلي، لأن المخيم سيبقى رغم كل ما حلّ به من ألم ودمار، وطني الصغير، ولا أحد يستطيع التخلي عن وطنه".
تتابع سناء: "زوجي يعمل نجاراً، واليوم الذي لا يعمل فيه لا نستطيع توفير طعامنا، تدمّر بيتي الكائن في بداية شارع اليرموك بشكل شبه كامل، ويحتاج إلى مبلغ 15 مليون ليرة سورية، لرفعه من جديد، هذا عدا الإكساء، الأمر الذي اضطرني للسكن في منزل لم يلحقه دمار كبير، يعود لأحد أقربائي داخل المخيم، بعد أن سمح لنا بذلك".
تقلب سناء كفّيها وتتابع حديثها معبّرة عن قلقها: «قيل لنا أخيراً إن قراراً سيصدر، يتضمن إخراج كل عائلة تسكن بيتاً في المخيم، لا تعود ملكيته لها، حتى مع وجود موافقة خطية من صاحب البيت نفسه بالسماح لهذه العائلة باستخدام المنزل، هذا الأمر يشعرنا بالقلق، خاصة أنّي أسكن أحد بيوت أقربائي، ونأمل أن لا يصدر مثل هذا القرار».

رحلة جلب المياه
تعمل الجهات الحكومية السورية، على استصلاح بعض شبكات المياه والصرف الصحي، في المناطق التي عاد إليها الأهالي ضمن مخيم اليرموك، في ظل نقص كبير في المواد الأساسية وغياب الدعم، الأمر الذي يبطّئ من عملية الاستصلاح ويزيد من معاناة الأهالي.
وسناء وعائلتها وبقية العائلات، عانوا في بداية عودتهم إلى المخيم من عدم توفر المياه، بسبب تضرر شبكة المياه، فقد كانوا يذهبون إلى مدخل المخيم، لتعبئة المياه، تقول سناء لـ «الأخبار» عن تجربة أسرتها: «كان زوجي يخرج إلى أول المخيّم عند الحاجز لتعبئة المياه، تحسّن الوضع منذ عام بعدما أوصلوا إلى منطقتنا مياه الفيجة، فأصبحت المياه متوفّرة لدينا، ولم نعد مضطرين للخروج إلى بداية المخيم للحصول عليها».

كهرباء بلا فائدة
باتت مشكلة الكهرباء في معظم مناطق سوريا معروفة، سواء من عدم توفرها لأوقات طويلة، أو من التقنين الجائر لها، لكن لمخيم اليرموك قصة مختلفة نسبياً، فإضافة إلى التقنين، وقلة وجود الكهرباء، يعاني أهالي اليرموك من ضعف قوة الكهرباء نظراً إلى عدم وجود محطات تحويل ترفع جهدها، لذا في أحسن أحوالها تصل قوتها ما بين 50 - 60 فولت، تشرح سناء جوانب تقنية، لتوضح مشكلة الكهرباء أكثر: «وضع زوجي منظّمين كهربائيين، قدرتاهما معاً تصلان إلى ما يقارب عشرين ألف شمعة، الهدف منهما رفع قوة الكهرباء، لكنها مع ذلك، لم تصل إلا إلى نحو 100 - 110 فولت، نستفيد منها في شحن الهواتف المحمولة وتشغيل بعض الليدات فقط، هذا بعيداً عن الأسابيع التي تهجرنا فيها الكهرباء الضعيفة نهائياً بسبب الأعطال، حسب ما يخبروننا».
توضح سناء أنها وأفراد عائلتها نالوا من القهر ما نالوه، لذا تقول: «لم نعد نشعر بأننا نعيش من دون كهرباء، تعايشنا مع هذا الوضع وعندما نضطر إليها، نذهب نحو مدخل المخيم، حيث تتوفر الكهرباء بقوة 220 فولت، لشحن بطاريات الهواتف والإضاءة» وتضيف سناء وعلى وجهها ابتسامة تخفي حسرة كبيرة على ما آل إليه المخيم: «تأقلمنا مع الوضع، فالمهم وجود الماء».
سيبقى المخيم بوصلتنا إلى فلسطين رغم كل هذا الدمار، عندما دخلنا إلى المخيم للمرة الأولى، شعرنا أن حجارته تنادينا


