وحياة الناتو

مع إنني إخترت عن سابق تصوّر وتصميم عنوان «بدون اي تعليق» لمدونتي السابقة، لكنني أعترف لكم بأنها «ما قطّعت معي».
فالإجابات السوريالية التي ردّ بها من سألتهم الصحافية المصرية في الفيديو «ما هو حلف الناتو؟» (شاهد الفيديو ) تدفع المرء، بعد ردة الفعل الاولى اي الضحك، الى استخلاص ملاحظات هي على جانب كبير من الأهمية برأيي.

المشترك بين من أجابوا على سؤال الزميلة، ان احدا من بينهم لم يعترف انه لا يعرف. فبكل بساطة، لا احد في بلادنا لا يعرف. الكل يعرفون ولو لم يكونوا يفقهون شيئا مما يسألون عنه. والإعتراف بالجهل، من أندر الاجوبة في عالمنا العربي، وهو عالم تنحو الثقافة فيه لأن تصبح شفهية، أو حتى «إنطباعية»، اي متكونة من إنطباعات وليس من معلومات. الملاحظة الثانية هي ان كل من أجابوا على السؤال، كانوا يشرحون إجاباتهم بطلاقة الواثق مما يقول. كانهم يطلقون العنان لمخيلتهم في تأليف جواب لسؤال محرج. الأولى قالت إن «حلف الناتو» هو يمين، (أي قسم) الأطباء حين يتخرجون! وإن اسمه «حلف الناتو» على إسم أول طبيب أقسم هذا اليمين. أما الشاب في مقتبل العمر فقد أجاب بأن عبارة «حلف الناتو» تنتمي الى اللغة الشبابية، فيقال «انت بتشتغلني ولا ايه؟ وحياة الناتو؟». وانه إن أراد أن تصدقه خطيبته فما عليه الا أن يحلف لها..بالناتو. وان ذلك (القسم) «حلفان قوي» عنده. اما الثالثة فقالت إن حلف الناتو «بيستخدم في أحكام الطفل والأسرة». شاكرة هذا الحلف «لأنه يقدم اقتراحات قوية ترقى بالمجتمع والأسرة». سيدة اخرى قالت إنه حلف «زي اللي بيعملوه البدو عندنا، نوع من محكمة عرفية ولكنها بأوروبا»! وان اسمه «ناتو علشان واحد إسمو ناتو تقريبا، الريس بتاعهم، ولذا يقولون وحياة الريس ناتو مثلا».

«متهيألي حلف الناتو هو حلفان خريحي الحقوق بعد التخرج وخاصة الخريجين اللي بيروحوا النيابة». هذا جواب آخر. وتردف السيدة «ده حلف (يمين) جاد جداً، لأنه خاص ببتوع النيابة... لأنهم بيدافعوا عن حقوق الناس». اما الإسم فلأن « ناتو ده هوه اللي حط القسم ده تقريباً».

بعد الضحك، تتبدى لك خطورة ما تشير اليه الظاهرة. فإلى الخطورة العادية في البناء على الجهل، فإن وعي هؤلاء المواطنين المصريين السياسي، خاصة الآن، في عز تدخل الناتو في شؤون الثورات العربية، وغزارة تداول هذه المفردة في نشرات الاخبار، يبدو متدنياً الى درجة غير مقبولة. ما يجعلك تشكك بمستقبل تلك الثورات وتثميرها بالطرق الديموقراطية كالإنتخابات. فالديموقراطية لا يمكن أن تثمر إلا بعد ان تكون الفرص متاحة للناس للفوز بمعرفة سياسية واجتماعية ما، تجعلهم مؤهلين للقيام بخيارات تعبّر عن مصلحتهم. هذا ما يحصل في الفترات ما قبل الإنتخابية في الديموقراطيات المستقرة. يعطى للمرشحين فترات متساوية في وسائل الإعلام لشرح برامجهم، كما تعقد ندوات لشرح تلك البرامج والأفكار لتطوير الشأن العام في الاقتصاد والسياسة الخارجية الخ.. فهل أتيحت هذه الفرص للناس؟ المثال المصري صارخ: فالسواد الاعظم قام بإختيار سياسي يفرغ الثورة من مضمونها. لذلك، حين تشاهد الفيديو أعلاه، تفهم الى حد ما، جزءا من الصورة الواقعية التي أفضت الى فوز الإخوان والسلفيين بالإنتخابات في مصر.

إلا ان الجهل السياسي، أبعد ما يكون عن كونه عربياً فقط. فإن كان المواطن العربي مستبعدا عن الشأن العام لعقود وعقود، فما هي حجة طلاب كلية العلوم السياسية في بلد كفرنسا مثلا؟ فقد نشرت «لوموند» منذ حوالي الشهرين، تحقيقا مع طلاب العلوم السياسية في إحدى جامعات فرنسا. في هذه الحال، العيّنة كانت ذات مغزى أعمق من عينة الفيلم اعلاه. سئل الطلاب عن معنى عبارة «باند دو غزة» أي قطاع غزة بالعربية. ومعروف ان كلمة «باند» بالفرنسية تعني «شريطاً» أو «شلّة» او «عصابة»، حسب السياق. لكن «باند دو غزة»، انه إسم اليس كذلك؟ إلا ان إجابات الطلاب بمعظمها أفادت ان معنى العبارة هو.. «عصابة غزة»! كيف يكون ذلك؟ ربما يكون الجواب في انغماس الفرنسيين، على غرار الاميركيين، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتزايدة الحدة والمشاكل الإجتماعية الداخلية، في السياسة الداخلية وابتعادهم عن السياسة الخارجية.

ولكن، مع ذلك..عصابة غزة؟ امر لا يصدق فعلا... وحياة الناتو.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/13/2012 12:25:51 PM

زرقاء اليمامة يا ضحى

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم