نيازك وكبتاغون

لخبر السوريالي امس لم يكن ذلك العاجل الذي تحدث عن"ظهور أجسام مضيئة وشهب نارية على الحدود التركية السورية" او في شمال لبنان والبقاع ومرجعيون، بل كان خبر القبض على "عصابة الكبتاغون"، بعد عمل دؤوب امتد لأشهر. وسوريالية الخبر، لمن لم يقرأه، لم تكن فقط بسبب تورط شيوخ دين معممين في تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة وتوزيعها على "المؤمنين"، تحت أغطية "مقدسة" متعددة ليست العمامة أهمها، بل في طبيعة عناصر الشبكة وطريقة انتشارها العابرة لكل الحواجز الطائفية والمذهبية والأيديولوجية المفعّلة في لبنان مؤخراً.

يجمع التقرير بين سنّة في عرسال وشيعة في البقاع ومراكز تصنيع في الشويفات واسواقا تمتد من لبنان الى السعودية. تجمع الشبكة "رجال دين"وأساتذة وخبراء جمركيين متعاقدين مع قوى الأمن. وملخص التقرير أن شخصاً اسمه أحمد م، كان يستعد لتسلم آلتين لصنع الشوكولا، وإذ به يكتشف عبر موظف صيني مكلف بالشحن، ان الآلتين معدتان لتصنيع الأدوية. هكذا أبلغ الجمارك التي اكتشفت أن "الأدوية" المشار إليها ليست إلا حبوب مادة الكبتاغون المخدّرة. أُوقف المستورد الذي تبين أن له لقباً هو "الدكتور"، وكانت الأجهزة تلاحقه منذ مدة. واعترف "الدكتور" بأن واحدة من الآلتين كانت ستتجه بقاعاً، والثانية شمالاً. أدت المعلومات التي أدلى بها الى ضبط 5 أطنان من الممنوعات، وتوقيف العميل الجمركي بيار. ح، الذي تبين أنه استورد المواد المضبوطة وأخفاها. ثم؟ أوقفت الأجهزة المختصة خبيراً جمركياً ..متعاقداً مع قوى الامن الداخلي، لضبطها 100 كلغ من "الكافيين"(تستخدم في صناعة الحبوب) اشتراها من الدكتور، وبمحصلة المعلومات التي أدلى بها الموقوفون، أوقف كلا من أحمد. ز وشقيقه مهدي في بلدة إيعات البقاعية. واعترف أحمد بأنه كان يخلط المواد الكيميائية لتصنيع الحبوب المخدرة لمصلحة كلا من عماد. م، وشريكه رجل الدين هاشم. م من بلدة "النبي شيت"، ليتبين لاحقاً أن شقيقهما جهاد كان يوّضب تلك الحبوب، ويسلمها لشخصين من بلدة عرسال، يقومان بتهريبها، الى أين؟ الى السعودية. لم ينته الأمر هنا، فالتوسع في التحقيق أدى الى ضبط مستودع للحبوب في بلدة "إيعات" البقاعية، ثم دهم منزل سائق رجل الدين الذي ضبطت فيه معدات لتصنيع المخدرات. ثم توافرت معلومات للقوى الأمنية تفيد بأن "حوزة علمية" في البقاع مسحوبة الترخيص، هي مركز التصنيع. ثم حصلت عملية استدراج، بمؤازرة من حزب الله، أدت لاكتشاف مستودع لتصنيع الكبتاغون في "التيرو" بالشويفات، مصنع وصفه أحد الأمنيين بأنه يُضارع معملاً للمخدرات في كولومبيا من حيث الضخامة. ملكية المستودع عائدة لحيدر ذ، الذي أقر باشتراكه مع ..استاذ كيمياء اسمه فاروق م، بتصنيع مادة أساس الأمفيتامين لمصلحة..رجل الدين وعماد م، كاشفاً أن هناك رجل دين آخر يدعى عباس ن، ينقل المواد الأولية الى المصنع. قبض على رجل الدين عند ضهر البيدر وأُوقف أستاذ الكيمياء المتنوّر، الذي برر اشتراكه بتصنيع المخدرات بأن "الدولة مقصرة تجاهنا"!! يقصد كأساتذة. اما رجل الدين المعمم فقد رفض أثناء استجوابه خلع العمامة! وبرر نشاطه ذاك بأن هناك "فتوى دينية تجيز تعاطي حبوب الكبتاغون باعتبارها منشطات وليس مخدرات". طبعاً لم يقل الشيخ مصدر "الفتوى" التي أفتاها على الأرجح من وحي الساعة، وهي غير "الساعة" التي يهدد غير المؤمنين بحلولها، ولكن رفضه خلع العمامة بدا مؤشراً عبقرياً على ما يستنبطه اللبنانيون من قدرة على التحرك بمنأى عن المساءلة تحت غطاء الحصانات المختلفة "المقدسة" التي يوفرها النظام الطائفي، من العمامة الى القرابة العائلية الى المنصب او الوظيفة الى الطائفة وصولا الى الزجاج المفيَم. المهم، تبين أن "الشباب"، ومنهم الأستاذ الذي يعاني من "إهمال الدولة"، جمع كلاً منهم مليوناً ونصف مليون دولار لتعاطيهم هذه "المهنة" منذ العام 2007. بالمقابل تردد أن الأخوة الثلاثة ومنهم رجل الدين هاشم م، تمكنوا من الهرب الى تركيا او العراق! مع العلم إن معلومات متداولة تفيد بأنهم لم يغادروا الاراضي اللبنانية. وقال التقرير ان حزب الله، الذي يحسب له عدم حمايته للمرتكبين من "اقارب العشيرة او الطائفة وحتى الحزب"، يبذل جهدا لتوقيف هؤلاء وأنه أبلغ السلطات أنه معني بملاحقة المتورطين مهما كانت الصفة التي يحملونها او القرابة بمسؤولين بحزب الله.


