فيما كان الرئيس السوري، الخميس الماضي، مشغولاً باستقبال ضيفيه، الرئيس الإيراني والأمين العام لحزب الله، رنّ هاتف مستشارته الدكتورة بثينة شعبان... الاتصال من بيروت، وتحديداً من أحد مستشاري رئيس الحكومة... وقد شهد الاتصال بعض المفاجآت
منار صباغ
نقل مستشار رئيس الحكومة سعد الحريري، في اتصال هاتفي أجراه الخميس الماضي، إلى المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس السوري، الدكتورة بثينة شعبان، طلب الحريري التحدث إلى الرئيس بشار الأسد، تماماً كما اعتاد أن يفعل بصورة دورية خلال الفترة الماضية، تعزيزاً للتواصل بين الجانبين، وتعميقاً لعلاقة مستجدة... لكنّ مستشارة الرئيس السوري اعتذرت لعدم القدرة على تلبية الطلب حالياً، بسبب انشغال الرئيس الأسد بضيوفه، مؤكّدة أنه سيعاود الاتصال به عندما يتمكن من ذلك... أسباب لوجستية بدا أنها لم تقنع مستشار الحريري، الذي لم يُخفِ انزعاجه، وهو الذي كان يتوقّع رد فعل مختلفاً، على اعتبار أن اتصاله جرى بعد ساعات قليلة من إطلاق الحريري موقفاً من بيروت، عدّه الرجل كافياً لتوضيح ما قيل في المقابلة مع صحيفة (كورييرا دي لا سييرا) الإيطالية، إبّان زيارته للفاتيكان، أي عندما شبّه الحريري العلاقة بين لبنان وسوريا بالعلاقة بين الكويت والعراق.
هكذا، بعد أكثر من يومين على الانتقادات السورية الإعلامية لموقفه، اعتقد الحريري أن قوله في دردشة مع الإعلاميين، إن عملية بناء الثقة مع سوريا مستمرة على قدم وساق، ولن يعطّلها شيء، لا كلمة من هنا ولا كلمة من هناك، وإنه قرر السير في إعادة بناء العلاقة بين لبنان وسوريا لأنها في مصلحة البلدين، اعتقد أن هذا الكلام سيكون كافياً لتطييب خاطر السوريين... لكنه كان مخطئاً هذه المرة، والأسباب كثيرة...
بدايةً، نبدأ من الرواية الرسمية السورية: منذ ما قبل زيارة الحريري إلى دمشق، وفيما كانت التواصل غير مباشر لتنسيقها، أدارت دمشق الأذن الطرشاء كما يقال، لكل ما يصدر عن فريق الحريري، أو حتى حلفائه ضدها، على اعتبار أن الحريري أمام مرحلة انتقالية ليست سهلة عليه، بالنظر إلى إرث السنوات الأربع الماضية، حتى عندما جرت الزيارة وخلال المرحلة التي أعقبتها يقول المصدر السوري الرسمي، استمرّ الرئيس الأسد وفريقه على سياسة الأذن الطرشاء، مع أنّ بعضاً من نواب تيار المستقبل لم يغيّر شيئاً من قاموسه اللفظي العدائي تجاه دمشق، فضلاً عمّا صدر خلال احتفال ذكرى الرابع عشر من شباط، من هتافات ضد دمشق، تزامنت مع كلمة المعني الأول بالمناسبة، أي سعد الحريري.
لكنّ سياسة السكوت أو الاحتواء، بحسب المصدر السوري، لم تعد تنفع مع صدور ما عدّه السوريون إهانة في حقهم، من جانب الحريري مباشرةً، هنا سقط كل تبرير لسياسة الأذن الطرشاء، فإن كان الحريري غير قادر على ضبط فريقه، فهل هو أيضاً غير قادر على ضبط مواقفه الشخصية...
وبالفعل، تؤكّد المصادر السورية، أن الحريري مسّ المحرمات عندما شبّه سوريا بعراق صدام حسين، متناسياً أكثر من 25 سنة من العلاقات المتوتّرة بين الجانبين، وأن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي وقف إلى جانب إيران خلال حرب الخليج الأولى.
