ما إن أعلنت المديرية العامة للأمن العام عن حاجتها لمفتشين درجة ثانية متمرنين ولمأمورين متمرنين، حتى تهافت الشباب لخوض المباراة. بعد اختبارات الرياضة والفحص الطبي، قدّم الناجحون نهار السبت الفائت الامتحان الخطي، أم يجدر بنا قول «الناجحات»؟ فمعظم المتقدمين كانوا إناثاً
أسعد ذبيان
«مفتش في الأمن العام، أجلس خلف مكتبي في دوام من الثامنة حتى الثانية ظهراً. معاش ثابت، ضمان صحي. سلطة، وهيبة، وترقيات» بهذه الكلمات تتحدّث سماح عن واقعها إذا حالفها الحظ بالنجاح في دورة التطوع بصفة مفتش درجة ثانية في الأمن العام. فهي من الفتيات الكثيرات اللواتي تقدمن لملء الشواغر المعلن عنها واللواتي اجتزن امتحاني الرياضة والصحة بنجاح ولم يبق لهن سوى تجاوز «قطوع» الامتحان الخطي، تليه المقابلة الخاصة مع اللجنة المختصة.
دانا أيضاً من هؤلاء الفتيات، تلفت إلى أنه كان هناك أكثر من 80 فتاة من بين 140 متقدماً في دفعتها أثناء امتحان الرياضة الذي كان طريفاً بالنسبة لها، لأنه غير مألوف وغير روتيني كباقي امتحانات التوظيف التقليدية. فقد كان المشتركون يصلون عند السابعة تماماً إلى مدينة كميل شمعون الرياضيّة في بيروت. يبدأ فحص الـ PUSH UP ثمّ تمارين المعدة، بعدها الركض، وذلك على مدى أيام.
لعل أكثر ما يجذب الفتيات إلى تلك الوظيفة هو مساواتهن بدنياً بالشباب، على الأقل خلال الامتحانات، حيث لا يُتعامل معهن بالطريقة الكلاسيكية التي تستثنيهن من أي متطلبات «عضلية». فالشباب والصبايا يخوضون الامتحانات ذاتها لتصبح «المساواة في الوظيفة هي العنوان منذ البداية» كما تقول فرح. بالإضافة إلى ذلك الامتياز، تلفت فرح إلى عنصر آخر جذبها في تلك المهنة، فهي «عمل ثابت، مضمون، وله مستقبل»، رغم اعترافها بعدم إحاطتها تماماً بمهماتها في حال قبولها. أمّا عن احتمال نومها في المطار أو أحد المعابر الحدودية، فهي لا تمانع، فبالنهاية هي تتقدّم لوظيفة عليها تقبل شروطها.
أمّا دانا فهي لا تعرف الفرق بين وظيفة المأمور والمفتش لكنّها تقدمت للثانية لأن الرتبة أعلى، فقد كانت تنوي أن تكمل دراستها في إدارة الأعمال مع وظيفة الأمن العام، لكنها لم تنجح في امتحان الرياضة على الرغم من تأكيدها قيامها بالمطلوب منها. وعن تعارض الوظيفة مع مستقبلها كربة منزل وأم، شرحت أن عدم الزواج لفترة ثلاث سنوات هو أحد شروط الوظيفة، ولكن، بمطلق الأحوال: «في أحلى من مهنة تتيح قلب الأدوار؟ أنا بصرف وهو يربّي.. ليش لأ؟!». إلى جانب عناصر الجذب الجندرية، هنالك أسباب أكثر عملية تدفع الفتيات للتقدم، فرنا تعتبر أن وظيفة الأمن العام فرصة ذهبية، لأنها الوحيدة المتوافرة لفتاة لم تنه جامعتها. تبدي رنا استعدادها للقيام بالمهمات ومن ضمنها النوم في مركز الخدمة، لأنها ستكون في أمان. وبالنسبة للمستقبل، ستستقيل من الوظيفة إذا وجدت نفسها ثابتة في موقعها ولا تتقدم في مهنتها، فهي ترفض التقدم لوظيفة في الدرك أو الجيش لاستنكارها عدم وجود دورات ضباط للفتيات أسوة بالشباب في هذين المجالين.
أما حديث نغم، التي مضت سنوات على عملها في الأمن العام، فيوحي بأن المتقدمات اليوم يدركن ما هن مقدمات عليه، إذ يؤكد على بلوغهن الأهداف التي يتقدمن اليوم لأجلها، فهي تقيّم تجربتها بإيجابية شديدة، فهذه مهنة « تزيل مخاوف الفتاة، تعطيها استقلالية، مركزاً، و«وهرة»، رغم عدم إنكارها وجود بعض السلبيات، مثل التعب الذي تستتبعه. بناءً على ذلك، تنصح نغم الفتيات بالتقدم لوظائف الأمن العام، الذي يساويهن بالرجل وإن عنى ذلك المزيد من التعب، ويتيح لهن إكمال الدراسة في الوقت ذاته، كما فعلت هي. أليس كل شيء بثمنه؟


وللشباب فيها مآرب أخرى

«إما السفر وإما الدولة»، يقول رائد شاكياً ندرة الوظائف «المحترمة» في لبنان، ومشيراً إلى أنه اختار الانخراط في السلك العسكري ليضمن مستقبله. فهو طالب Finance سبق أن تقدّم لوظائف في بنوك عدة، فكانت دائماً خيبة الأمل من نصيبه لأنّه ليس مدعوماً «بواسطة»، حتى أن أحد الموظفين سأله «مين باعتك؟» عندما كان لا يطلب سوى وظيفة متدرب من دون مرتب. «لا أريد أن ألتحق ببقية إخوتي في المهجر، فعلى أحدنا أن يبقى هنا بجانب الأهل» يستطرد قائلاً. ورغم أنه حتى هنا، يخشى هيثم من «الواسطة»، لأن هذه الامتحانات، باعتقاده، تجري وفق المبدأ نفسه (ستة وستة مكرر)، وتسمّي أجهزة خاصة لدى زعماء الطوائف من سينجح، إلا أنه يتقدم إليها لأنها تضمن استقراره.