لا تنتهي حكاية الكهرباء عند حد، فكل شيء مرتبط بها في عالمنا اليوم، تصف سناء تفاصيل من حياتها: «نغسل ملابسنا بأيدينا، حتى مع وجود الغسالة، لكوننا لا نستخدمها، بسبب عدم توفر الكهرباء لتشغيلها». وفي ظل هذه الظروف تلجأ بعض نساء المخيم إلى غسيل الملابس خارج المخيم عند بعض الأقرباء، في الأوقات التي تتوفر فيها الكهرباء لديهم، ولكن هذا الأمر ليس ممكناً دائماً، فهناك ظروف أخرى يومية: «ولديَّ موظف في مديرية النقل، ويحتاج أن يرتدي ملابس نظيفة ومكويّة، ومع غياب الكهرباء، تضطر زوجته إلى نشر ملابسه وهي مبتلّة بلا عصر، بعد غسلها بيديها، فتكتفي بنفضها من المياه خوفاً من تجعّدها، وتنتظرها حتى تجف لتقوم بتمليسها بيدها وطيها ووضعها تحت الفراش كي تبدو مكويّة».

الإسعاف في المخيم محصور بالدوام الرسمي
عندما تحلّ الساعة الثانية بعد الظهر، تغيب عن المخيم الخدمات الطبية الموجودة «على قلتها»، كذلك في أيام العطل.
تنحصر تلك الخدمات بالمستوصفات التي استصلحتها بعض الجهات والتنظيمات الفلسطينية، إضافة إلى الأونروا والهلال الأحمر الفلسطيني. يفتقد المخيم بعد الساعة الثانية، أي وسيلة إسعاف للحالات الطارئة، فيضطر أهالي اليرموك، إلى نقل تلك الحالات إلى مدخل المخيم سيراً على الأقدام ليستقلوا سيارة توصلهم إلى أحد مشافي دمشق.
وتكثر الحالات التي تحتاج إلى إسعافات طارئة، فشبح الموت لم يغب عن المخيم بعد توقف المعارك، بسبب عدم توقف الانهيارات في بعض الأبنية، أو وقوع الركام على المارة في الطريق، أو سقوطهم في بعض الحفر، وغيرها من الحوادث، فأبو عون فقدت في رمضان الماضي وتحديداً في ليلة القدر، ابنها الأوسط الذي توفي في أحد أزقة المخيم جراء صعقة كهربائية «كان ابني علاء (27 عاماً) يساعد جميع الأهالي العائدين، بتوصيل الكهرباء الضعيفة إلى بيوتهم، كان محباً للناس ويفرح بعودتهم، فيقدم لهم ما يستطيع من مساعدة كما يشارك في حملات توزيع الطعام على أهالي المخيم». تكمل سناء بمرارة ودموع: «يومها، أخبر الأهالي علاء، أن خط الكهرباء المغذي للمنطقة فيه عطل، وكعادته، بشهامته العالية تجاه أبناء مخيمه خرج إلى منطقة شارع الثلاثين، حيث الكبل الرئيسي المغذي، ولم يخبرني بأنه ذاهب إلى هناك، بعد ساعات على غيابه، ذهبنا للبحث عنه، فوجدناه ملقى في شارع الثلاثين، بعد أن صعقته الكهرباء».

لصوص ينتشرون في المخيم
يُجمع الأهالي داخل المخيم على أن استمرار عمليات السرقة، يُفشل أي محاولة لإعادة الاستصلاح والإعمار في المخيم، ويقف عقبة في وجه العائدين، ويؤكدون أنه على الرغم من كل الألم والمعاناة اللذين يعيشهما المخيم وسكانه، لا تزال أعين اللصوص القادمين من خارجه، تتربّص ببيوته وركامه، فهم يبحثون عما يمكن سلبه بعد من المخيم، فلا يستطيع الأهالي إغفال عيونهم عن بيوتهم، حيث سُجّلت العديد من الحوادث التي يدخل بها اللصوص إلى البيوت المرمّمة، أو التي يعمل أصحابها على ترميمها بشق الأنفس، في ظل التردي الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فيسرقون من أصحاب تلك البيوت، حلم وأمل العودة إلى المخيم.
هذا على صعيد الأحياء، أما الأموات، فنُبشت قبورهم في مقبرتي اليرموك، خلال السنوات الماضية، ودمرت بعضها المعارك، وأجهز تنظيم «داعش» على بقيتها، ليأتي اليوم، لصوص لإكمال طمس آثار اللاجئين في هذه البلاد، فانتهكوا حرمة القبور، وإلى يومنا هذا، يفككون بقايا الطوب والرخام لسرقته، تقول سناء: «حتى الزريعة التي زرعتها بجانب قبر ابني سرقوها ولم تسلم منهم، علماً أن زوجي يتردد كل يوم إلى قبر ولده».

