من أمام بسطته الصغيرة التي يبيع عليها فاكهة الفراولة في سوق الشاطئ الشعبي غرب مدينة غزة، يقف الشاب الثلاثيني محيي الدين كلاب وينادي بأعلى صوت: «الثلاثة بميّة، الثلاثة بميّة»، أي أن سعر ثلاثة كيلوات من الفراولة بعشرة شيكل.يدرس كلاب (مواليد 1989) الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه في الجامعة الإسلامية بغزة، ونال درجة الماجستير بالتخصّص. يقول إنه أنهى دراسة البكالوريوس من جامعة الأقصى بغزة: «لم أستطع مناقشة رسالة الدكتوراه بسبب الفقر وعدم وجود فرصة عمل، ورسالة الدكتوراه بحاجة إلى ثلاثة آلاف دينار، وهو مبلغ مرتفع». في ظل ارتفاع معدّلات البطالة في القطاع، فكّر كلاب بمشروع خاص يكسب منه لقمة عيشه وأطفاله الثلاثة: «وصل بي الأمر إلى أن أطلب الطعام أحياناً من الجيران، لذلك أُجبرت على النزول إلى السوق وفتح بسطة أبيع فيها الفواكه حسب الموسم، اليوم أبيع الفراولة، وسابقاً بعت العنب والتين».
وبالرغم من أنه يدرس الدكتوراه، فإنه لم يخجل من كونه بائعاً في السوق، فهو يحظى باحترام جيرانه وأصدقائه، لأنهم يرون فيه إنساناً طيباً ومتسامحاً. والمفاجأة أنه يكشف تأليفه نحو 50 كتاباً، أحدها «مسند غزة»، وهو عبارةٌ عن الروايات المُصرّح بإسنادها أنها حُدّثت في مدينة غزة، وقد طُبع في «دار المقتبس» في بيروت. إضافة إلى كتاب «الصحابة الذين تُوفوا في فلسطين»، و«معجم المعارك والعمليات العسكرية على أرض فلسطين»: «تأليف هذه الكتب كلفتني الكثير من الأموال، بجانب دراستي البكالوريوس والماجستير، بالإضافة إلى الدكتوراه التي كلفت نحو 20 ألف دينار».
لم تتوقف جهود بائع الفراولة هنا، بل عمل على تخريج سلسلة «تعقبات العلماء على مستدرك الصحيحين للإمام الحاكم»، وله عِدة مؤلفات طُبعت في مكتبة «النهضة العصرية»، ويعتزم حالياً تجميع هذه السلسلة في كتاب سيُطرح قريباً في الأسواق. وقد عمل أيضاً على تحقيقات كُتب التراث، إلى جانب عمله خطيباً وواعظاً في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في مدينة غزة.
يشير كلاب إلى حال الخريجين في غزة: «كلهم الآن ليس لديهم أي عمل، وأنا أدرس الآن الدكتوراه ولم أحصل على فرصة عمل». ووفق أرقام البنك الدولي، يعدّ قطاع غزة، الواقع تحت الحصار الإسرائيلي منذ 2007، بين أكثر الأماكن في العالم من حيث ارتفاع معدلات البطالة. وبحسب المركز الفلسطيني للإحصاء، فقد بلغ عدد العاطلين من العمل في فلسطين 389 ألفاً في الربع الثالث من 2021؛ بواقع 253 ألفاً في قطاع غزة وحوالي 136 ألفاً في الضفة الغربية. والتفاوت كبير في المعدّلين بين الضفة المحتلة (15٪) والقطاع المحاصر (50٪). أمّا على مستوى الجنس، فالبطالة في فلسطين متفاوتة أيضاً وتتوزّع وفق التالي: 22٪ بين الذكور مقابل 47٪ بين الإناث.