يبدو أنّ ما تردّد عن وجود تباينات داخل كيان المعارضة، وتحديداً على خط العلاقات بين عين التينة والرابية، لا يعدو كونه زوبعة في فنجان... فقد خرج اللقاء الثلاثي بين المعاونين السياسيين للسيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، ليل أوّل من أمس، بنتائج إيجابية على مختلف الصعد السياسية والانتخابية
منار صباغ
على الموعد تماماً، وصل المعاونان السياسيّان للسيد حسن نصر الله، الحاج حسين الخليل، وللعماد ميشال عون، الوزير جبران باسيل، الى دارة المعاون السياسي للرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل، في الطيونة ليل اول من امس. فدعوة العشاء التي وجهها الاخير لنظرائه يوم الثلاثاء، لم تكن دعوة عادية. ففي زحمة الملفات والاستحقاقات، مرت أيام طويلة لم يُعقد خلالها مثل هذا اللقاء الثلاثي.
كانت الصراحة الطبق الرئيس خلال عشاء الساعات الاربع. أما النقاش، فلم يترك موضوعاً أو قضية مطروحة على الساحة الداخلية إلا تناولها تفصيلياً، وكان الاتفاق على عقد لقاء آخر قريب، يفترض أن يمهّد للقاء بين الرئيس بري والعماد عون.
الانتخابات البلدية حضرت خلال الجلسة، ودائماً من بوابة مشروع القانون الاصلاحي، حيث كان تقويم لأداء النواب خلال جلسات اللجان. وقد ابدى معاون الرئيس بري ملاحظات على أداء بعض نواب تكتل التغيير والإصلاح غير المدروس احياناً، والذي يؤدي الى بروز مواقف متعارضة في اللجان. أمّا الوزير باسيل، فعبّر عن امتعاضه من اداء بعض وزراء المعارضة خلال جلسات الحكومة، لأنه لا يساعد في معركة الاصلاح، ولا سيما في بعض الملفات. ولم يخف الاخير عتبه الكبير على تمرير بعض التعيينات في بعض الاجهزة الرقابية أخيراً، في اشارة الى تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية ورئيس ديوان المحاسبة، دون الالتفات الى واقع الشغور مسيحياً في هذا المجال.
تطرق النقاش ايضاً الى آلية التعيينات، وما شاب المرحلة الماضية من تعارض في وجهات النظر حول بعض الاقتراحات. كما بحث المجتمعون قضية الموازنة، وضرورة التنسيق في ما بينهم في هذا المجال. وهنا اكد باسيل عدم صحة ما اشيع عن عقد اتفاق مع الرئيس الحريري خلال عشاء الرابية، الاسبوع الماضي، مكرراً رفض التيار الوطني الحر لأي زيادة على الضريبة على القيمة المضافة، فضلاً عن عدم صحة ما تردد عن عقد صفقات انتخابية مع تيار المستقبل في مدينة بيروت.
خليل: لن تكون الانتخابات البلدية موضوع تباين مع التيار الوطني الحر في أي منطقة من لبنان
وعن اللقاء، قال النائب علي حسن خليل لـ«الأخبار»: إن الفكرة الجوهرية في كل ما يحصل، هي الإثبات لكلّ من يراهن على انفكاك أواصر المعارضة الوطنية أنّه واهم، واذا كان هناك بعض التباينات في امور تفصيلية، فهذا لا يعني اننا لسنا في التوجّه نفسه أو الخطّ السياسي نفسه في القضايا الاساسية، من المقاومة الى مستقبل البلاد، فشبكة العلاقات العربية والدولية للبنان... وأضاف خليل: نحن متفاهمون على كل هذه الامور، والاكيد بالنسبة إلينا، في حركة أمل، أن الانتخابات البلدية لن تكون بأي شكل من الاشكال موضوع تباين مع التيار الوطني الحر في أي منطقة من لبنان. كذلك اكد خليل أنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على ضرورة إيجاد آليات تنسيق في مجلس الوزراء، ونحن في أي حال لا نقوم بهذا الامر بوجه اي فريق آخر، وهذا ليس تنظيماً لمحور داخل الحكومة، بل إن ما نسعى إليه، يخدم تصويب بعض القضايا التي تهم كل لبنان.
ويأتي هذا التطور في وقت كثر فيه الحديث في الآونة الاخيرة، همساً او علانية، عن وجود تباينات وخلافات داخل المعارضة الوطنية. بل إن بعض المغالين لم يتردّد في وصف المعارضة بالرجل المريض الذي يوشك أن يحتضر بين لحظة وأخرى، فيما أصبح البعض الآخر يتحدث عن المعارضة بوصفها «معارضة سابقة»، على اعتبار أنها أصبحت جزءاً من الحكومة، والحكم والمعارضة في آن واحد لا يستقيمان.
وبعيداً عن صحة هذه الفرضيات أو عدمها، وبغض النظر عن نتائج تقويم تجربة هذه المعارضة التي عرفت شكلها الحالي عملياً منذ توقيع ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لا يمكن المتابع خلال الأعوام الخمسة الماضية، إلا أن يقر بنجاح تجربة هذا الكيان السياسي الذي، رغم مشاركته في الحكومة منذ اتفاق الدوحة وصولاً الى ما بعد انتخابات حزيران 2009، لا يزال يمثّل مشروعاً سياسياً قائماً بذاته، قد يصح معه احتفاظه بلقب المعارضة، وإن كانت معارضة عبر المشاركة.
