على فايسبوك، بدت كارين غاضبة. من بيتها الصغير في كندا، كتبت الشابة اللبنانية: «من الغباء جرّ الفنانين إلى نقاشات سياسيّة. لقد دفعوا لها أجراً كي تغنّي في الحفلة الإسرائيلية. هذا عملها». لكن أن تغنّي لارا فابيان قصيدةً تحتفي بالاستيطان في ذكرى النكبة، أليس انحيازاً واضحاً إلى من قتل وهجّر واحتلّ؟ هل يحقّ المراهنة على سذاجة المغنية المفترضة كي نبرّر موقفها المتواطئ؟

الإجابة جاهزة عند رئيس تحرير مجلّة «الآداب» سماح إدريس: «إذا أتت لارا فابيان إلى بيروت، وغنّت للفلسطينيين في مخيّمات شاتيلا، وقالت لهم أحبّكم، ثمّ قررت إحياء حفلة في تل أبيب، فهل كانت السلطات الإسرائيلية تسمح لها بذلك؟». الناشط في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» يحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليةً في قضيّة فابيان. «بخلاف قضايا «بلاسيبو» وجاد المليح، كانت فابيان ستحيي حفلتيها في «كازينو لبنان»، وهو مؤسسة تتولّى الدولة جزءاً من إدارتها».
بعد «رسالة الحبّ» التي وجّهتها المغنية إلى أصدقائها اللبنانيين، انهالت عبارات التعاطف على صفحتها الفايسبوكيّة: «لارا الحنونة حرّة بأن تؤيّد من تشاء»، و«منع الفنانين من القدوم إلى لبنان بسبب إسرائيل جهل». النائب سامي الجميّل ذهب أبعد من ذلك، حين رفض تحويل لبنان «مستنقعاً من المتحجّرين»... فمَن يحدد معايير المقاطعة إذاً؟ يوضح هثيم بواب المسؤول عن «مكتب مقاطعة إسرائيل» في وزارة الاقتصاد والتجارة أنّ «قوانين المقاطعة التي يطبّقها المكتب لا تشمل فقط التجارة والبواخر والشركات، بل تطاول أيضاً كل من يتعامل مع إسرائيل، ويخدم مصالحها، أو يروّج لها». في حالة الأفراد الأجانب غير الإسرائيليين، تتحكّم بعض التقاليد البيروقراطيّة بسير الأمور. «يجري مكتب المقاطعة تحقيقاً للتثبُّت من ضلوع المعنيين في التعامل مع إسرائيل أو الترويج لها، ويرفع تقريراً إلى المكتب الرئيسي للمقاطعة في دمشق. هذا الأخير يرفع التقرير إلى مؤتمر مكاتب مقاطعة إسرائيل العربيّة للنظر في أمره، وإعطاء توصيات ترفع إلى مؤتمر القمّة العربية»، يشرح بواب مضيفاً: «يُناقَش الملف لدرس قضيّة الفنان مثلاً، والتأكد من إمكان إدراجه على لائحة الحظر». ولبنان من الدول الملتزمة توصيات الجامعة العربية المتعلّقة بالمقاطعة، بل استلهمتها لإصدار قانون مقاطعة إسرائيل في لبنان عام 1955. «مثلاً، تشمل لائحة الحظر العربيّة المغنّي الإيطالي أدامو المعروف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، وهو ممنوع من إحياء حفلات في لبنان». ويؤكّد بوّاب أنّ «مكتب مقاطعة إسرائيل» رفع كتاباً للأمن العام بشأن زيارة فابيان. لكنّ مصدراً مسؤولاً في الأمن العام لفت في اتصال مع «الأخبار» إلى أنّّه منح تأشيرة لفابيان قبل حصوله على الكتاب المذكور».
أمام التعقيد الواضح في إجراءات المقاطعة قانونياً، يرى الاختصاصي في القانون الدولي حسن جوني ضرورة تعديل القوانين المرعيّة البالغة نصف قرن لـ«تشمل كلّ من يدعم إسرائيل، أو يروّج لها، ويؤدّي لها خدمةً ماديةً أو معنوية». ويعمل جوني حالياً على دراسة مشروع قانون يلحظ تشديد العقوبات بحقّ اللبنانيين المتعاونين مع فنانين أو أكاديميين يدعمون إسرائيل. ويلفت إلى أنّ قضيّة فابيان قد تندرج في إطار «التطبيع بسبب مواقفها المعلنة من العدوّ الإسرائيلي».
لكن ألا تتناقض مأسسة حملات المقاطعة، وقوننتها، مع طبيعتها الشعبيّة والعفويّة؟ «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» تسترشد مثلاً بمواثيق الحملات الدوليّة مثل PACBI وBDS «الداعية إلى مقاطعة كلّ من يشارك في البروباغندا المساهمة في التعمية عن جرائم الأبرتهايد الصهيوني»، كما يشرح سماح إدريس. أساليب ضغط مماثلة استخدمت سابقاً في جنوب أفريقيا خلال الثمانينيات، ونجحت في لفت الرأي العام العالمي إلى الجرائم العنصريّة. حملات مقاطعة إسرائيل أقنعت فنانين عالميين كثراً بأرجحيّة موقفها من الناحية الأخلاقيّة. فهل قاطع روجر ووترز، وفانيسا بارادي، وكارلوس سانتانا حفلات تل أبيب لأنّهم «متحجّرون»؟ أحد الداعمين لحملة المقاطعة سأل على فايسبوك: «غريب أن تتطلّب مقاطعة مغنية مؤيدة لإسرائيل كلّ هذا النقاش!».