سدّدت الدبلوماسية الليبية يوم أمس صفعة على وجه لبنان، فيما لا تزال قضية مشاركة لبنان من عدمها في القمة العربية المزمع عقدها في ليبيا، موضع نقاش داخلي لم يحسم رسمياً بعد، فهل يدير الخد الأيسر أم يرد؟
منار صباغ
حتى الساعات الأولى من صبيحة يوم أمس الاثنين، كانت الأخبار الواردة من كواليس دوائر القرار تؤكد، وإن بصورة غير معلنة، مشاركة لبنان في القمة العربية في ليبيا نهاية الأسبوع المقبل. حتى إن النقاش في مستوى هذه المشاركة كان قد وصل إلى مرحلة الحسم، وإن غير الرسمي.
ومع إعلان رئيس الجمهورية في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أنه لن يشارك شخصياً بالقمة، وهو موقف رئيس الحكومة، الذي أبلغه الحريري شخصياً للرئيس نبيه بري خلال عشائهما الشهير في بيت الوسط، وبما أن مشاركة وزير الخارجية الشيعي علي الشامي مستحيلة... كان النقاش يتأرجح بين خيارين:
ـــــ الخيار الأول: المشاركة على مستوى وزير مسيحي، والحديث هنا عن وزير الخارجية بالوكالة وزير الإعلام طارق متري، لكن هذا الخيار سرعان ما سقط بفعل موقف الرئيس بري الرافض لهذه المشاركة الوزارية لأنها توازي مشاركة الحكومة، وهنا أبلغ الوزير متري المعنيين عدم رغبته في المشاركة كي لا يوضع مجدداً في زاوية المواجهة مع الطائفة الشيعية في لبنان.
ـــــ الخيار الثاني: المشاركة، لكن على مستوى سفير، حيث طرح اسم سفير لبنان لدى الجامعة العربية خالد زيادة، لكن تهديد الرئيس برّي بالانعكاسات السياسية السلبية لهذه المشاركة على الواقع السياسي القائم في لبنان، أوصل النقاش غير المعلن إلى طرح مشاركة لبنان وفق الحد الدبلوماسي الأدنى، أي من خلال القائم بأعمال سفارة لبنان في ليبيا نزيه عاشور.
إلى هنا، كانت قصة قمة ليبيا والمشاركة اللبنانية بانتظار كتابة فقرة النهاية فيها، وهي فقرة كانت متعذرة كتابتها من دون وصول الدعوة الرسمية الليبية إلى لبنان. ومعلوم أن هذه الدعوة بروتوكولية، وغالباً ما تبدأ الدولة المضيفة بتوزيعها عبر موفدين يمثلون رئيس الدولة في مطلع آذار من كل عام، لكن هذه الدعوة لم تصل إلى لبنان حتى مع انتصاف الشهر. لكن حصل أمس ما لم يكن في الحسان، ولا سيما أن لبنان كان ينتظر وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت غداً الأربعاء بدعوة من جامعة «الروح القدس» اللبنانية لمناسبة مرور 65 عاماً على إنشائها، حيث يخصص كل عام يوماً للمنظمات الدولية، وخصصت هذا العام لجامعة الدول العربية، وسيلقي موسى محاضرة بهذا الشأن. ويفترض أن يلتقي موسى خلال الزيارة الرؤساء الثلاثة لبحث تطوّرات الأوضاع الإقليمية والدولية وملف القمة العربية وموقف لبنان.