ركوب المواصلات في المخيم مهمة مستحيلة
خصّصت وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عدداً من الباصات لتوصيل الطلاب إلى مدارسهم خارج المخيم، إلى حين إعادة ترميم مدارسها ضمن المخيم، في حال غيّرت الدول المانحة موقفها الرافض لدعم أي مشروع إعادة إعمار وترميم داخل المخيم حتى إنجاز الحل السياسي في سوريا، تقول سناء: «حالياً يدور الحديث عن ترميم مدرسة أسد بن فرات الحكومية في شارع اليرموك بدعم من المجلس النروجي للاجئين وبالتعاون مع وزارة التربية، والأونروا لا نية لديها حالياً لترميم مدارسها ومراكزها، لكنها أعلنت أنها ستعمل على استئجار مدرسة أسد بن فرات في حال تم تجهيزها لتستقبل الطلاب الفلسطينيين فيها بعد الظهر».
وعن التنقل من وإلى المخيم، ووضع المواصلات تشرح «أضطر يومياً إلى حمل أكياس الخُضر وحاجاتنا التي أشتريها من الأسواق القريبة في منطقة الزاهرة، والسير بها على قدمي، نظراً إلى انعدام وجود وسائل نقل كافية ضمن اليرموك». المواصلات رحلة معاناة لأهالي اليرموك الساكنين فوق الدمار، يوجد حالياً «باص» وحيد قدّمته منظمة التحرير، يعمل على تخديم أهالي المخيم الذين يقترب عددهم من 10000 شخص، فيما بلغت موافقات السكن الممنوحة للعائلات الفلسطينية والسورية 5000 موافقة.


ساعتان فقط لالتقاط الإشارة
كما تغيب وتضعف إشارات ومعالم الحياة عن المخيم، تغيب إشارة الاتصالات والشبكات الخلوية، الأمر الذي يجعل المخيم بقعة معزولة عن العالم، إلا في بعض الحارات، عند مدخل المخيم التي تصلها إشارات هاربة من الأحياء المجاورة.
تستيقظ سناء يومياً قرابة الساعة الرابعة فجراً، لتخرج إلى شرفة منزلها وتضع هاتفها المحمول في أعلى زاوية منها، علّه يلتقط بعض الإشارات المتسلسلة إلى المخيم مع ساعات الفجر الأولى التي يكون فيها الضغط خفيفاً على أبراج الشبكة الخلوية القريبة من المخيم.
خلال ساعتين، يبدأ هاتف سناء بالرنين معلناً وصول دفعة جديدة من الرسائل الإلكترونية التي حُجزت منذ فجر اليوم السابق في مخدمات شبكات التواصل الاجتماعي، بانتظار الحصول على إذن الولوج إلى أجهزة أهالي اليرموك، فتحاول أبو عون خلال الساعتين، أن ترد على ما أمكنها من الرسائل، وهي تقف على شرفتها حتى بزوغ الشمس.

المخيم خالٍ من أي قطعة خشب!
في ظل النقص الحاد الذي تعيشه البلاد، من مواد التدفئة، خاصة المازوت والغاز، سعى أهالي المخيم على مدى الأعوام الخمسة الماضية، إلى جمع بقايا الأخشاب والأشجار المتناثرة بين شوارع المخيم وركامه للاستفادة منها في التدفئة شتاء، وتسخين المياه، وحتى الطبخ. لكنّ سباقاً محموماً يجري بين الأهالي واللصوص الذين يستبيحون كل ما يمكنهم سرقته، تقول سناء: «مع بداية عودتنا، قمنا بتأمين مدفأة تعمل على الحطب، ولجأنا إلى الطبخ بإشعال نيران الحطب خارج المنزل، لكن اليوم لم يعد في المخيم أي قطعة من الخشب أو الحطب، لأن اللصوص لم يتوقفوا يوماً عن سرقته ونهبه، لا صيفاً ولا شتاء، لذا فنحن لا نعلم كيف سنتجاوز هذا الشتاء».
لجأ الأهالي في الشتاء الماضي إلى استخدام «البابور» الذي يعمل على مادة الكاز، نظراً إلى شح الأخشاب داخل المخيم، وارتفاع أسعار الحطب خارجه، تشرح سناء للأخبار «كنا نشتري الليتر الواحد من المادة التي يدّعون أنها كاز بسعر 5000 ليرة، وهو ليس ليتراً كاملاً، وهو عبارة عن مواد مطبقة، تشبه برائحتها الكاز، يضاف إليها مادة التنر التي تولد أدخنة كبيرة ومسرطنة، ناهيك عن أن كل طبخة تستهلك ليتراً كاملاً، في حين أن الاستحمام بمياه دافئة يستهلك قرابة الليترين أو ثلاثة، وعندما يتوفر بعض المازوت نلجأ إلى استخدامه، لتشغيل البابور بعد إضافة مادة التنر إليه».

