البيت فوق البيت. الشباك فوق الشباك. «الدَّرَج» فوق «الدَّرَج». هنا، مصطلح «فوق» لا يعني شيئاً أبداً، ولا مصطلح «تحت». مثلاً «قسطل» المياه فوق. كابل الكهرباء تحت. قد تمطر صيفاً، نتيجة تسرب أحد قساطل المياه فوق رأسك. قد تصعقك الكهرباء بقدمك، خلال محاولتك اجتياز «الزواريب» الضيقة. كل شيء ولا تسعى الى رؤية السماء، لا زرقتها ولا حلكتها، فالضوء هنا سيان. سيان حالك، بفعل كثرة الإمدادات الكهربائية والمائية، وحبال الغسيل. قد تظن أن المياه التي تغمر الأرض مياهاً.
لا يغرّنّك الشكل، يكفي أن تشم الرائحة لتعرف أنها صرف صحيّ. إذا كنت سائراً في مخيم صبرا وشاتيلا، حذار ربط الصورة النمطية للأشياء، بموقعها البديهي. ستلحظ هنا وقعاً بطيئاً للحياة. العنصر الشاب في كل زاوية، على الشرفات، أمام المنازل والمراكز الحزبية الكثيرة. البطالة غالبة. بطالة تقارع التعديل الذي أقره مجلس النواب في آب عام 2010 على قانون العمل، والذي سمح للاجئ الفلسطيني بالعمل رسمياً في كل القطاعات التي يسمح للأجنبي بالعمل فيها. إضافة الى إفادته من الضمان الاجتماعي من ضمن صندوق خاص. هذا التعديل الذي ينتظر منذ سنتين مراسيمه التنفيذية، لن يبصر النور. «لن»، هذا ما قاله وزير العمل سليم جريصاتي لـ«الأخبار». فبحسب جريصاتي، التعديل الحاصل في مجلس النواب منقوص، وإصداره المراسيم التنفيذية «لن» يكون لصالح الفلسطينيين.
يشرح جريصاتي أنه قبل مغادرة سلفه شربل نحاس الوزارة بساعات، وقّع على قرار يتعلق بتسهيل حصول الفلسطينيين على إجازة العمل. «حين دراستي لهذا القرار، وجدت فيه ثغرتين بإمكان أي جهة الطعن به. فهذا القرار تنظيمي ويجب أخذ رأي شورى الدولة به، وهذا ما لم يحصل. كما أن هذا القرار يحتاج أصلاً الى اقتراح من المدير العام للوزارة، وهذا أيضاً ما لم يحصل». يقول جريصاتي إن هذا الواقع دفعه الى تجميد نشر القرار. لكن، لماذا لم يسد الثغرتين حتى الآن؟ ولماذا لم يصدر بعد المراسيم التطبيقية للتعديلات على قانون العمل التي أقرت في مجلس النواب؟ يشرح جريصاتي أنه اجتمع مع المدير الإقليمي للأونروا، ووفد من منظمة العمل الدولية، وخلصت الاجتماعات إلى أن إدخال التعديلات هذه ليس لصالح الفلسطينيين. كيف؟ يقول جريصاتي إن التعديلات التشريعية تلزم الوزارة بموجبات قانونية تتعلق بالإجازات وشهادات الإيداع، في حين أن الوزارة لا تدقق في هذين الأمرين حالياً، معتبراً أن اليد العاملة الفلسطينية لا تحتاج الى إجازة، فهي مقيمة في لبنان، وليست قادمة من خارجه. أما عن الصندوق الخاص الذي يقدم للاجئين ضماناً اجتماعياً، والذي أقره مجلس النواب، فيلفت جريصاتي الى أن الصناديق الخاصة كلها كانت فاشلة بالتجربة. وبالتالي فإن الفلسطينيين في وضعهم الحالي أفضل من وضعهم في حال شمولهم بهكذا صناديق. كما أن الأونروا تقدم للاجئين ما يحتاجون إليه من طبابة واستشفاء. النتيجة؟ «لن أصدر أي مراسيم تنظيمية للتعديلات التشريعية الصادرة، فالواقع الحالي أفضل» يؤكد جريصاتي.
