ليس من المبالغة القول إنّ عملية «مترو حماس» التي استمرّت إسرائيل في الإعداد لها طوال عشر سنوات سبقت معركة «سيف القدس»، هي واحدة من أهمّ الأوراق التي كان يعتقد الاحتلال أنها الورقة الرابحة التي يمكن أن تحقّق له إنجازاً ميدانياً ونفسياً، يُعيد الأذرع العسكرية 15 عاماً إلى الوراء، ويراكم من قوّة الردع الإسرائيلي الذي من شأنه أن يشذّب نبرة الخطاب المقاوم المرتفع في القطاع. كما أنها كانت بمثابة رهان لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، للتأسيس على نتائجها في إعادة بناء حضوره في المشهد الداخلي، وهو ما يفسّر إصراره على استخدامها على رغم التحذيرات التي وُجّهت إليه من إمكانية فشلها.وقامت خطّة «المترو» على افتعال مناورة إيهام متكاملة العناصر، تحشد قواتُ المشاة في الجيش الإسرائيلي، بموجبها، عشرات الآليات العسكرية بمحاذاة السياج الحدودي لشمال قطاع غزة، ثمّ تبدأ وحدات المدفعية بالتمهيد الناري على نحو مكثّف، قبل أن يسرّب الاحتلال خبراً عبر الإعلام العبري، مفاده بأن الجيش متّجه إلى تنفيذ عملية برّية شاملة في القطاع. وعلى إثر ذلك، كان يُفترض بالمقاومين المبادرة إلى تذخير الأنفاق، وتجهيزها للخطّة الدفاعية التي تعدّ هذه الشبكة الممتدّة في مناطق قطاع غزة كافة، عمادها الأساسي. إلّا أنه في تلك الليلة، امتلكت استخبارات المقاومة تقديراً ناجزاً بأن العدو لن يُقدِم على تنفيذ عملية برّية. ومع بدء «الخديعة الكبرى»، صدرت التعليمات للتشكيلات القتالية بإعادة التموضع وفق الوضع العادي، وبهذا لم تنجرّ المقاومة إلى حيث يريد الاحتلال.
وبعد أربعين دقيقة من القصف المكثّف، الذي شاركت في تنفيذه 160 طائرة في آن واحد، أعلن نتنياهو أن جيشه استطاع تدمير مئات الكيلومترات من أنفاق المقاومة، وقتْل عشرات المقاومين، خلال عملية قصف مركّز استهدفت شبكة الأنفاق شمال غزة. ولما كان الحيّز الذي تحدّث عنه نتنياهو سرّياً، ولا يمكن معاينته للتأكّد من صدقيّة الإعلان الإسرائيلي، سارعت المقاومة إلى نشر توثيق لمقاتليها واستعداداتهم داخل الأنفاق، بهدف تفنيد دعاية الاحتلال، وتجاوز التأثير النفسي لهذا الإعلان على الحاضنة الشعبية. وعقب انتهاء الحرب، خرج قائد «حماس» في غزة، يحيى السنوار، وأكد أن الأنفاق التي يتجاوز طولها 500 كيلومتر، لم تتضرّر إلا بنسبة 5%.
وبعد عام من «سيف القدس»، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن «حماس» كانت على علم بعدم نيّة الاحتلال البدء بالاجتياح البرّي، على الرغم من وجود عدد من الآليات المدرّعة على الحدود مع شمال القطاع. وأضافت أنه «على الرغم من علم الجيش بأن حماس كشفت الخطة، إلّا أنه أصرّ على تنفيذها، وبالتالي فشلت في الإيقاع بعدد كبير من مقاتلي حماس داخل الأنفاق». وكشفت الصحيفة أن «قائد سلاح الجوّ في حينها، عميكام نوركين، تحفّظ على تنفيذ الخطّة، مطالباً بالبحث عن موعد أفضل للتنفيذ، وقال آنذاك: استغرقنا 5-10 سنوات حتى تمكّنا من إعداد هكذا خطّة ويتوجّب الحفاظ عليها حتى موعد آخر». ووفقاً للصحيفة العبرية، فإن الخطّة الأصلية كانت تُشير إلى إمكانية القضاء على نحو 800 مقاتل من قوات النخبة في «كتائب القسام» داخل الأنفاق، حيث شاركت 160 طائرة في الهجوم الذي سُمّي «ضربة برق».
وعلى الرغم من تعرّض المقاومة لعدوان غير مسبوق، عبر تكثيف الغارات الجوية التي طاولت أكثر من 1500 هدف خلال عشرة أيام وثماني ساعات، إلّا أنها استطاعت المحافظة على قيادة العمق لديها متماسكة. وفي هذا الإطار، يكشف مصدر في المقاومة أن «الاستهداف الإسرائيلي للأنفاق، التي لم تستلزم مجريات المعركة استخدامها، ساهم فعلياً في تحييد جزء محدود منها دون تدميرها، لكنه في المقابل، كشف عن تكتيكات سرّية طوّرتها إسرائيل خلال عشرة أعوام، واستخدمتها دون نتيجة»، مبيّناً أن «الاحتلال كشف مثلاً عن سلاح الغاز القاتل الذي تمّ حقن الأنفاق به، بدون أن يستطيع قتل العدد المشتهى من المقاومين، وبدون أن يقدِم على عملية اجتياح برّي، ما يعني أنه أعطى المقاومة فرصة مقبلة لاتّخاذ خطوات وقائية لإبطال سلاح الغاز». ويؤكّد المصدر أن الأضرار التي لحقت بالأنفاق تمّ تداركها، عبر خطّة صيانة محكمة، ودراسة مخابراتية دقيقة لِمَا ينبغي ردمه وهجره بسبب انكشافه واستهدافه من قِبَل الاحتلال، وما يمكن الإبقاء عليه وربطه في مسارات جديدة.