تضاف خلافات القادة الفلسطينيين إلى أسباب هموم اللاجئين في مخيماتهم. فهؤلاء يتخوفون من التداعيات الأمنية لتلك الخلافات عليهم، وإن اعتادوها. فماذا سيقول سفير دولة فلسطين في لبنان عباس زكي عندما لا يتحدث في السياسة. وهل هناك أيّة طريقة لتناول المجتمع الفلسطيني من دون التحدّث في السياسة؟
قاسم س. قاسم
سفارة فلسطين في الجناح. سفارة يعتبرها بعض اللاجئين في الشتات «ممثلهم الشرعي والوحيد»، بينما لا يعتبر البعض الآخر أنها تمثلهم، بتاتاً. تدخل إلى المبنى بشعور ملتبس، سفارة فلسطين، يعتمل في قلبك شعور مثل ذلك الذي يتحدث عنه المواطنون في أي بلاد عادية، شعور بأنك في سفارتك. ندخل مكتبه، خلف الطاولة صورة للقدس تتوسط صورتين للشهيد ياسر عرفات ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. بعد تصفية القلوب وعتاب «جريدتكم الغراء» متمنياً عليها أن تبذل «جهداً إضافياً من أجل تطوير هذه العلاقة (مع السفارة الفلسطينية) لأنو لو حلت كل قضايا العالم فستبقى القضية الفلسطينية دون حل(!!) وستكونون شركاء يوماً»، معتبراً أن كلامه ليس موجهاً «من موقع النقد بل من موقع المشاركة في الميدان». نسأل زكي عن مخيم نهر البارد وعن سبب تشدد الجيش اللبناني على الحواجز، فهل سيبقى طويلاً بعد نهاية الحرب؟ نسأل أيضا إذا كان هناك من تنسيق بين السفارة وقيادة الجيش من أجل تسهيل دخول اللاجئين إلى المخيم؟ فيؤكد زكي «كنت مع قائد الجيش وبحثت معه هذا الوضع، وخاصة أن ورشة إعادة الإعمار قد انطلقت في 29/6 الماضي، ما يضطر إلى إيجاد تسهيلات على الأقل بالنسبة لورشات العمل أو المقاولين أو حتى السكان الفلسطينيين» معتبراً أن «هذه التشديدات تتعارض مع عودة المخيم إلى حياة عادية مع محيطه، ومع شعور أبناء المخيم بوجوب عودتهم إلى ما كان من احتضانه من جيرانه اللبنانيين. فكيف سيكون هناك وضع طبيعي، إذا لم تزل كل العوائق لإعادة الحياة إلى المخيم». يضيف «قابلت عباس إبراهيم (مساعد مدير استخبارات الجيش اللبناني) لاستكمال الإجراءات وتنفيذ التوجيهات، سواء المعطاة من قائد الجيش أو من رئيس هيئة الأركان أو من جهاز الاستخبارات» معتبراً أن «الكل الآن مقتنع بضرورة تخفيف الإجراءات وتقليل معاناة أهل المخيم وإطلاق يدهم في ترميم بيوتهم وإحداث كل التجهيزات المطلوبة لحياة كريمة». أما بالنسبة للمشاكل التي واجهتها السفارة بخصوص ملف نهر البارد فيقول زكي إنه «كانت هناك مشكلة الاستملاك، المخطط التوجيهي، مشكلة التعويضات، والآثار (التي اكتشفت أخيراً تحت الركام)». معتبراً أن «كل هذه المشاكل حلّت، مشكلة المال حلت أولاً وحصلت الموافقة على المخطط التوجيهي من الحكومة والجيش والدولة بمكوناتها الثلاثة»، كما أن مشكلة «التعويضات حلّت من خلال السعودية، الإمارات، الكويت، وقطر». أما عن مشكلة الآثار فيقول إنّ الموضوع «انتهى بالشكل الفني والقانوني الذي يجري التعامل فيه مع موضوع الآثار في أي عاصمة أو في أي بلد من البلدان، ونحن بالتالي الحمد لله تجاوزنا هذه المواضيع بكاملها وكانوا قد حددوا يوم 29 حزيران لانطلاق الورشة، فالمقاولون نزلوا على الأرض، هذا كان بمثابة إعلان لإعادة بناء الجزء الأول، واليوم خرج الجيش اللبناني من كل مكان، لأن الجيش كان في كل البرايمات (القطاعات) وقد خرج منها». يضيف أن «مشكلة المال تأتي في المرحلة الثانية» لإعادة الإعمار، لأن «المتوافر هو لبناء 3 أقسام».
