يقول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، بغض النظر عن الجنسية ومكان الإقامة والجنس، الأصل القومي أو العرقي، اللون أو الدين أو اللغة، أو أي وضع آخر. في الحقيقة، ليس كل ما يقال يُترجم فعلياً على أرض الواقع، فكثيرة هي الخروقات حول العالم، للمثاليات الحقوقية الأممية. في لبنان مثلاً، يعيش اللاجئ الفلسطيني منذ عهد النكبة، سنة 1948، محروماً من حقوقه المدنية والإنسانية - فضلاً عن السياسية منها - التي كفلتها كل الشرائع الدينية والقانونية، في الوقت الذي لم تفلح فيه كل المناشدات في وضع حدّ لتلك المأساة المتواصلة على مدار عقود من الزمن.
المشكلة ليست في التطبيقات، وإنما في الأصل الدستوري، الذي يمنع الفلسطيني من الحق في العمل مثلاً، في مخالفة للقوانين الدولية كافة، ليس لها مثيل ربما، في أي من دول العالم، رغم أن العمل يعدّ الموجِب الأساسي، للعيش الطبيعي الكريم، الذي لا تستقيم الحياة من دونه. غير أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان، لكي يعمل، لا بد من أن يشعر دائماً بأنه ملاحق، وإذا وجد واحدة من الوظائف، في مهنة حرة، أو مؤسسة ما، غالباً ما يتعرض للاستغلال، والحرمان من الضمان والتأمين الصحي، وتعويض نهاية الخدمة، وقد يكون عرضة لإنقاص الراتب مقارنة بأقرانه، ومن الممكن طرده في أي لحظة، من دون أن يكون بمقدوره ردّ المظلمة، على اعتبار أن القانون لا يغطّيه، بل يتركه مكشوف الظهر، بلا حماية، مع العلم أن الوظائف الرسمية، بكل درجاتها وتفصيلاتها، محرّمة قطعاً على اللاجئين الفلسطينيين، بغضّ النظر عن كفاءتهم وقدراتهم.
اللاجئ الفلسطيني، عند كل أزمة داخلية، يرى نفسه في قفص الاتهام


ومن الطّوام الكبرى، التي لا تماثلها مَظلمة، ولا توازيها مأساة، أن يُحرم اللاجئ الفلسطيني من حقه في التملك، وهذه سابقة على كوكب الأرض ربما... إذ كيف يحرم الإنسان من امتلاك ما شقيَ طوال حياته لتحصيله، وليس الأمر مرتبطاً بالشقاء فحسب، فمن الطبيعي أن يكون بمقدور الإنسان التأمين على ما هو ملكه وحقه، والمحافظة عليه، وتوريثه لأولاده وأهله، رخيصاً كان أو ثميناً، كبيراً أو صغيراً، جميلاً أو قبيحاً، صعباً تحصيله أو سهلاً! ومن الطّوام أيضاً، التذرّع بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، كسبب لحرمان المرء من التملك، هو في حدّ ذاته عذر أقبح من ذنب، فها هي الشواهد في دول الطوق، وكل أصقاع الأرض، الفلسطيني فيها يتملّك ويعمل ويعيش، من دون أن يعني ذلك بأي صورة تخلّيه عن وطنه الأم.
المفارقة، أن الفلسطينيين في لبنان، بحسب الأرقام الرسمية وغير الرسمية، هم من أكثر الجنسيات مساهمة في الاقتصاد المحلي، والنقد الوطني، سواء عبر المقيمين، أو المغتربين منهم، على أنّ ذلك لم يغيّر من المعادلة شيئاً، بل إن اللاجئ الفلسطيني، عند كل أزمة داخلية، يرى نفسه في قفص الاتهام، وعرضة للعنصرية والتنمّر، بأنه متسبّب عن سوء الأوضاع، وشحّ المواد، والأزمات المعيشية، وما سوى ذلك، وهذا ليس من الإنصاف في شيء، إذ يجافي الحقيقة، ويجانب الصواب.
الفلسطيني ابن المأساة، ابن المعاناة التي لم تعد تطاق أو تحتمل، فتحوّلت قسراً إلى قوارب هجرة... الفلسطيني لا يريد المواطَنة الكاملة في لبنان، لكنه يريد الإنسانية الكاملة... حتى لا يقول حين يتزوّج: "سأنجب لاجئاً جديداً".