في هذا الوقت، كان بعض الشباب "المحبحبين" في طرابلس، يتبادلون أقذع الشتائم على لاسلكي بين باب التبانة وجبل محسن وصلت طراطيشها الى نانسي عجرم وهيفا وهبي "ليك يا أ(..) فيك تعيطلي بابا لأني رح ن(..) أمك". أو "كل شرامي(..)كن طيبين، جربتن، بس نانسي أطيب من هيفا يا أ.."! وطبعاً معلوم أن هذا الاشتباك "الأيديولوجي" المُستأنف مؤخراً، والذي يبدو "عصياً" على الفضّ حتى من قبل زعماء زعران الشوارع المتقابلة، (على الأرجح بتأثير الكبتاغون والإنتشاء بأضواء الإعلام بعد طول تهميش) هو بحجة تضامن "باب التبانة" مع إخوانهم في الثورة السورية، في المذهب طبعاً، وتضامن "جبل محسن" مع أخوانه في المذهب أيضاً في النظام السوري.


لكن الطرفان كانا طوال الايام الماضية يساهمان، ومن حيث لا يعلمان، في زيادة ثروة كلا من مشغلي شبكة "الكبتاغون" العابرة للطوائف. شبكة جمعت الشيعي والسني والمسيحي أفضل من أي طاولة حوار.


لكن السؤال الحقيقي ليس هنا، بل هو: من يشتري الكبتاغون والسلاح لفقراء باب التبانة وجبل محسن المعدمين؟ من هو مموّل الهذيان؟


ربما كان على "الأجهزة المختصة" ان تتابع تحرياتها حتى تصل الى هناك، الى النبع، وهو "نبع" يبدو من "غزارته" انه يحتمي بحصانات تفوق تلك التي رفع الغطاء عنها حتى الآن.


وعلى ذكر الهذيان: رجاء قولوا لي كيف أمكن لمن صاغ خبر النيازك، أن يحدد منطقة ظهورها على.. الحدود التركية السورية؟ أقصد اين هي الحدود التركية السورية ..في السماء؟

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 6/11/2012 10:11:42 AM

ألف شكر أخت ضحى ... متل العادة الإصبع عالجرح وبالوقت المناسب وأهمّ الشي بكل رقّة وطبعيّة. ما تطولي علينا بليز :) اسبرانس دبس

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 6/11/2012 2:19:14 AM

لو كانت الحوزة مرخصة ما كانت انكمشت,انجأ كانت بتغطي الأستهلاك المحلي.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 6/8/2012 10:11:52 PM

اذا كانت الكاتبة قد برأت حزب الله من الموضوع فسأقول ان الفتوى للتصنيع كانت قد أخذت من المسؤلين المعمين في الحزب وأن الحزب كان على معرفة بذلك لكنه اغتنم الفرصة لتشويه سمعة بعض الشخصيات المؤسسة للحزب و التي نعرفها كلنا كما اأقول للكاتبة ان منزل السائق الذي داهمته القوى الأمنية كان نظيفا و خاليا من المخدرات و أن الحوزة كانت خالية تماما و كلنا نعرف ذلك و لكن هذه الأكاذيب أطلقت لتشويه سمعة الحوزة التي ضايقت المسؤولين في الحزب بسبب سمعتها الجيدة و أساتذتها الفقهاء لذا عمل الحزب على تشويه سمعتها

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 6/8/2012 7:31:24 PM

يعني مقال رائع...بس شو بدك بالحكي, فعلا الحشيشه فعاله جدا ضد الطائفيه

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 6/8/2012 5:05:12 PM

اسلوبك روعة

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم