بالكاد، استطاع محمد الخطيب الانتهاء من بناء منزله المكوَّن من طابق واحد، حتى فوجئ بظهور تشقّقات في الجدران، أعقبتها أخرى في السقف، استدعت تدخُّل فريق هندسي لمعاينة المشكلة، ليتبيّن أن قصف قطعة الأرض التي بُني عليها المنزل الجديد، هو السبب؛ إذ أدّى إلى حدوث خلل في قدرة التربة على تحمُّل الضغوط. يقول الخطيب لـ«الأخبار»: «أنفقْت شقاء عمري حتى وصلْت إلى هذه المرحلة، واليوم، أعود إلى نقطة الصفر»، حيث يحتاج بيته إلى إعادة تأهيل كلّية على مستوى الأساسات والسقف، وهو ما يؤكده المهندس المشرف على الترميم، يوسف بسام، الذي أوضح أن «المنزل بحاجة إلى حفر على الأساسات، ثمّ استخدام حفّارات معيّنة للكشف عن طبيعة التربة أسفلها حتى نتحقّق من أسباب الهبوط». ويضيف الخطيب أن «الشقوق الظاهرة تُدلّل على أن ما حدث هو هبوط تفاضلي في التربة، نتيجة خلل أصاب طبيعتها، خصوصاً أن المهندس الذي أشرف من البداية على البناء، أكد أنه لم يجد أيّ أثر لتربة طينية خلال حفر الأساسات، علماً أن نوعاً مثل هذا من التربة يستدعي نوعاً مغايراً من الأساسات، وليس الشكل التقليدي المعمول به». ويتابع أنه «بعد إجراءات مرهقة مادّياً ونفسياً، هدمْنا السور الخلفي للبيت، وحفرْنا تحت الأساسات، فوجدنا أن أسفلها رمل متفكّك، وساهم موسم الأمطار الغزير في زيادة تحلُّله وضعفه، دخلْنا في مرحلة جديدة من علاج المشكلة»، علماً أن إجراءً كهذا سيكلّف صاحب المنزل مبلغاً يتجاوز الـ8 آلاف دولار، وهو مبلغ كبير، بالنسبة إلى من خرج لتوّه من مشروع بناء تتجاوز تكلفته الـ50 ألف دولار.
يعيش سكّان برج السوسي منذ نهاية معركة «سيف القدس» في العام الماضي هواجسَ متفاقمة

وفي غرب مدينة غزة، يعيش سكّان برج السوسي منذ نهاية معركة «سيف القدس» في العام الماضي، هواجسَ لم تستطع تطمينات فريق وزارة الأشغال التخفيف من حدّتها. البرج المكوَّن من 14 طابقاً، والذي تسكنه أكثر من مائة عائلة، تعرَّض محيطه لسلسلة عنيفة من الغارات المتتالية، أو ما يُعرف بـ«الحزام الناري»، فطاوله ضرر كبير، اتّضح عقب نهاية الحرب أنه تسبّب بميلانه بمقدار 17 سنتمتراً، لتَظهر أخيراً المزيد من الصدوع والتشقّقات في بنائه. وتُطمئِن وزارة الأشغال في غزة إلى أن الشقّ الكبير الذي ظهر حديثاً، ليس سوى تمدّد بين مبنيَين في فاصل كان مغطًّى، وتكشَّف نتيجة الاهتزازات التي تولّدت من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وليس تشقُّقاً إنشائياً يستدعي القلق. لكنّ المهندس إبراهيم الأيوبي، وهو أحد سكّان البرج ومسؤول عن التواصل مع جهات إعادة إعماره، يؤكد أن التشقّقات التي تَظهر تباعاً، ليست مطَمْئنة؛ إذ إنها طاولت سلّم الهروب وأحد الأعمدة الرئيسة، إضافة إلى الواجهة الأساسية. ويشدّد على أن هذه الظواهر تستدعي إعادة تأهيل شاملة للبرج، ولا سيما أن القصف استُخدمت فيه قنابل ارتجاجية خارقة للحصون، وأصابت بعضها المخازن والأساسات، متابعاً أنه «كان من المفترض أن تبدأ عملية التأهيل في آب 2021، لكن شيئاً من هذا لم يحدث». ويُظهر مقطع مصوَّر تداوله نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، تشقّقات طُولية تَقسم البرج إلى قسمَين، وتمتدّ من الأعلى إلى الأسفل.
أمّا أبو محمد المظلوم، فقد تسبّب «الحزام الناري» الذي ضُربت به منطقة العامودي شمال القطاع، بتصدّعات في سقف بيته وجدرانه. وعلى رغم أن هذه التصدّعات لم تؤثّر على «السلامة الإنشائية» للبيت وفق ما أكّده الكشف الهندسي، إلّا أن «موسم الشتاء الماضي كان كئيباً»، بحسب ما يقول المظلوم لـ«الأخبار»، لافتاً إلى «(أنني) راعيْت في بناء منزل العمر أدقّ التفاصيل، لكنّ القصف تَسبّب بشروخ عميقة في السقف، وأخرى في الجدران، كشفها المطر الغزير في فصل الشتاء الماضي، إذ تسرّبت المياه من الجدران والسقف، ولم تفلح كلّ محاولاتي في إصلاحه». بدوره، يفيد أبو محمد الدحدوح الذي يسكن منطقة تل الهوا، بأنه استخدم أدوات العزل كافة المتوافرة في السوق، من مثل «البلقاق والزفتة»، لكنها لم تفلح في منع تسرُّب المياه من سقف بيته الذي تعرّضت المنطقة الكائن فيها لقصف عنيف. وتمنع إسرائيل دخول الوسائط المناسبة لعلاج تلك المشكلات، بحسب محمد عوض، وهو صاحب محلّ لبيع معدّات البناء؛ إذ إن المادّة الأنسب لذلك هي «الإيبوكسي»، الشفّافة والشديدة القوة، والتي تشكّل الحلّ الناجع، ولكنّها ممنوعة من الدخول عبر معبر كرم أبو سالم، بحجّة «الاستخدام المزدوج».