مفاجأة دمشق

وبحسب ما كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار»، تلقى سفير لبنان في سوريا ميشال خوري اتصالاً صباحياً من نظيره الليبي في دمشق، طلب خلاله مقابلة السفير خوري للضرورة. اعتذر الأخير، فكان اتصال ثانٍ وثالث ورابع وخامس به، استجاب بعده السفير خوري وتوجّه إلى السفارة الليبية، ليفاجأ بوجود وزير الخارجية الليبي في مكتب السفير، وهو الذي يزور دمشق بداعي تسليم الدعوة إلى القمة للرئيس الأسد. مفاجأة خوري لم تنته عند هذا الحد، فقد بادر وزير الخارجية إلى تسليمه دعوة القمة، فما كان من السفير اللبناني إلا أن أبدى اعتراضاً على ما وصفه بخرق قواعد الأصول والأعراف الدبلوماسية بصورة فاضحة... لكن وزير الخارجية أصرّ على تسليمه الدعوة، فكان أن استمهله السفير خوري لحين مراجعة وزارة الخارجية اللبنانية في بيروت، حيث كان القرار بردّ الدعوة شكلاً لعدم مراعاتها للأصول.
مصادر رئيس الجمهورية أكدت لـ«الأخبار» وجود استياء كبير من التصرف الدبلوماسي غير اللائق بحق لبنان، وبحسب ما تؤكد فإن مسألة المشاركة من عدمها أصبحت على المحك بعد هذا التصرف.
من جهتها ذكّرت مصادر عين التينة بالموقف الحاسم للرئيس بري من مغبة مشاركة لبنان في القمة العربية في ليبيا، وتساءلت هذه المصادر عمّا إذا كان لبنان بحاجة إلى هذه الإهانة الدبلوماسية لكي يتخذ قراراً لا يحتاج إلى كل هذا التفكير، فالاعتراض ليس على القمة العربية وعلى المشاركة في أعمالها، بل على مكان عقدها، أي ليبيا، الدولة المسؤولة عن تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، والدولة التي أصدر القضاء اللبناني قرارات بحق زعيمها معمر القذافي.
وفي وقت لاحق أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً جاء فيه: «ردت السفارة اللبنانية في دمشق كتاب الدعوة الليبية الذي تلقته من مكتب العلاقات للجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى في دمشق، لأنها غير مخولة من الناحية الإدارية تسلم هذه الدعوة».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر لبناني بارز أن «لبنان لن يشارك على مستوى رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا وزير الخارجية، بل سيكون التمثيل على مستوى سفير وما دون بسبب عدم توضيح ليبيا مصير الإمام موسى الصدر».
ومن القاهرة أفاد مراسل «الأخبار» بأن السلطات الليبية التزمت الصمت حيال تأكيد مصادر سياسية لبنانية أن لبنان لن يكون ممثلاً في القمة العربية المقرر عقدها في وقت لاحق هذا الشهر في مدينة سرت الليبية على مستوى رفيع بسبب دور ليبيا المزعوم في قضية اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر.
ورفض الناطق باسم الحكومة الليبية التعليق على هذه المعلومات، بينما قال مسؤول في الجامعة العربية لـ«الأخبار» إنها تطور مؤسف في العلاقات الليبية ـــــ اللبنانية ونذير شؤم على القمة العربية المقبلة.

أمل: سنرد سلبياً

من جهته، هدد عضو هيئة الرئاسة في حركة «أمل» خليل حمدان بأن «أي تحريك أو ضغط على لبنان لحضور القمة العربية المزمع عقدها في ليبيا، سواء من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أو غيره، هو استهداف للأمن والاستقرار السياسي الذي ينعم به لبنان».
وقال في تصريح له أمس «إن الحركة استخدمت لغة العقل الواضحة من أجل عملية النهوض والاستقرار السياسي في لبنان، وإن من يتجاوز قضية الإمام موسى الصدر لا يهمه المواطن اللبناني ولا الوطن، وإن أي حضور للبنان ولو على مستوى وزير يُعَدّ إخلالاً بالاستقرار السياسي، وإن الحركة ستتجاوز المناشدة ولغة الكلام المتعقل إلى ما يمكن أن يعبّر عن الدفاع عن كرامتنا». وكانت حركة «أمل» قد وزعت بياناً سياسياً طالبت فيه بانعقاد القمة العربية خارج ليبيا.
من جهته، أعلن عضو كتلة «المستقبل» النائب نبيل دو فريج رفض «مقاطعة لبنان لمؤتمر القمة، لأن مصلحة لبنان القومية تتطلب منه أن يكون حاضراً فيها».


آشتون ورسالة الاتحاد الأوروبي

عشية وصولها إلى بيروت، اليوم، في مستهل جولة في الشرق الأوسط، حددت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، البارونة كاترين آشتون، خريطة زيارتها الأولى للمنطقة، بعد فترة قصيرة على تسلّم مهمات منصبها الجديد في لبنان، سوريا، مصر، الأردن، إسرائيل والأراضي الفلسطينية، على أن تشارك بعد ذلك في اجتماع اللجنة الرباعية في موسكو. أما الهدف من الزيارة، فهو حمل «رسالة واضحة» لـ«تشجيع الأطراف على الانخراط في المحادثات التي ستؤدي إلى سلام إقليمي شامل، وهو ما يصبّ في مصلحة الجميع». وقالت: «أشعر بأن الحاجة ملحّة في الوقت الراهن لتحقيق تقدم على صعيد النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي»، مردفة أن حلّ الصراع في المنطقة هو مصلحة أوروبية رئيسية. وأعلنت إصرار الاتحاد الأوروبي «على تفعيل جهوده بهدف تسهيل عملية السلام على أساس بيان المجلس الأوروبي الصادر في شهر كانون الأول 2009». وإذ أكدت التزامها العمل مع الأطراف الرئيسيين كافة، قالت إن زيارتها ستكون إشارة إلى الأهمية التي يوليها الاتحاد «لإرساء علاقات واسعة النطاق وعميقة مع شركائنا في منطقة البحر الأبيض المتوسط والعالم العربي».