في زيارته الأخيرة للبنان، اطّلع «مسؤول الساحة اللبنانية» في حركة «فتح» عزام الأحمد على أوضاع الحركة، ليجد أنها تنحدر من سيّئ إلى أسوأ، رغم كل الكلام الإيجابي الذي قيل في الزيارات السابقة عن تطوير عمل الفصيل الفلسطيني الأكبر في لبنان. ففي الفترة الفاصلة بين زيارة الأحمد مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وزيارته الاخيرة، وقعت عمليات اغتيال ممنهجة في مخيم عين الحلوة. اتهم «الإخوة» الفتحاويون الإسلاميين في بادئ الأمر بالوقوف وراءها، ثم تبدّلت الاتهامات الى داخل البيت الفتحاوي، واتُّهم أحد قيادات الحركة بتسهيل هذه الاغتيالات، ما كاد يفجّر الوضع الأمني في المخيم. بسبب هذه الأحداث، ألّفت قيادة الساحة في فتح «لجنة تقصّي حقائق» من أجل معرفة ما جرى. لكن بعد زيارة الأحمد، اتخذ قرار بتحويل مهمة هذه اللجنة من تقصّي الحقائق الى «لجنة تحقيق»، على أن تقدم خلاصة بحثها الى مسؤول الساحة ليتخذ الرجل الإجراءات المناسبة.
ترفيع هذه اللجنة هو لتأكيد جدية عملها، كما يقول أحد مسؤولي «فتح» في عين الحلوة. كذلك فإن تكليف قائد الكفاح المسلح صبحي أبو عرب بترؤسها يبرز مدى المسؤولية في التعاطي مع الاحداث. اللجنة أنهت أعمالها ورفعت تقريرها النهائي إلى رام الله. بعض الذين اطّلعوا على عمل اللجنة يقولون إنها ذكرت أسماء المتورطين في اغتيال مرافق اللينو صراحة، وسيصار إلى محاسبتهم تنظيمياً داخل الحركة. آخرون لا يعوّلون على عمل هذه اللجنة كثيراً، فبرأيهم إذا «أردت أن تخفي شيئاً، فما عليك إلا أن تؤلّف لجنة للتحقيق فيه»، إذ كما جرت العادة في السابق، لم تخرج أي لجنة فلسطينية أو حتى عربية بأي نتيجة من تحقيقاتها. مثلاً، يسأل أحد الفتحاويين: هل يذكر أحد اللجنة التي أتت من رام الله من أجل التحقيق في عملية اغتيال القيادي الفتحاوي الراحل كمال مدحت؟ أعضاء تلك اللجنة أتوا وعاينوا مكان الجريمة. حققوا في الاتهامات التي جرى تداولها حينها. لكن بعد فترة، عادت هذه اللجنة إلى رام الله من دون أن يطّلع الرأي العام الفلسطيني أو اللبناني على ما خلصت إليه. ويقول أحد الذين تابعوا عملها في تلك الفترة، إن من «كان مسؤولاً عنها مباشرة هو مدير المخابرات العامة في رام الله، ماجد فرج، الذي كان على تواصل المباشر مع القوى الأمنية اللبنانية». حدود معرفة الرجل تتوقف عند هذا الحد، إذ لم يسمح لأحد بالاطلاع على نتائج هذه التحقيقات، إلا فرج والسفير الفلسطيني حينها عباس زكي.
وبالنسبة إلى لجنة التحقيق التي أُلّفت في الأحداث الأخيرة، يقول متابعون لعملها إن الأطراف المعنية في التحقيق كانت قد قالت في اجتماع لـ«قيادة الساحة» سابقاً إنها مستعدة لتحمّل تبعات ما قد يظهره التحقيق. هكذا، بما أن الأمور كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تنفجر في مخيم عين الحلوة، خصوصاً بين فتح والإسلاميين، اجتمع الطرفان مع قيادات فتح في مركز الأمن الوطني في عين الحلوة بحضور أبو عرب لتخفيف الاحتقان، و«لنكون على اتصال مباشر في ما بيننا»، يقول أبو عرب. جميع الأطراف في المخيم أكدت مجدداً أنها لا تريد أن يكون هناك «نهر بارد جديد، لأننا قررنا رفع الغطاء عمّن يمكن أن يخلّ بالأمن» يقول أبو عرب، إذ خلال الاشتباكات التي حصلت في عين الحلوة استهدف «مجهولون» مراكز عصبة الأنصار، متوقّعين أن تردّ العصبة على مصادر إطلاق النار فتصيب مراكز الجيش اللبناني التي تقع خلفها، ما يدفع الأمور إلى التدهور في المخيم. هذا السيناريو الذي تكرر أكثر من مرة تفادته القوى الإسلامية.
حدة الاشتباكات و«المخطط الواضح الذي وضعته قوى خارج المخيم لضربه»، كما يقول أحد قياديي «فتح» في عين الحلوة، «جرى تطويقهما، لكننا نتخوف من أن يستعاض عنهما بالخطة «باء» لضرب المخيم». الخطة «باء» بالنسبة إلى هؤلاء بدأت تطل برأسها، خصوصاً بعد البيانات التي نشرت في المخيم ضد أحد مسؤولي حركة «فتح»، والتي اتهمته بإطلاق الصواريخ نحو شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتسهيل عملية اغتيال مرافقي اللينو.