هناك من يبحث عن المُلك، وهناك من يبحث عن دور، (وهناك من يبحث عن الكنز ــــ من ينسى مهزلة تفتيش محمد شطح عن كنز عثماني في لبنان؟ كيف لا تُدرج الفضيحة في المنهج الدراسي؟) ميشال سليمان لا يبحث عن المُلك، هو يبحث عن دور، لكنّه لا يجده. بعد مرور زمن على تسلّم ميشال سليمان أزِمّة الحكم، من الطبيعي التساؤل عن دوافعه وراء سعيه إلى الرئاسة؟ ماذا كان مبتغاه؟ لماذا قرّر، وكيف، أن يصبح رئيساً للجمهوريّة بعدما فقدت الرئاسة، بحكم الطائف وبحكم الطوائف، ما كان لها من بريق ومن سلطات وهيبة؟ تحوّلت رئاسة الحكومة، نتيجة للحلف الذي عقدته السعوديّة مع النظام السوري بالنيابة عن أداتها، السيئ الذكر رفيق الحريري، إلى مركز السلطة، لكن إميل لحّود وإلياس الهراوي تحالفا مع النظام السوري هما أيضاً، من أجل تعزيز موقع الرئاسة أو موقعهما بالأحرى. كيف قرّر سليمان أنّه يريد أن يصبح رئيساً وهو الذي لم يكن له داعم إقليمي قويّ؟ ما الذي جذبه إلى الكرسي أو ما تبقّى منها؟
من المعروف ان صعود سليمان أثناء حقبة سيطرة النظام السوري، مثل صعود غيره، لم يكن ليتمّ لولا انتقاء ومباركة ودعم من النظام السوري. ولم يكن معروفاً عنه نزوعه إلى اتخاذ مواقف قويّة أو صلبة. معدنه كان التعامل المعتدل والليّن مع كلّ الناس. طبعاً، اكتشفنا له جانباً آخر ومختلفاً كليّاً في وثائق «ويكيليكس»، كما اكتشفنا وجوهاً وجوانب لم نعهدها في عدد من السياسيّين. من كان يتوقّع ان يكون بطرس حرب (الذي دبّج لإلياس الهراوي خطب تبجيل النظام السوري) ناصحاً لإسرائيل بمزيد من الغزو والدمار والاجتياح؟ طبعاً، هناك مثل مروان حمادة الذي لم يفاجئنا بتاتاً في دوره المُناصر للعدوّ الإسرائيلي. كانت المفاجأة لو عارض الغزو الإسرائيلي. وميشال سليمان أتى بنوع من التأييد من الشعب اللبناني لأنّه ــــ أي الشعب اللبناني ـــــ افتتن بما فعله الجيش اللبناني في مخيّم نهر البارد. وجد الشعب اللبناني البطولة، كلّ البطولة، في ذلك. دبّت الحماسة عند الشعب اللبناني وصدحت الحناجر من كلّ الطوائف والحركات والأجيال. كان هذا هو الدفع الذي أهّل سليمان للصعود في الجمهوريّة. طبعاً، لم تُطرح أسئلة مشروعة عن دور ميشال سليمان في حرب تمّوز. كيف قرّر قائد الجيش يومها أنّ شباباً متطوّعين هم المكلفون بتولّي الدفاع عن لبنان، فيما يبقى ضبّاط الجيش على مقاعدهم الوثيرة يتابعون الحرب على الفضائيّات ويستمّر قادة الجيش في زيارة واشنطن وفي الترويج للكذبة أنّ أميركا في وارد تسليح الجيش بغير عتاد مكافحة الشعب لا الشغَب.
ولم يكن واضحاً كيف طُبخ ترشيح سليمان. لا يستطيع هو أن ينفي أنّ حسني مبارك (قبل أن يلزم النقّالة لضرورات صحيّة) هو الذي أهّله وباركه وطرح ترشيحه جديّاً مع أولي الأمر في الموضوع اللبناني (أي إسرائيل وأميركا والسعوديّة وسائر حلفاء أميركا). لم تكن رعاية حسني مبارك له واعدة بالخير أبداً. السعوديّة زكّته بعد مبارك، ثم قطر وسوريا. لكن هذا لا يشين سليمان بالذات: هذا يشين النظام السياسي اللبناني لأنّ الرئيس اللبناني لا يأتي ممثلاً إرادة الشعب اللبناني الحرّة. المستعمر انتقى رؤساء لبنان قبل الاستقلال وخلفاء المُستعمر والنظام السوري انتقوا رؤساء لبنان بعد الاستقلال، ببساطة شديدة.