إلا أن نحاس يؤكد أن ما أصدره ليس مرتبطاً بتعديلات قانون العمل، بل بقرار تنظيمي لتسهيل إجازات العمل للفلسطينيين. يشرح أن هذا القرار يتضمن مادة واحدة وهي تحديد الأوراق التي يجب على الأجير الفلسطيني أن يحضرها الى الوزارة لكي يحصل على إجازة العمل، إضافة الى عدم اضطرار هذا الأجير إلى تبليغ الأمن العام، فهو مقيم في لبنان وليس قادماً من خارجه. يؤكد أن هذا القرار ليس مرسوماً ولا يحتاج الى اطلاع مجلس شورى الدولة. أما هدفه فمحصور بتسهيل إجراءات الحصول على إجازة العمل، وذلك لكي تتعرف الدولة اللبنانية على عدد وماهية عمل الأجراء الفلسطينيين، ولكي يتمكن هؤلاء من الاستفادة من القانون الصادر عن مجلس النواب منذ سنة ونصف والذي يتيح لهم الإفادة من تعويضات نهاية الخدمة. يستغرب نحاس تحميل القرار أكثر مما يحمل. «لقد قالوا إنه يتناقض مع قرار منع التوطين، وإنه يلغي عن الفلسطينيين صفة اللاجئ، فيما هو لا يرمي إلا الى تنظيم آلية تقديم الإجازات».
مطالب المخيمات لا تعكس وجهة نظر جريصاتي كذلك. خالد أبو النور مثلاً، وهو عضو اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا، قال إن هناك حاجة لتنفيذ التعديلات على قانون العمل. ولفت الى أنه لا إمكان للوصول الى ضمان اجتماعي للفلسطينيين وإلغاء الرسوم على إجازات العمل سوى عبر المراسيم التنظيمية. يؤكد أبو النور أن هذه التعديلات لا بد من تطويرها نحو إلغاء الإجازات نهائياً، إلا أن ذلك يحتاج بالحد الأدنى الى خطوة أولى. أما الأهم، فهو توسيع حلقة التوظيف أمام الفلسطينيين لتشمل المهن الحرة. يستغرب كيف أن الفلسطينيين يضخون الأموال في الاقتصاد اللبناني ولا يجري العمل على إدخالهم في دورة الإنتاج، في حين أن الأجانب، القادمين من خارج لبنان، يغرفون الأموال من لبنان لينفقوها في بلدانهم، ورغم ذلك لهم حقوق وتسهيلات لا يتمتع بها الفلسطيني. يشدد أبو النور على أن نسبة البطالة في المخيم وصلت الى 70 في المئة لدى الشباب. ومن يعمل منهم، فهو معرض دائماً للطرد الكيفي، ويحصل على رواتب ضئيلة من دون أية ضمانات. ويركز على أن حوالى 90 في المئة من الفلسطينيين في لبنان يعيشون على تحويلات أبنائهم في الخارج، وينفقون هذه التحويلات كلها في لبنان.
يستند فلسطيني آخر الى دراسات عديدة، منها دراسة المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء واليونيسيف وجامعة الدول العربية عن «الأوضاع الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية في مخيمات وتجمعات اللاجئين في لبنان 2009»، إذ تشير الى أن عدد الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات القائمة في لبنان يصل الى 454 ألفاً و608 لاجئين. وتصل نسبة البطالة بين فئة الشباب الى 43،3 في المئة. فيما أظهرت نتائج المسح الاجتماعي الذي أجرته الأونروا في المخيمات الفلسطينية، أن 65% من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات يعيشون دون خط الفقر، و7% هم دون الفقر المدقع، فضلاً عن أن نسبة البطالة تصل الى 56%.



38.9%

من الأسر في المخيمات الفلسطينية تعتمد على الغالونات لمياه الشرب، و93،5 في المئة من الأسر في بيروت تشتري هذه الغالونات



88%

من الأسر في المخيمات الفلسطينية تتصل مراحيضها بالمجاري، فيما 12 في المئة تستخدم مراحيض تتصل بحفر امتصاصية




أيّ طبابة؟

بعكس توقعات وزير العمل سليم جريصاتي، لا يتوافر داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان سوى 29 مركزاً طبياً للرعاية الصحية الأولية، وهي عبارة عن مراكز صحية صغيرة الحجم. يعمل فيها يومياً طبيب أو طبيبان للصحة العامة، ويُعاين الطبيب الواحد يومياً نحو 100 حالة على الأقل، في وقت قياسي مدته ست ساعات...