تايتانيك لبنان

المشهد الذي نقلته أمس شاشات التلفزيون من ميادين الاشتباكات المتنقلة عبر البلاد، لم يستحضر في ذاكرتي إلا مشهد غرق التايتانيك. لحظة التفكّك التي تلت لحظة الاصطدام بجبل الجليد: عتمة دامسة، شخصان في برج المراقبة يراقبان «من قفا إيدون» لاطمئنانهما إلى «متانة» السفينة، أما في غرفة القيادة، فأزرار الماكينات وقبضات التحكّم بالآلات، على اختلافها، ترتجف بعنف مهددة بالانفجار في أية لحظة، معلنة بدء العدّ العكسي لغرق باخرة السياحة الأسطورية.

وإن كانت اللحظة، لبنانياً، تقارب هذا المشهد «الأبوكاليبتيكي»، حيث ترتجف كل صمامات أمان الدولة الطائفية السياحية، مهددة بالانفجار، فإن الفارق بين لحظة اصطدام التايتانيك وغرقها أقل بكثير من الفارق بين لحظة اصطدام الدولة وغرقها المعلن الذي نعيشه.
هل كانت الحرب الأهلية هي لحظة الاصطدام؟ وخصوصاً أنها انتهت على «زغل»؟ أم قد تكون لحظة اغتيال الحريري في 2005؟ أم حصيلة هذا كله وفوقها «رشّة» من تداعيات «الربيع العربي» ذو الوجه المذهبي؟ تقول النظرية الجدلية إن كل نظام يحمل في داخله بذور دماره، فهل أينعت بذور دمار نظامنا الطائفي السياحي؟ هل حلّ «ربيعنا» اللبناني؟

لا أعرف. كل ما أعرفه أن ما رأيناه بالأمس وما قبله لا يوحي بالاطمئنان: من اعتصام أهالي و«أنصار» الجيش أمام ثكنة صربا وما قيل خلاله، إلى مدخل صيدا المقفل باعتصام أسيرها الذي يريد استرداد «الكرامة السنية» بنزع سلاح المقاومة في حين يريد معتصمو البيرة استرداد الكرامة ذاتها بنزع سلاح الجيش، إلى النزعة الميليشياوية اليمينية التي كشف عنها «طلاب الجامعات» في التيار الوطني الحر في «مهمة» الهجوم القذر على اعتصام مياومي شركة الكهرباء السلمي ليل أمس، إلى سلوك مسؤولي الدولة الذين يبدون كفئران مذعورة أمام «تابلوه» القيادة المرتجف الأزرار بعد سلسلة قراراتهم الخاطئة والمميتة، إلى القصف السوري الشقيق على الحدود، إلى خطف إسرائيل «المعتاد» لرعاة الجنوب، إلى رشق دوريات الجيش بالحجارة خلال أدائها عملها في عرسال، إلى تردد الدولة في «إتلاف موسم الحشيشة» وتفكيرها بتأجيل هذه «المواجهة»، إلى «متفرّقات» من السطو المسلح على البنوك والخطف لأجل فدية والقتل وأخبار الخلافات الزوجية التي يقتل فيها أطفال رُضّع إلخ...
لقد كانت صورة يوم أمس الإخبارية صادمة. خاصة بالنسبة لغزوة الكهرباء العونية، نظراً لما رسخ في الأذهان عن «جمهور» التيار الحالم بالمؤسسات، المهذّب، المكوّن بغالبيته من تلامذة الجامعات الذين كان التيار يفاخر بأنهم عموده الفقري. لكن ما حصل ليل أمس لا يوحي بأن مَن كانوا أمام مؤسسة كهرباء لبنان «تلاميذ راهبات». أما زياد عبس «القيادي في التيار الوطني الحر»، فلم يعط سوى صورة لزعيم ميليشيا، يمينية بالتحديد، حيث يمكن الجمع بين «نظافة الثياب» وتحدث اللغات بطلاقة ووساخة زعران الشوارع.
مشهد هجوم «العونيين» والقواتيين على اعتصام المياومين السلمي أمس، خاصة مشهد رمي «الرماح» المستخرجة من عصي اللافتات على المعتصمين خلف أسوار المؤسسة إضافة إلى الحجارة الكبيرة التي كانوا يلقونها بدون خوف من قتل أحدهم، لم يذكّر إلا بـ«غزوة الأشرفية» وتظاهرة السواطير... للأسف، لم يكن الفارق بين هذه المشاهد ومشهد أمس إلا غياب اللحى والجلباب. فإن أضفنا إلى ذلك ما تفوّه به «طلاب الجامعات» المؤدبين، المرتبين، وما شهده صحافيون من وجود لأشخاص عرّفوا عن أنفسهم على أنهم من «أمن الجنرال» في محيط المؤسسة، يوحي بأن التيار يبدو وكأنه يريد تعويض ما فاته من الحرب الأهلية بعد.. 22 سنة من إعلان انتهائها. وهذا يعني أولاً، أن «قشرة» «ماد إن فرانس» التي اكتسبها عون من الإقامة الفرنسية العلمانية، لم تستطع الصمود أمام متطلبات جمهور النظام الطائفي، لذا ما إن ذاب الثلج الفرنسي حتى بان المرج اللبناني.

