تهجير أم تطبيع
مجرد التفكير أننا من الممكن أن نرحل من هذه الأرض يثير جنوني، إلى أين سنرحل؟ اعذروني على أني لم أبدأ بالسلام، لكن يا جماعة إن هذا الليبرمان يثير جنوني فعلاً، هم لم يتركوا لنا إلا هالكم قرية، والآن يريدون مصادرتها والأهم طردنا؟ حسناً، إلى أين سيطردنا؟ الضفة لن تتسع للمزيد. كما أن غزة لا مكان فيها لإنسان إضافي، والنقب، أنا لن أقبل بالذهاب إلى هناك، أريد أن أحافظ على بشرتي صافية، كما أن الليالي هناك في الصحراء باردة جداً جداً جداً (أذكر هذا منذ رحلة المبيت المدرسية)، هكذا لن يبقى لديه إلا أن يعيد النكبة، ويهجرنا إلى لبنان والأردن مجدداً. لا تقلقوا، لن يحدث هذا، لأن لبنان والأردن لن يستقبلانا (هكذا سمعت وأنا مطمئنة من هذه الناحية).
المشكلة التي تواجهنا هنا، عندما نتحدث عن التهجير أو الاندماج داخل المجتمع الإسرائيلي، هي أن لا مكان يمكننا الذهاب إليه، على سبيل المثال أنا لن أقبل أن أترك حارتي ولو أبدلوها حتى بالحارة المجاورة، هنا في حارتي حيث تربيت كانت شجرة خروب ضخمة، ثم اقتلعوها، لكن مكانها الآن تنمو شجرة أخرى، ستكون كبيرة بما يكفي لتحمل أطفالي، أو أحفادي ذات يوم، كما كنت أتسلق أنا على أمها من قبلها (رغم أني أعتبر نفسي فاشلة من ناحية عاطفية ولا أدري إن كنت سأنجح بإيجاد ذاك الشخص المناسب يوماً ما) المهم، لا مكان نرحل إليه، ولن نرحل، لماذا نرحل؟ وإلى أين؟ أما الاندماج، فهو أشد خطورة من التهجير، وهنا نحن نواجههم بكل ما أوتينا من قوة، نرفض الاندماج، يعني الأسرلة، يعني كل شيء لسنا عليه.
مثلاً، نحن غير ملزمين بالخدمة العسكرية، وأي جندي عربي بالجيش الإسرائيلي هو متطوع، والمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل المحتل يعتبره خائناً (إلا الشباب الدروز الذين فرضت عليهم الخدمة العسكرية)! والأساس أنهم لم يجبرونا بالخدمة العسكرية. أما السبب الأول فكما يقولون: إنه من غير الأخلاقي أن يقاتل العرب ضد العرب (بما أن حروب إسرائيل كلها كانت ضد عرب) أي أنه لا يجوز من ناحية إنسانية، ويا عيني عالإنسانية.
السبب الثاني الذي نعرفه جيداً هو ببساطة أنهم رغم كل ما يدعونه من اعتبارنا مواطنين، يعرفون أننا لا نتبع بأي شكل من الأشكال لهذه الدولة أو هذا الكيان، إنما سبب بقائنا إخلاصنا لأرضنا وشعبنا، أي ببساطة إنهم لا يثقون بنا ليسمحوا لنا بحمل السلاح (ولا أحد يطلب منهم هذا)! وما بين التهجير والأسرلة، يدركون أن تطبيعنا مستحيل، وأسرلتنا أمر لا يمكن حدوثه، لهذا فكرة تهجيرنا مجدداً ستطل دائماً في أذهانهم، لأنها أسهل وأضمن!
الجليل ـــ أنهار حجازي

■ ■ ■

واحد وستون

ذكّرتني يا أنهار، أن السنة هي الذكرى 61 للنكبة. الأمر يستدعي يافطات جديدة، شعارات جديدة، وجوهاً بعقدة حواجب جديدة تظهر إصراراً أكبر من السنوات الماضية، وجوهاً قبل كل شيء، جديدة في الصفوف الأمامية تعرف كيف تفهم الغاصب أن كل فلسطيني على أرض الشتات لا بد أن يعود إلى فلسطين من دون قيدٍ أو شرط.
الذكرى 61 للنكبة، وكأن كل يوم يمر على الفلسطيني ليس نكبة بحد ذاتها: من طوفان المجارير في مخيم شاتيلا، إلى مقتل مدنيين في عين الحلوة، إلى ارتفاع نسبة البطالة والتسرب المدرسي في تجمعات القاسمية والشبريحا وجل البحر. كيف أوقظ أمّتي من الكوما الدماغية المزمنة وأقنعها بأن أحلام إسرائيل أبعد من حدود الجليل؟ كيف أوقظ أمتي من الكوما بصفعات متتالية، وهي في كل صفعة تدير لي «البروفيل» الأميريكي ــــ الصهيوني. نعم، عين كانت تبكي على غزة وعين تغمز غمزتها العنصرية. كيف أقنع الناس بأن مشهد دماء أطفال غزة ليس مجرد فيلم تراجيديا يُعرض مثل كل الأفلام التجارية على الشاشة الفضية، فهو مختلف عن أفلام هوليوود الأميركية برشاشاتها المصطنعة، ورصاصاتها المصطنعة، وضحيتها المصطنعة، وقاتلها المصطنع.
السنة هي الذكرى 61 للنكبة، هي ليست بذكرى جلاء ولا تحرير ولا عيد استقلال. هي ليست بيوم عالمي لحقوق الإنسان ولا بعيد وطني. هي ليست يوماً للاحتفال ولا لإطلاق المزيد من الشعارات. هي ليست مناسبة لإصدار المزيد من الأغاني الثورية و أو إطلاق العنان لمزيد الهتافات. هي باختصار، نكبة، ومصيبة هذه الذكرى أنها تتزامن مع نكبة أخرى، انشقاق الفلسطينيين. كيف نخرج من النكبتين؟ والله نكبة.
صديقتك إيمان بشير