تبدو دراسة ميقات الراجحي «الوهّابية ـــ أرجحة المصطلح بين الحالة المذهبية والتمذهب» (دار طوى) شديدة العمومية والتسرع. حاول الباحث السعودي تعقب ظهور مصطلح الوهابية في المصادر العربية والأوروبية الأولى، لكن من دون أن ينتج مادة بحثية مقنعة. لا يسعى الكاتب إلى تقديم قراءة نقدية للأسس الفقهية التي قام عليها الخطاب الوهابي، لكنه يعمل على تحديد بدايات تداول المصطلح. وقبل أن يكشف لنا معالم ذكر «الوهابية»، يضع القارئ أمام البيئة التاريخية لنشأة الدعوة السلفية في الجزيرة العربية قبيل محمد بن عبد الوهاب، إلى أن يصل إلى اتفاق الدرعية الذي عقده الشيخ مع محمد بن سعود وقامت على أثره الدولة السعودية الأولى.
يفضل صاحب «لا أحد يهزم الله» إدراج الوهابية في خانة التيار الإصلاحي. وفي المقابل، يبدي تحفظه على استخدام المصطلح نفسه. وبصرف النظر عن مدى أهمية الدراسة وتقيدها بالضوابط العلمية، يرسم الكاتب خريطة طريق لانبعاث الوهابية مصطلحاً، فيجعل من الشاعر النجدي حميدان الشويعر أول شخصية تذكر الوهابية، مستشهداً ببعض قصائده. ينتقل بعد ذلك إلى المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي (1754 ـــ 1825) الذي عاصر الحركة ورحّب بها، وتحدث عنها في كتابه «تاريخ الجبرتي» حين أشار إلى لفظة «الوهابية/ الوهابيون» في معرض سرده لتاريخ الدولة السعودية الأولى.
يؤكد الكاتب أن أول مصدر أجنبي يتعرض لدعوة محمد بن عبد الوهاب هو كتاب «رحلات عبر جزيرة العرب وأقطار أخرى في الشرق» (1772) للرحالة الألماني كارستن نيبور. ينتقد الراجحي ملاحظات نيبور لأنه عندما يروي تفاصيل رحلته إلى شرق الجزيرة العربية، يشير إلى الحركة الوهابية كديانة، وعندما يذكر المسلمين يدعوهم بـ«المحمديين». يعتمد صاحب «سعولندني» على الوثائق العثمانية التي ذكرت مصطلح الوهابية، بعدها ينتقل إلى الديبلوماسي البريطاني جون باركر (1771 ـــ 1849) الذي كتب تقريراً عام 1803 تحت عنوان «تقرير بريطاني حول دخول الوهابيين مكة» وأهداه حينها إلى المستشرق الفرنسي وليام مارسيه. ومن بين المصادر التي أشارت إلى الوهابية، تقرير فرنسي تحت عنوان «التذكرة في أصل الوهابيين وقوتهم ونفوذهم بعد أن أصبحوا أمة» للقنصل الفرنسي في البصرة جان ريمون، وهذا المصدر يعدّه الكاتب أول من أمدّ فرنسا بأخبار عن دعوة محمد بن عبد الوهاب، وقد استفاد منه لاحقاً لويس أوليفييه دو كورانسيه (1770 ـــ 1832)، وهو من الذين رافقوا نابليون بونابرت في حملته على مصر، وصاحب «تاريخ الوهابيين منذ نشأتهم حتى عام 1809». ومن المصادر البريطانية التي تناولت الحديث عن الوهابية «مواد لتاريخ الوهابيين» للرحالة البريطاني جوهان لودفيج بوركهات (1784 ـــ 1817) الذي عاصر حملات محمد علي باشا على الوهابيين، وهذا الكتاب يصف دعوة محمد عبد الوهاب بـ«الديانة المحمدية المتزمتة». لقد شكلت الوهابية مادة دسمة للعديد من الأبحاث والدراسات الكلاسيكية والحديثة، ولا شك في أنّ هذه الحركة التي استمدت أصولها العقدية من الإمام أحمد بن حنبل، أسست لعنف مؤدلج بسبب سيطرة التعصب الديني الذي ميّز خطاب مؤسسها. ويذكر أنّ الشيخ سليمان بن عبد الوهاب صاحب «الصواعق الإلهية» قارع أفكار أخيه محمد، ولا سيما في ما يتعلق بقضايا التكفير والقتال، وهذه النقطة الأساسية لا يشير إليها الراجحي الذي يبقى مشغولاً بصدّ دلالات المصطلح، كذلك فإنه لم يول أي اهتمام لتداعيات التحالف التاريخي الذي نهض بعد اتفاق الدرعية بين الأمير والشيخ.
ثمة نقاط ضعف كثيرة في هذا البحث الموجز، إذ يصورّ الكاتب محمد بن عبد الوهاب داعيةً إصلاحياً ـــ وهو قد يكون محقاً في ذلك لجهة محاربة الوهابية لبعض الممارسات الدينية البعيدة عن الإسلام ـــ لكنه لا يهتم بالأبعاد العنفية والتكفيرية لخطاب الوهابيين، وكيف أنّ الشيخ انتقل من مكان إلى آخر خلال إرساء أفكاره بسبب تصادمه مع رجال الدين ورؤساء القبائل ممن رفضوا دعوته. كذلك كان يمكن الكاتب الاستفادة بنحو أدق من المراجع العربية والأوروبية التي عمل عليها، من خلال التركيز على البعد التاريخي الذي رافق بروز المصطلح وكيفية تعامل المؤرخين والرحالة معه... لكن ميقات الراجحي اكتفى بتتبع استخدام الوهابية في مدونات العرب والأوروبيين، ولم يضف شيئاً جديداً.