بعد مرور شهر على القمة اللبنانية ــ السورية ــ السعودية، حصلت أمور كثيرة، فيما الأنظار تتجه إلى أيلول الذي يرجَّح أن يمر دون صدور قرار اتهامي كما كان مخطّطاً ومقرّراً، فما هي أسباب هذا التأجيل: القمة الثلاثية، اللعبة الدولية، أم معركة الرأي العام؟
منار صباغ
السين ـــــ سين البيروتية لم تحمل وصفة سحرية، ولم ترسم خريطة طريق أو تحدّد مسارات إلزامية أو اختيارية يمكن أن توصل إلى حل لقضية بحجم المحكمة الدولية. اليوم، بعد مرور شهر على قمة وُصفت بالتاريخية، التي لم يسبق لها أن حدثت ولن يقدّر لها أن تتكرر ربما، يكثر الحديث همساً بل وحتى جهراً، عمّا حققته هذه القمة، التي لا يختلف اثنان في أنها قمة المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي المرتقب بلا منازع.
يعود أحد المعنيين المباشرين إلى وقائع هذا النهار العربي اللبناني، ليقول: «لقد فوجئنا بالسرعة التي طُرح بها موضوع المحكمة الدولية، إنها المرة الأولى التي تكون فيها المحادثات بهذه السرعة والصراحة بلا لفّ ولا دوران وكلام دبلوماسي منمّق، حيث كان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز أول المتكلمين، ومن بعده الرئيس السوري بشار الأسد، وبدا كأنهما متفقان على كلمة سر بديلة للمحكمة الدولية، هي درء الفتنة عن لبنان وسبل مواجهتها».
معنيّ في القصر الجمهوري أوضح الأمر بالعبارة التالية: «لم نحضّر جدول أعمال للزيارة، ولم نكن نعلم إن كانت القمة ستنتهي الى إصدار بيان صحافي أو بيان مشترك وثمة فارق بينهما ...حضّرنا مشروع بيان يتلاءم والأجواء العامة، لم يناقشنا في مضمونه كما هي العادة في مثل هذه المناسبات أيّ من الجانبين السوري أو السعودي، بل تمّ الاطّلاع عليه بسرعة، وكان أن جرت الموافقة عليه مع الطلب بإضافة بعض النقاط الطفيفة».
يتابع أحد المستشارين الرئاسيّين: «كانت قمة غريبة بالفعل، كنا مربكين ونحن أصلاً مشغولون بالإعداد لزيارة الأمير القطري، لم نستطع أن نحصل على جواب نهائي عن أن القمة ستُعقد إلا قبل يوم واحد من التئامها، حيث جرى اتصال بين الرئيسين سليمان والأسد أكد خلاله الرئيس السوري أنه سيرافق الملك في زيارته للبنان»، علماً أنّ الجانب اللبناني كان قد تبلّغ الموافقة السورية بصورة استباقية وغير رسمية عبر القنوات الدبلوماسية السعودية.
وبحسب الوقائع التي تؤكدها مصادر مطّلعة، لم يعط الرئيس السوري جواباً قاطعاً بالإيجاب لنجل الملك بأنه سيرافق والده إلى بيروت، وما حصل أنّ عبد العزيز بن عبد الله اتصل بالرئيس الأسد يوم الاثنين الواقع في 26 تموز، وكان الأخير في زيارة رسمية لبيلاروسيا، طالباً جواباً نهائياً، وبعد أخذ ورد، كلّمه الملك شخصياً عارضاً عليه أن يرافقه بطائرته الخاصة إلى بيروت، وكان أن أعطى الأسد قراراً نهائياً بالموافقة.
هذه الوقائع السابقة تدلّ على أنّ الخطوة السعوديّة السورية لم تكن مقرونة بخريطة طريق واضحة لحل مسألة تسييس عمل المحكمة الدولية وفبركة قرارها الاتهامي على قياس المقاومة، اللهمّ باستثناء المحاولة السعودية، التي حملت عنوان «تأجيل القرار الاتهامي»، وذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الحريري لدمشق، التي واكبه خلالها نجل الملك السعودي، يومها جاء التحرك السعودي، بُعيد ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من معطيات في إطلالته الإعلامية التي سبقت القمة الثلاثية، وأهمها المؤتمر الصحافي في 22 تموز، الذي أعلن خلاله السيد نصر الله، أنه تبلّغ من الحريري موعد ومضمون القرار الاتهامي للمحكمة، وفيه اتهام لعناصر من حزب الله بارتكاب الجريمة.
في دمشق حاولت السعودية تسويق مخرج «تأجيل القرار الاتهامي»، وهو ما رفضه الجانب السوري بالمطلق، على اعتبار أنّ التأجيل لا يلغي صفة التسييس، وأنّ السيناريو القديم الجديد الذي يطاول حزب الله من بوابة قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سبق أن أُلصق بسوريا على مدى أربع سنوات.
العرض الملكي السعودي، سرعان ما عُدّل بالنظر إلى صلابة موقف الجانب السوري، الذي كان ينسّق ساعة بساعة مع حزب الله، وخلال القمة السعودية السورية في دمشق في التاسع والعشرين من تموز، أي قبل يوم واحد من قمة بعبدا، تعهّد الملك عبد الله للرئيس الأسد على «الطريقة البدوية» أخذ هذه القضية على عاتقه، دون أن يوضح الطريقة والأسلوب اللذين يُفترض بهما أن يُبعدا عن لبنان مشروع الفتنة، وبدا واضحاً يومئذ أنّ نقطة التلاقي الأساسية بين القيادتين السعودية والسورية هي منع الفتنة عن لبنان من أيّ باب جاءت، ولو كان هذا الباب هو «المحكمة الدولية». وهو السقف السياسي الذي حمله نجل الملك السعودي ليلاً إلى بيروت للقاء الحريري ووضعه في هذه الأجواء.
اليوم بعد مرور شهر على الاحتفالية العربية في بيروت، يعلم أصحاب القرار أن التهدئة الداخلية تكاد تكون المكسب الأوحد الذي لمسه اللبنانيون من هذه القمة، لكنها تهدئة هشّة، سقطت على ما يبدو بالضربة القاضية وعن سابق إصرار وتصميم، بفعل ارتفاع أصوات التجييش بعد إشكال برج أبي حيدر، وتمّ التراجع عن قرار الصمت منذ عودة الحريري من إجازته في سردينيا والتزامه الصمت إزاء قرائن السيد نصر الله المقدّمة في مؤتمر التاسع من آب، مقابل مسارعة نوابه ووزرائه إلى التشكيك فيها ورفضها، قبل أن يقوم المدعي العام الدولي دانيال بلمار بطلب الحصول عليها، إضافةً إلى الجهد غير العادي وغير المسبوق برفض أيّ حديث عن ملف شهود الزور، الذي وعد السيد نصر الله بكشف كل مستور مهما كبر أو صغر في هذا الملف في وقت لاحق.
لكنّ الضربة الكبيرة للتهدئة جاءت في الخطاب الرمضاني لرئيس الحكومة، وهو الخطاب الذي تصفه مصادر سياسية مطّلعة بأنه «متشنّج في معظم الأحيان». ثم في التصريحات التي تلت إشكال برج أبي حيدر. وتقول المصادر السياسية إنه جرى «استحضار الخطاب الذي اتسمت به حقبة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي بلغ حد الاستثمار السياسي الرخيص».