في مشهد لبنان أمس، اجتمعت كل عناصر النهايات الدرامية: الليل، الظلام الدامس، الحر القاتل، الهواء المشبع بالرطوبة، الأجساد الغاضبة والمتعرّقة والدبقة، زحمة السير الخرافية على أوتوستراد صربا، السباب، الكلام الطائفي.. زحمة خرافية أيضاً على مدخل صيدا، «ولاد الجامعات»، العونيون، يتحالفون مع القوات ويهاجمون اعتصاماً مطلبياً غير طائفي، ليقولوا إنهم البديل المسيحي (في التوظيف كجُباة) «لزعران نبيه بري ومحمد قباني» حسب ألفاظهم، مطالبين بتكريس «حقهم» في حصة طائفية، في وظيفة فئة عاشرة، لم تتجرأ على طرح تقاسمها أشد طبعات الطائفية الوظيفية شراسة وتخلّفاً...
يقال إن لبنانيين كانوا على متن التايتاينك، لا أعرف في أي درجة كانوا يسافرون، ولكن الثابت أنهم غرقوا تماماً مثل البقية، فلا هجرة هنا تنفع، ولا نأي بالنفس يشفع. وحين يكون الجميع على متن السفينة، فالمصير مبدئياً واحد.
لكن هل تغرق الدول كالسفن؟ كالتايتانيك مثلاً؟ ما نشهده يقول نعم. مع فارق بسيط: تايتانيك لبنان تخلو من معادل لطلعة ليوناردو دي كابريو وكايت ونسليت البهية. أما الموسيقى التصويرية فلن تكون إلا لزياد الرحباني: «قوم فوت نام»، أذا استطعت طبعاً في هذا الحرّ مع انقطاع تام للتيار الكهربائي، وبالتأكيد بعد إغلاق السلولير لكي تتلافى متابعة خدمة الخبر العاجل.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/20/2012 2:26:00 PM

انا براي وطنا مش تافه بس القطيع ~ما يسمى بالشعب~ اكتر من تافه.الحسرة على ماتبقى من الوطن وبعض المواطنون المو غنم