إذاً، حسب زكي، فإن السفارة الفلسطينية تخطت كل المشاكل اللوجستية التي واجهتها. أما عن الاعتراضات التي ساقها بعض أبناء نهر البارد ضد تعيين مروان عبد العال، الذي كان قد استلم ملف نهر البارد بعد استشهاد كمال مدحت، معتبرين أن «ملف مخيم نهر البارد أكبر من حجمه» (يقصدون عبدالعال) فيقول زكي «أنا أستغرب أن يقال إن مهمة المخيم كبيرة عليه، لأن مروان أكبر من أن يكون في الساحة اللبنانية، فهو عضو مكتب سياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وصلاحياته تتجاوز لبنان، والذي يقول إن مروان أصغر من البارد لا يفهم بالسياسة ولا علاقة له بالسياسة». أضاف أن عبد العال «ابن المخيم وعاش نكبة المخيم». مؤكداً أنه جرى «تعيينه من الداخل الفلسطيني، باتفاق وتشاور (مع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير)، وأعلنت أنا ذلك، بعدما عرفت أنه مطلب شعبي ورسمي». وأضاف «كما أنه يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب. نحترم من يتكلم باسم المخيمات حتى ولو لم يكن يعيش فيها، ولكن ابن المخيم أدرى بوضعه»، مضيفاً «بعدين دير بالك بلاش نتهم الزلمة فالزلمة مش طالبها إحنا طلبناها»، لأنه كان «الأكثر انسجاماً مع المرحوم كمال والأفضل أداءً». أما بالنسبة لحواجز الجيش في مخيم عين الحلوة فيقول «لا تزال هناك تهديدات بوجود غرباء فيه، لأن هناك مطلوبين. وفي هذا الموضوع البحث جار، إذ كنت مع الأخ نبيه بري وبحثنا بعد التئام البرلمان اتخاذ جملة من التشريعات والتسهيلات وحل المعضلات الخاصة بالفلسطينيين. وهناك ورشة عمل على صعيد القضاء وعلى صعيد الحكومة، سواء كان لبحث قضايا المحكومين غيابياً أو المطلوبين، وكيفية حل هذه العقد الخطرة والصعبة عقدة عقدة»، مضيفاً «ونحن الآن باتفاق مع كل القوى التي نتحدث معها، ونتعاون ألا يبقى المخيم مشكلة نتيجة وجود عدد من المطلوبين. فعلى الكل أن يصبح تحت سيادة القانون اللبناني ودون نزاع على الشرعية ودون تحدّ للقوانين المرعية».
أما في ما يتعلق بموضوع امتلاء مدافن المخيمات فيقول زكي «منحنا الأخ الكبير وليد جنبلاط مقبرة في منطقة سبلين، ونحن والوكالة الآن بصدد البدء بتهيئتها لتصبح مقبرة نموذجية». ويتابع «نبحث باستمرار عن مدافن (..) لما أتت الجثامين (عملية الرضوان)، طلبنا من البلدية (بيروت) ومن الدولة مساحة لدفن الجثامين، فأعطونا (رصيف جبانة شاتيلا) لكننا فعلاً بحاجة إلى مقابر: نشتري ما نشتريش نحن بحاجة لمقابر».
ثم تحدث زكي عن «القضايا الثلاث الرئيسية يلي أنا بصددها وهي الحقوق المدنية ليكون الفلسطيني في لبنان زي فلسطيني في أي مكان، وثانياً أن أرى مشهد بناء مخيم نهر البارد، وخصوصاً أنني وعدتهم. أن تقول للناس: صحيح أنكم خسرتم، صحيح انتكبتم، ولكن العبرة بالخواتيم. فهذا المخيم الوحيد (...) الذي دمر ويعاد إعماره، وهذا لم يكن نتيجة التهديدات والتخويف من هذا الفريق أو ذاك، بل كان نتيجة وفاق وصدق المنطق والقول والعمل. فنحن شركاء في الهم، والعصابة التي دخلت المخيم لم تكن تستهدف أرواح الضباط اللبنانيين، بل أرواح نسائنا وأطفالنا وثروتهم وحياتهم وسلمهم. لأن المخيم كان أكثر المخيمات تعايشاً مع اللبنانيين، كان المخيم يعتبر مركز تجارة في الشمال، وتزاوج بين اللبناني والفلسطيني، كانت له صورته، وإن شاء الله تعود هذه الصورة». يسكت قليلاً ثم يضيف «أما الثالثة فهي العلاقات المتكاملة بين الشرعيتين (اللبنانية والفلسطينية) المتجسدة بسفارة دولة فلسطين وما يمكن إنجازه من مهمات: وأولاها رفع الغطاء وكشف الجريمة التي تمت باغتيال مساعدي د. كمال مدحت ورفاقه الشهداء، وذلك بالتعاون بين الأمنين اللبناني والفلسطيني»، ناهياً كلامه بالقول «باعتقادي إذا لم تكتشف هذه الجريمة فسنبقى بمربعات الدم والثأر».


يختلف اللبنانيون على لون السماء، أما الفلسطينيون فهم مختلفون «على لون الشمس». بالنسبة لهذه الخلافات، يقول سفير دولة فلسطين عباس زكي «من حيث الخطر إحنا موحدين (..) وقد رفعنا شعار دعنا نختلف سياسياً ولكن يجب أن نتوحد إزاء احتياجات مخيماتنا، وتحقيق الحقوق المدنية وألا يكون الفلسطيني عبئاً على الوضع اللبناني، ولا بد من إيجاد حياة طبيعية للفلسطينيين في لبنان واتفقنا على ذلك جميعاً»