تقع جورة التراشحة بين تلتين مرتفعتين في مخيم برج البراجنة. في فصل الشتاء تتجمع المياه المنهمرة في الجورة لتسرع «طوفان المجارير» المختنقة اصلا، ما يدفع السكان للقلق منذ الآن
قاسم س. قاسم
ضيق القساطل. تزايد السكان. الطبقة التي ينتمي إليها اللاجئون. الاحساس بالمؤقت. اليأس نتيجة تحول المؤقت إلى دائم. الضغط عبر تقنين تمويل المشاريع. هل يكفي تعداد كل ما تقدم لوصف إحساس سكان جورة التراشحة باسباب اهمال بنية مخيمهم التحتية؟ يزيد الطين بلّة مطر الشتاء، وهو مطر يبدا الأهالي بالقلق منه منذ الآن. فهو ما يجعل مياههم، إضافة إلى ما تقدّم المبتذلة، تفيض. تتكرر المشكلة كل عام في مخيم برج البراجنة، لكن أكثر من يعاني من المشكلة سكان حي "جورة التراشحة". والأهالي قاموا بما عليهم: اعتصموا، شطفوا، وضعوا حجارة ليمشوا داخل بيوتهم، صرخوا، عادوا الى مرجعياتهم. طالبوا الأونروا بتولي مسؤولياتها. تحركت الاونروا، ووعدت بتأهيل البنى التحتية لكل... مخيّمات لبنان.
تملأ رائحة المجاري فضاء منطقة جورة التراشحة. على زواية الأزقّة تتجمع رواسب المياه المبتذلة السوداء. تشرح إخلاص أبوعرب معاناتها مع المياه التي تتسرب إلى منزلها من الخارج. مشكلتها لم تعد محصورة بالمياه المتسربة، بل حتى حمام منزلها تواطأ عليها. فهو كما تقول "بينبّع" بدلاً من ان يبلع، فتطوف مياهه في المنزل. تشير السيدة إلى عتبة باب المنزل. فهي قد وضعت حجرين "بطح"(الخفان) بمحاولة يائسة منها لمنع دخول المياه إلى بيتها. تدخلك إلى صحن المنزل، تريك باب الحمام الذي تضع على عتبته حجرين آخرين. تشرح ابو عرب ان "الحمام بطوف دايماً، كما ان المياه لا تأتي من الخارج، بل تنبع من داخل بيتي". تتذكر السيدة الخمسينية الشتاء الماضي، وكيف "طافت الدنيا بليل" في منزلها، ما اضطرها للجوء الى الطوابق العليا في بيت الجيران. هكذا، ومثلها كثر، يعاني سكان الطوابق الارضية في المنطقة من اقتحام المياه المبتذلة بيوتهم، وبالطبع من دون استئذان. من بينهم، والأكثر تضررا ربما، أصحاب المحلات التجارية والمختبرات الطبية. يقف د. عبد العزيز العلي على باب عيادته ليتذكر مرور فصل الشتاء عليه. "المياه كانت تنبع من الارض، وتدخل الى العيادة برغم وجود درجتين على الباب" يقول. يعود العلي ليتحدث بصفته كطبيب أن "المياه تسببت بالعديد من الامراض الجلدية". أما المشكلة فليست بالطوفانات فقط، بل ما يأتي بعدها من "روائح كريهة تبقى لايام" كما يصف الطبيب.
من جهتها، ومع كل فصل شتاء تعمل اللجان الشعبية الموجودة في المخيم على مساعدة السكان بقدراتها البسيطة وذلك عبر "شفط المياه من البيوت، عبر مولد صغير"، كما يقول أبو وليد العينين أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة – تحالف القوى. بالنسبة للرجل تقع المسؤولية الرئيسية على الاونروا، فهي كانت قد "وعدتنا بمفاجأت بعد الانتخابات، إنتهت الانتخابات ولازلنا ننتظر". يتحدث الرجل عن بدء عملية إعادة تأهيل البنى التحتية في مخيم شاتيلا بينما "نحن ننتظر دورنا".