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/19/2012 3:09:00 AM

ألأسدُ والغابة يحكى أن أسداً كان يُفترض و يُتمنى أن يحكم الغابة، لكنه تركها لردح من الزمن كي يفهم بما يكفي كيفية وسيرورة الإجتماع في تلك الغابة، فيمسي بالتالي فعله قول و قوله فعل، مُحكمان، مع مجال ضئيل من السهو والخطأ المسموح بهما للأسود. يُحكى ويُتمنى أن لا يكون الأسد قد سُلب عقله، وأنه سيخرج يوماً ما -يوم الأمل- ببعض الأجوبة على بعض الأسئلة المتعلقة بمُحركات المجتمع العربي عموما، والليبانيزي تحديداً. حتى حينه، نحن لا نعرف كيف يعمل ويتواصل ويتشابك الإجتماع في بلاد العُرب أوطاني. حتى حينه، لدينا سؤال يقض مضاجعنا، ونرجو مِن كل مَن لديه الجَلَد أن يعيننا على تجميع بعض الأجوبة المتفق عليها. السؤال نكأ جرحه التعليق المعنون "مبخوشة"؛ لا شك أن لبنان ليس بلد بمعنى دولة، و معظم الأوقات ليس بوطن. وهو في النهاية تكوّن بحدوده المعروفة دون رأي المدعوين أهله. بلحاظ ما سلف أعلاه، و بلحاظ كل مجالس الدونية والأسى والفوضى والخيانة والإفقار والإذلال بشكليها الحاكم والمحكوم، و بلحاظ الكيان الصهيوني و خطره، وبلحاظ تأثير النموذج الليبانيزي على المنطقة ككل يُسأل السؤال التالي: أيهما أولى بالحدوث زمنيا؛ لفظ أسرائيل من الخرائط أم لفظ لبنان منها؟

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/20/2012 11:16:00 PM

أجبت على سؤالك (جزئيا)، ولكن على ما يبدو أن المراقب العسكري ل "ألأخبار" رفضها. آسف.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/18/2012 11:23:00 AM

بدر شاكر السياب لجيكور العودة (The whole poem is worth reading, here are a few verses) أواه يا جيكور لو أواه يا جيكور لو توجدين ** نزع و لا موت نطق و لا صوت طلق و لا ميلاد ** ** جيكور نامي في ظلام السنين

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/18/2012 1:33:00 PM

جيكور يا جيكور اين الخبز والماء؟ جيكور مدّي لنا بابافندخله أو سامرينا بنجم فيه أضواء اواه يا جيكور لو تسمعين. بدر شاكر السياب خاتم الشعراء ضحى

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/18/2012 10:18:00 AM

معادلة وجود لبنان تساوي صفر ومعادلة بقاء لبنان تساوي صفر والمعادلة هي مجموع المؤسسات المكونة للنظام في لبنان + الشعب نبداء برئاسة الجمهورية جاءت على أساس توافقي أي تعادل سلبي صفر ـ صفر القوى الأمنية مقسمة بين أمن داخلي وأمن عام وتحييد الجيش تعادل إيجابي واحد ـ واحد المجلس النيابي =58 ( 03/8) + 58 (03/14) ـ 1ـ2ـ1ـ6 = صفر مجلس الوزراء = 11 + 3 + 4 +5 +2 +1 +2 +1 +1=30 صفر كي لا نطيل التوظيف 6 * 6 مكرر خاصة بالقضاء كي تبقى المعادلة صفر أحكام الإعدام تتطابق مع معادلة صفر ( هل تتذكرون شربل نحاس )المعادلة كانت تساوي واحد فاجتمع عون وبري بغطاء صفر بعبدا وصفر الميقاتي لتصبح صفر من جديد يبقى القطيع عفوا "الشعب" " تعا شيلني " لأنه كما أكّد وبرهن زياد الرحباني 80 و 80 =160 وبما أنه مافي 160% هودي هني ذاتهم العالم إخوات ".ش...ة." يا ضحى ما لح تغرق هالتايتانيك لأنها أساسا مش عايمة انور

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/18/2012 2:42:00 AM

وقع الإصطدام لحظة إنشاء لبنان والإنفجارعلى الفور بعد ذلك. برغم كل ما هو مكتوب في مقدمة الدستور، الدولة الطائفية السياحية، "مبخوشه" بعدة أماكن. "الخارج" حال دون غرقها حتى الآن. "الغراء" المستعمل (واللازم تجديده دوريا) للحفاظ على تماسك البلد هو تقدمه من: سوريا (وحلفائها) واسرائيل (وأسيادها وعملائها).

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/18/2012 1:34:00 AM

شكرًا لك على هذه الكتابات الراقيه و اللتي تعبر عن ما يجول في خاطري و أنا أتابع ب "قرف" مشاكل وطننا التافهة.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/17/2012 10:12:00 PM

شي محبط ، اشعر كأنني لم يبقى لي من دور سوى ان اكون احد العازفين اللذين استمرا بالعزف حتى النهاية.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم