أسامة العيسة لكن الاحتلال حوّل التقاليد وعقّد الحياة اليومية، فباتت الاحتفالات أكثر تواضعاً، وخاصة أن القوات الإسرائيلية تحظر منذ آذار 1993 دخول الفلسطينيين من الضفة والقطاع إلى المدينة المقدسة، وتحوّل المدينة إلى ثكنة عسكريةوتبدأ احتفالات عيد الفصح نهار السبت، الذي يعرف «بسبت النور»، إذ يخرج النور المقدس (بصورة شموع مضاءة) من كنيسة القيامة، وينتقل عبر الطائرات إلى بعض دول العالم كاليونان مثلاً، وعبر البر إلى الأردن ومنها إلى الدول العربية والغربية. وبالطبع إلى المدن والقرى الفلسطينية المختلفة. لكن في الإجراءات الأمنية الإسرائيلية الصعبة والمعقدة، قد يصل «النور المقدس» إلى عمّان وربما اليونان، قبل وصوله إلى بيت لحم أو رام الله.
وتنظم مسيرات «سبت النور» في القدس، بحسب بروتوكول متوارث منذ قرون مضت. فأبناء العائلات المسيحية المقدسية يتوارثون «شرف» حملة الأعلام في المسيرات التي تشارك فيها الفرق الكشفية، والمخاتير ووجهاء الطوائف. ويردد المؤمنون الذين ينتظرون خروج النور المقدس من القيامة، أهازيج عديدة، من تراث يمتد إلى قرون، يحمل اليهود دم المسيح، ويكتسب ذلك معنىً خاصاً بسبب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المقدسة، ومن ذلك مثلاً:
«سبت النور وعيّدنا عيدنا عيد سيدنا
سيدنا عيسى المسيح والمسيح فادانا
بدمه اشترانا وإحنا اليوم فراحا
واليهود حزانا»
وإن كانت هذه الأهازيج تردد الآن بكثير من التردد في ساحة القيامة بسبب الوجود العسكري والأمني الإسرائيلي، إلا أنها تتخذ أشكالاً أخرى، في مدينة بيت لحم المجاورة للقدس. فتشهد المدينة طوال اليوم احتفالات شعبية، وينتظر أتباع كل طائفة وصول «نورها المقدس» من القدس من مندوبيها الذين سمحت سلطات الاحتلال لهم بجلبه من القيامة، ويعني وصوله، البدء بطقوس ربيعية كرنفالية بهيجة يُطلق عليها اسم «زفة النور» بمشاركة فرق الكشافة، وتنصب حلقات الدبكة. ويمكن الأهازيج أن تذهب بعيدا رداً على التضييقات الإسرائيلية، كما يظهر في ما يردده الشبان الذين يقودون زفة النور وهم يلوِّحون بالسيوف غير عابئين بأن يتهمهم أحد بمعاداة السامية «يا يهود يا يهود عيدكم عيد القرود وعيدنا عيد المسيح».
وتبرز في أجواء الاحتفالات الكرنفالية، بصورة لافتة احتفالات الأحباش، الذين يحتفلون بسبت النور وهم يقرعون الطبول داخل خيمة ينصبونها فوق كنيسة القيامة، ويقدمون رقصاً أفريقياً، وهم يرتدون، رجالاً ونساءً، ملابسهم الوطنية بمصاحبة الطبول، فتظهر زفّتهم كأنها تجري في الأدغال الأفريقيةويُجمع المحتفلون بالفصح على الاحتفاء بالبيض، ويشاركهم في ذلك المسلمون في فلسطين، حيث تسبق الأعياد ما يعرف باسم «خميس البيض» حيث تعمد الفلسطينيات المسلمات والمسيحيات إلى صبغ بيض الدجاج، بطرق بدائية وبمواد متوافرة في الطبيعية، مثل قشر البصل والأعشاب الخضراء، أو زخرفته، وكانوا يتبادلون هذا البيض. وبحسب التقاليد الفلسطينية، ففي كل خميس من شهر نيسان يُنظَّم احتفال، لذا كان يُطلق عليه اسم شهر «الخمسيات». وتظهر التقاليد المتبعة أن أغلب هذه الأعياد مقرونة بعبادات وتقاليد قديمة ـــــ وثنية. فهناك مثلاً خميس مخصص للحيوانات: تحية للأبقار والأغنام وحليبهن، وخميس الفتيات، أو عيد النيروز. فكانت الفتيات يذهبن في الليل، أو عند الفجر إلى حقول الحنطة النامية، وإلى الجبال لجمع الورود البرية كشقائق النعمان، ووضعها في الماء، لغسل شعورهن وأجسادهن، ولكي «يستحممن بالندى»، وهو تعبير مجازي، حيث تذهب النساء مبكراً في هذا الشهر الربيعي وتكون رطوبة الندى عابقة في الأجواء تلصق بالأجسام فيقال للتي تحظى بذلك «كأنك استحممت بالندى».
وتُطلق أيضاً على شهر نيسان تسمية «شهر الجمعات» لأن لكل يوم جمعة فيه اسماً هو مناسبة. فهناك «جمعة الحزانى» الخاصة بالنساء الوحيدات كالأرامل والعجائز واليتيمات والعازبات اللواتي لم يتزوجن، و«جمعة الأموات» (الذين يخصص لذكراهم يوم خميس أيضاً) لتذكرهم. واحتفالات الفصح هي أصلاً إحياء لذكرى تضحية المسيح وخلاصه، صلبه وموته، وفقاً للعقيدة المسيحية، ثم قيامته، ورفعه إلى السماء، وهو ما يعني أن الله قبل التضحية. وبعد انتهاء الحروب الصليبية، التفت السياسيون إلى أهمية احتفالات الربيع الفلسطينية، فقرروا استخدامها لأغراض سياسية ودينية. فسنّ صلاح الدين الأيوبي احتفالات شعبية دينية ذات طابع وطني محلي، تتزامن مع احتفالات عيد الفصح، وأطلق عليها اسم «مواسم»، مثل «موسم النبي موسى» في برية القدس، و«موسم النبي روبين» قرب يافا، وموسم «النبي صالح» قرب الرملة، وموسم «المنطار» في غزة، وغيرها. والهدف السياسي ـــــ العسكري كان متوارياً لصلاح الدين، فهذه المواسم كانت بمثابة استنفار شعبي للرجال والنساء في المناطق الفلسطينية الرئيسية، تحسّباً لأي غزو صليبي محتمل استغلالاً لأعياد الفصح. أما اليوم، فلم يعد الشباب الفلسطيني يدرك عادات المواسم التي قضى عليها الاحتلال.