بالنسبة إلى المسؤوليات التي حملتها اللجان الشعبية في المخيم للاونروا نتيحة التأجيل المتكرر لبدء المشروع، تجيب المسؤولة الإعلامية في الاونروا هدى الترك عبر رسالة إلكترونية. وعن سبب التأخير المستمر، إن كان تقنيا ام ماليا، تجيب الترك بان "مشروع البنى التحتية في مخيم برج البراجنة بدأ بالفعل" ولكن "عندما تعلن الاونروا عن موعد بدء تنفيذ مشروع فهي لا تعطي موعد البدء بالحفريات او بالعمل على الارض بل عن موعد البدء بالاستعدادت له. فالمناقصة واختيار المقاول، تدخل ضمن مهلة المشروع وهذه امور لا يمكن القيام بها الا بعد الحصول على التمويل". أما عن موعد بدء المشروع تجيب بأن "اعمال الحفر ستبدأ قبل فصل الشتاء ومن اهداف المشروع التخلّص من الفيضان الذي يعاني منه المخيم في كل فصل شتاء لذلك نقطة البدء ستكون من المنطقة الاكثر فيضاناً والتي تعرف بجورة ترشيحا". وبما ان الاونروا بدأت بمشروع تجديد البنى التحتية في مخيم شاتيلا منذ قرابة شهر فما هي المواعيد المحددة لبقية المخيمات؟ تجيب
"أطلقت الاونروا في العام 2006 مبادرة تحسين ظروف المخيمات بالتعاون مع الحكومة اللبنانية وهي تتضمن مشاريع عديدة من شأنها تحسين ظروف العيش في المخيمات ومنها البنى التحتية. كلما حصلت الاونروا على تمويل لأحد هذه المشاريع تعلن عن ذلك وتبدأ بالعمل. حالياً هناك مشاريع قائمة للبنى التحتية في شاتيلا وبرج البراجنة وضبيه وقريباً في مار الياس. التمويل متوفّر لكل هذه المشاريع" مضيفةً أن "تنفيذ المشروع لا يبدأ مع بدء الحفريات بل مع بدء التحضيرات له من مناقصات واختيار المقاول". وفي الحديث عن تكرر اشارات عدة بما يتعلق بتقليص موازنة الأونروا، و تأثير ذلك على تأخير تلك المشاريع، أجابت الترك "لا تتأثر المشاريع في الاونروا بالنقص في الموازنة ومن الضروري التوضيح أن تمويل الاونروا يستند الى مساهمات طوعية من قبل جهات مانحة. لذلك على الاونروا ان تعمل باستمرار لجمع التمويل. والتمويل في الاونروا ينقسم الى 3 صناديق: الموازنة العامة وهو التمويل الذي تستعمله الاونروا لتقديم الخدمات الاعتيادية (الصحة، التربية، الاغاثة) وكلفة التشغيل (الموظفين). المشاريع: وهو التمويل الذي تحصل عليه الاونروا لاقامة مشاريع محددة كالبنى التحتية واعادة اعمار المساكن، وبناء المراكز الصحية، وغيرها من المشاريع التنموية ونداءات الطوارئ: وهو التمويل الذي تحصل عليه الاونروا لتغطية نداءات الاستغاثة التي تطلقها في حالات الطوارئ مثل نهر البارد وغزة". مشيرةً الى أن "هذه الصناديق غير متداخلة فلا يمكن استعمال اي تمويل من صندوق الى آخر. لذلك عندما توافق جهة مانحة على تمويل مشروع بعد الاطلاع عليه، يخصص هذا التمويل للمشروع ولا يتم استعمال التمويل لأي غرض آخر".
الاونروا بحاجة لمن يموّل مشاريعها برغم من تأكيدها أن تلك المشاريع لا تتأثر بنقص الموازنة. أما المساهمات الطوعية للوكالة من قبل الدول المانحة فقد إنخفضت بسبب الازمة الاقتصادية العالمية. هكذا يبقى اللاجئون في "جورة التراشحة" والمخيم على حد سواء، بانتظار أن إنجاز تأهيل البنى التحتية الموعود. هنا، في مخيم البرج، لا يعرف كل اللاجئين ما تعانيه الاونروا من العمل المستمر لجمع التمويل لمشاريعها. بالنسبة لهم الاونروا وعدتهم بإعادة ترميم البنى التحتية، ويحق لهم في كل الأحوال، خصوصا ان المشاريع لا تتأثر بنقص التمويل، بان لا يبقوا "على الوعد يا كمون".


كان حمام المخيم مشتركاً. فكان الفلسطينيون يقفون في الصف لاستعماله. قبل عام 1980، كان اللاجئون يستعملون لتصريفهم الصحي أقنية مياه مفتوحة، لكن المياه الاسنة كانت تتجمع فيها. حينها كان يعمدون الى تنظيفها نتيجة الروائح. قبل عام 1990 عمل الفلسطينيون على تغطية هذه الاقنية، بسبب كثرة حوادت الوقوع في المياه المبتذلة