هذا، فضلاً عن أن الموقف الإيطالي للحريري، تضمّن مغالطات غير مقبولة بتاتاً من جانب الجانب السوري، فبحسب دوائر القرار في دمشق، الوقائع التاريخية تؤكّد اعتراف الرئيس حافظ الأسد بلبنان منذ السبعينات، وأن أول من طرح موضوع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان هو الرئيس بشار الأسد خلال اجتماع المجلس الأعلى السوري اللبناني عام 2005.
انطلاقاً مما تقدّم، كان الانزعاج السوري على هذا المستوى، وكان التوضيح الحريري غير كافٍ في رأيهم، لأن دمشق باتت تنتظر أفعالاً لا أقوالاً تثبت حسن النيّات.
من جهة ثانية، تلفت رواية رئيس الحكومة، بحسب مصادر مختلفة تماماً، إلى أن ما نقلته الصحيفة الإيطالية عن الحريري كان مجتزأً، وهذا ما أوضحته الصحيفة الإيطالية في بيان صادر عنها. فالحريري لم يذكر قطّ كلمة صدام حسين، ولم يشبّه أيضاً النظام السوري بالنظام البعثي العراقي، وبحسب مصادر الحريري، العلاقة بين الجانبين يجب أن تُبنى على الثقة المتبادلة، وخاصةً أنّ الرئيس الحريري صادق في نيّاته، وعازم على تعزيز العلاقات، كما جاء في موقفه التوضيحي، وبحسب مصادر الحريري، ما حدث لا يعدو كونه سحابة صيف ومرت، ولا يجوز التوقف عند كل كلمة وفاصلة بوجود الثقة. وعندما تسأل عن سبب استمرار هجوم بعض نواب تيار المستقبل على سوريا، يردّ المصدر بشدّة، مؤكّداً عدم صحة هذا الكلام، وأن السقف السياسي لتيار المستقبل واضح ولا التباسات فيه.
في أي حال، سوء الفهم العلني الأول بين الحريري ودمشق منذ لقاء مصالحة كانون الأول الماضي، سينتهي إلى تسريع وتيرة الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجانبين، فبحسب المصادر، يُتوقع أن يقوم رئيس الحكومة بزيارة عمل إلى دمشق، خلال شهر آذار، يرافقه فيها وفد وزاري موسّع، وسيتخلّل الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات، وأن هذه الزيارة قد تسبقها زيارة لرئيس الحكومة السورية محمد ناجي العطري إلى بيروت.

الأسد لم يردّ على اتصال الحريري يوم الخميس

الحريري عد ّ توضيحه كافياً لكنّ «الزعل» السوري كان جدياً هذه المرة
من جهة أخرى، أجرى الرئيس سعد الحريري، أمس، محادثات مع رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، تناولت آخر المستجدّات الإقليميّة والدوليّة، والتطورات على الساحة العربية، والعلاقات بين البلدين. وكان الرئيس الحريري قد وصل إلى الدوحة مساء أمس، في زيارة رسمية تستمر يومين.
وعقد الحريري ونظيره القطري خلوة استمرت أكثر من ساعة كاملة، ثم عقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، أعلن فيه بن جبر أن الطرفين اتفقا على أمور عدّة «أهمها تطوير القضايا الاستثمارية والاقتصادية مع لبنان الشقيق، لذلك في آخر نيسان أو أول أيار سيُعقد اجتماع في لبنان للجنة المشتركة بين البلدين، وسنترأس استثنائيّاً أنا والرئيس الحريري اجتماع هذه الدورة لكي نعطيها نوعاً من الزخم للبدء بملفات اقتصادية عدة في لبنان».
ورأى الحريري أن اللقاء كان ممتازاً، مشيراً إلى أن قطر قدّمت الكثير إلى لبنان «كما المساعدات كذلك في السياسة، وفي المجالات الاقتصادية والتجارية كلها، وهذا كلّه لمصلحة لبنان».
ولفت إلى أن النقاش طاول القضايا التي تهمّ المنطقة «والتهديدات الإسرائيلية للبنان، ونقلت إلى سمو الشيخ تخوفنا من التهديدات التي نراها جديّة، ونحن حريصون على القيام بالاتصالات اللازمة لتجنيب لبنان أيّ مخاطر من هذه التهديدات الإسرائيلية».