قمة بعبدا أرست تهدئة داخلية عاد فريق رئيس الحكومة وأسقطها في أقل من شهر
التهدئة التي سقطت بعد أقل من شهر على القمة الثلاثية، كان يفترض أن توفّر الأجواء الملائمة، للعرب الكبار الذين تعهدوا حل معضلة القرار الاتهامي، ولم يعد خافياً أنّ السعودية طرقت البابين الفرنسي والأميركي بحثاً عن حل، بدا أنه حل ضائع في متاهة لعبة الأمم، فالرئيس الفرنسي أكد للملك السعودي أن المحكمة بيد الأميركي لا بيده، وهذا ما لم ينفه قصر الإليزيه، علماً أنّ المعلومات تؤكد، أنّ الجانب الفرنسي حاول عرقلة مشروع حل دائم لقضية المحكمة الدولية، عبر وقف تمويلها، وتقول المعلومات، إن هذا المخرج جرى تداوله جديّاً بين عدد من العواصم الفاعلة، ووصلت أصداؤه إلى بيروت. ومعلوم أن لبنان الذي يسهم بـ49% من موازنة المحكمة، يمكنه أن يتوقف عن الدفع إذا رأت حكومة الوحدة أن ثمة أسباباً محقّة. لكن الجانب الفرنسي لوّح بأنه لن يضمن تأجيل إصدار المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار قراره الاتهامي لما بعد آذار، أي بعد انتهاء موازنة المحكمة حالياً، بل إنّ معلومات دبلوماسية مؤكدة، تحدثت عن ضغوط مورست لحمل بلمار على إصدار قراره قبل هذا التاريخ، في خطوة استباقية تضع الجميع أمام مأزق اتهام حزب الله بجريمة الاغتيال.


«القرار الاتهامي سقط»!

يرى أحد الدبلوماسيّين الفاعلين على الساحة اللبنانية، أنّ القرار الاتهامي سقط بمعزل عن القمة الثلاثية التي عُقدت في بيروت قبل شهر، بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. ويرى الدبلوماسي أنّ «الوفاة» حصلت بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في التاسع من آب الجاري، وبعد ما أورده الإعلام الإسرائيلي عن «طبيعة القرار المرتقب لدانيال بلمار، الذي يطاول المقاومة بقياداتها». وبحسب الدبلوماسي فإنّ «السيد نصر الله كسب معركة الرأي العام في ضوء ما كشفه من قرائن وأدلة، وأي قرار يمكن أن يصدر اليوم أو حتى بعد عشر سنوات سيكون بلا قيمة، حتى لو لم يكن موجّهاً باتجاه حزب الله، لأن عدم مساءلة إسرائيل في ضوء ما كشفه، جريمة بحد
ذاتها».