ذكريات تلاحق العائدين
تقلب سناء نظرها بين حارات المخيم، والبيوت المدمّرة التي تعرفها وتعرف أصحابها، وتحاول تجنب المرور بالقرب من منزل أهلها في حارة الفدائية، عند مدخل مخيم اليرموك، حيث ولدت وعاشت، تهرب من الألم الذي يعتصر قلبها، وهي تتخيل والدتها تقف على النافذة تلوح لها ولأختها بيدها، كما كانت تفعل في الماضي عندما كانتا تذهبان إلى السوق، وتطلب منهما عدم التأخر.
ترتسم الضحكة مجدداً على وجهها، وهي تحاول وصف أجمل الأجواء التي عاشتها داخل المخيم، خاصة في أيام شهر رمضان، وتضيف: «المخيم كان مدينة لا ينقصها إلا الفندق، حيث يحتوي على المشافي والعيادات والأسواق التي تضاهي أشهر أسواق دمشق، وأملنا كبير بأن يعود مثلما كان».
تسترجع سناء ذكرياتها ضمن شارع لوبية الذي كان يُعتبر أحد أهم الأسواق في دمشق، بمحالّه الممتدة من بدايته حتى نهايته، إضافة إلى بسطات الباعة التي كانت تملأ جنباته، فكان هذا السوق شاهداً على العديد من قصص الحب بين أبناء اليرموك، تروي سناء لـ «الأخبار» لحظات الحب التي عاشتها مع الشاب الذي أصبح زوجها، «كان سوق شارع لوبية أشبه بمكان يلتقي فيه المحبون، ينتظرني حتى أصل إلى السوق برفقة قريباتي، فيلاحقني على طول الشارع لنتبادل نظرات الحب الخجولة خلسة من الباعة والمارة الذين يكتظ بهم السوق، ويبقى يسير خلفي إلى أن أصل إلى منزلنا».
لا تنسى سناء أيضاً لحظات طفولتها الجميلة، حين كانت تعتلي أرجوحة مصنوعة من الخشب والحبال التي تُنصب في الأعياد ضمن ساحة الريجة بالمخيم، فتقول: «لا تزال الفرحة تملأ قلبي عندما أستحضر ذلك الشعور، وأنا أحلق عالياً على هذه الأرجوحة فترفعني نحو السماء، ثم تهوي بي، لتعود وتنطلق بي نحو السماء مجدداً». أما عن أكثر الأطعمة التي تفتقدها، فتخبرنا أبو عون عن «الكاتو تازا» موضحة أنها عبارة عن قطع من «الكيك» المزيّنة بالكريما البيضاء والزهرية، ويعرفها كل من سكن المخيم جيداً، كانوا يستيقظون صباح كل يوم، على أصوات أطفال المخيم ينادون على بضاعتهم من «الكاتو التازا» بنغمة موحّدة يحفظها جيداً أهالي اليرموك.
تتنهّد سناء طويلاً وتنظر في اتجاه شارع اليرموك، وتقول: «سيبقى المخيم بوصلتنا إلى فلسطين رغم كل هذا الدمار، عندما دخلنا إلى المخيم للمرة الأولى، شعرنا بأن حجارته تنادينا، فكان كل بيت ينادي صاحبه بعد أن غلبه الشوق إلى ساكنيه على مدى سنوات، نالت فيها الحرب منه ما نالت، لكن وإلى يومنا هذا لا يزال المخيم ينادي أهله وأصحابه».
يعيش اليوم أهالي اليرموك العائدون، حياة أقرب إلى العصور الوسطى، مع غياب الكهرباء المفيدة والمواصلات الكافية والإنترنت، فبعد مغيب الشمس يهربون إلى منازلهم مبتعدين عن الظلام الذي يغطي حارات المخيم، وركام البيوت المدمّرة التي تروي تاريخ ما جرى، يحاولون نسيان مشاهد الدمار، بإغلاق أبواب بيوتهم علّها تقيهم من الألم الذي يقبع في الخارج، ويجلسون تحت ما تيسّر لهم من ضوء الليدات الخافتة، يتبادلون أحاديث الذكريات التي تحمل ضمنها حسرة كبيرة، يقضون ساعاتهم الثقيلة منتظرين بزوغ فجر يوم جديد، لاستئناف محاولاتهم في خلق الحياة.