على مدى سنوات، خاضت هذه المعارضة معاركها السياسية دون كلل أو ملل. ولعل الشاهد الابرز على نجاحها في احتراف سياسة النفس الطويل، كان مخيّم الاعتصام ضد حكومة السنيورة في وسط بيروت، وهو الاعتصام الاطول مدةً في تاريخ لبنان الحديث والقديم... وهناك من يقول: ربما لم تنجح المعارضة في بعض الاحيان في معاركها التكتيكية، لكنها سجلت نجاحات موصوفة في معاركها الاستراتيجية. واسترجاع بسيط لشريط الأحداث خلال الفترة الماضية، يظهر أن المعارضة نجحت في تحقيق اهدافها السياسية المعلنة، بل إنها حتى عندما لم تنجح في ذلك، منعت الخصم السياسي من تحقيق أهدافه:
- فلا انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً حصل.
- ولا حكومة اللون الواحد او حكومة الاكثرية والاقلية ولدت.
خلافات المعارضة لم تخرج من تحت سقف البيت الواحد، وإن فعلت مرّة، فهي لم تتخطَّ فناءه الخارجي
- ولا المعايير التوزيرية التي وضعت لاستهداف التيار الوطني الحر طبقت، فكان إسقاط لمبدأ عدم توزير الراسبين الذي استهدف الوزير جبران باسيل، وإسقاط آخر لمبدأ عدم إسناد حقيبة للراسبين ايضاً. كذلك تمكن تكتل التغيير والاصلاح من الاحتفاظ بحقيبة الاتصالات، واحتفظ بحقيبة الطاقة التي جهد فريق الموالاة للحصول عليها. وأخيراً وليس آخراً، حصل على خمسة وزراء لهم أربع حقائب، بينهم ثلاثة وزراء موارنة، أي نصف التمثيل الماروني في الحكومة.
- ولم يسقط البيان الوزاري حق لبنان بالمقاومة...
هكذا أمّن التماسك الداخلي بين اركان المعارضة نجاحات سياسية عدة، لكنه زاد ايضاً من نقمة الخصوم. ومن هنا كنا نشهد حفلات التهليل والتطبيل والتزمير لأي خلاف كان يصيب كيان المعارضة، مهما كان محدوداً. وهذا ما بان جلياً مثلاً قبيل الانتخابات النيابية في العام الماضي، يوم ضخم قرار المعارضة خوض معركة حبّية في جزين، وصوِّر على أنه خلاف ما بعده خلاف، مع ان المعارضة خاضت معركتها الانتخابية كلها من الشمال الى الجنوب، موحدة ومتكاتفة ومتضامنة ضد فريق الرابع عشر من آذار، الذي كان يعاني الأمرّين لكثرة المرشحين والطامحين بالوصول الى جنة البرلمان، فضلاً عن كثرة المستوزرين في ما بعد. والكل يذكر كيف علقت ولادة مرسوم تأليف الوحدة في الساعات الاخيرة، بسبب خلافات القوات والكتائب والوزير بطرس حرب على الحقائب كمّاً ونوعاً...
المعارضة التي ضمت احزاباً وتيارات لم يكن يتصور أحد في لبنان أنها قد تلتقي على مشروع سياسي واحد في يوم من الايام، شهدت ايضاً خلافات وتباينات، يمكن وصفها بالموضعية التي لم تفسد في الود قضية، وإن حدث يوماً أن خرجت من تحت سقف البيت المعارض الواحد، فإنها لم تتخطَّ فناءه الخارجي.
وهنا لا بد من الاقرار بأن محور عين التينة ـــــ الرابية، مثّل دائماً الخاصرة الرخوة في هذا الكيان السياسي، لأسباب من بينها ما يصفه البعض بانعدام الكيمياء بين الرئيس بري والعماد عون، مع أن مقربين من الرئيس برّي ينقلون حرصه على عدم إزعاج الجنرال، وأنه يوصي معاونيه بالتنسيق مع قيادات التيار الوطني الحر في أي ملف، حتى لا يكون القرار بشأنه مضراً لهم. لكن رغم هذه الفرضية (أي انعدام الكيمياء)، استطاع الطرفان تخطي اختبارات سياسية عدة. ولا يمكن تجاهل الدور المحوري والاساسي لحزب الله في الحفاظ على تماسك هذا الكيان المعارض عموماً، والحفاظ على تماسك محور عين التينة ـــــ الرابية خصوصاً. فقد كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حريصاً طوال الفترة الماضية، على وحدة الصف المعارض. ولهذا الغرض، كان يعقد لقاءات ثنائية مع العماد عون أو الرئيس بري، أو لقاءات ثلاثية مع الرجلين، بهدف تذليل أي خلاف ومعالجة أي اشكال. وتجدر الاشارة هنا الى ان آخر لقاء موسع لقيادات المعارضة، كان قد عقد في السادس من تشرين الثاني من العام الماضي، قبيل أيام من ولادة حكومة الوحدة، وهو اللقاء الذي مهد عملياً لهذه الولادة.