مناسبة هذا الكلام هي كلام خطير لميشال سليمان جاء فيه أنّه طلب من الأمم المتحدة حماية أعمال التنقيب عن النفط والغاز (والطحينة) التي ستقوم بها الدولة اللبنانيّة في البحر الأبيض المتوسّط. رئيس جمهوريّة لبنان وقائد الجيش السابق الذي طلع ببدعة الشعب والجيش والمقاومة (فيما ينقسم الشعب اللبناني حتى على موضوع العداء لإسرائيل، وفيما يقبع الجيش في الثكن ويقوم متطوّعو المقاومة بالدفاع عن الوطن)، يعترف للشعب اللبناني بأنّ لبنان غير قادر على الدفاع عن حقّه في مياهه الإقليميّة، وهي من ضمن سيادته. رئيس جمهوريّة لبنان فعل أكثر من ذلك: رفض عرضاً من الفريق المقاوم الذي قاوم إسرائيل بشجاعة وفاعليّة تفوّقت على مجموع الأداء العسكري العربي على مرّ العقود، من أجل ردع إسرائيل في البحر كما في البرّ. خاف ميشال سليمان أن يقبل عرض المقاومة، ويؤدّي ذلك إلى إغضاب الراعي الأميركي. وقد بدا سليمان في لقاءاته مع المبعوثين الأميركيّين جزعاً حيالهم، وقال أمامهم كلاماً عن حزب الله لم يجرؤ على قوله مرّة في العلن. هل هذا يعني أنّ سليمان لا يستطيع التعبير عن آرائه بحريّة إلا في السرّ وأمام مبعوثين من أميركا؟ لماذا لا يحاول في خطابه أمام الشعب اللبناني التوفيق بين مواقفه العلنيّة والسريّة؟
الأسئلة عن دور ميشال سليمان ملحّة هذه الأيّام. هناك في بعض البلدان من يقدّم خطاب جردة حساب سنويّة ـــــ حتى حاكم ولاية كاليفورنيا يفعل ذلك. ماذا عسى سليمان يقول في جردة حساب مع الشعب اللبناني؟ ماذا عساه يقول عن إنجازات سنواته في الحكم؟ صحيح أنّه لم يأت ببرنامج طموح، ولم يطرح برامج عمل شائقة. بدا كأنّه أتى دون أن يعرف من أين ـــــ بالإذن من إيليا أبو ماضي. بالحكم على سنوات حكمه، يتضح أنّ سليمان يقدّر أشدّ التقدير الرحلات الرئاسيّة والتجوال ذا المراسم. هل نبالغ لو قلنا إنّ سليمان سعى للرئاسة من أجل أن يطير رئيساً للجمهوريّة؟ إنّ سليمان يحبّ الزيارات الرئاسيّة الرسميّة حبّاً جمّاً. قد يكون أكثر الرؤساء اللبنانيّين حبّاً بالسفر والتجوال ـــــ دون أن ننسى تسكّع أمين الجميّل على أعتاب قصر المهاجرين في دمشق.
والطريف أنّ سليمان يفضّل الزيارات السياحيّة . يريد أن يُستقبل بالمدفعيّة وأن يُودّع بقرع الطبول. تلك هي الرئاسة بالنسبة له. زيارات ورحلات إلى دول لا ملفّات معها. كان يزور سوريا عندما كان قائداً للجيش، لكنّه اليوم محكوم بمحاولة إرضاء فريقي الحكم. هو يوفّق اعتباطيّاً: تصريح موال للسعوديّة وآخر موال لسوريا، وآخر يخدم الغرض الأميركي، وآخر يعود ليكرّر شعار الشعب والجيش والمقاومة والتبّولة. وسليمان ـــــ الحق يُقال ـــــ يحبّذ جداً الذهاب السنوي إلى الأمم المتحدة. يذكّر في هذا بالأولاد في العيد. تخاله ينتقي ثيابه بعناية ويضعها في خزانة خاصّة بانتظار التدشين العتيد. وميشال سليمان لم يفوّت هذه الفرصة الصيف الماضي مع انّ رئيس الحكومة ـــــ لضرورات التعبئة الشعبيّة الطائفيّة المذهبيّة ـــــ نغّص عليه رحلته وحمل وفده الخاص وعقد اجتماعات رسميّة هناك. لكن سليمان فوجئ بتجاهل أميركي لشخصه. ومع هذا يعرف سليمان كيف يعوّض: عقد اجتماعاً مع رئيس جمهوريّة جنوب السودان الصهيوني: والرجل تحوّل قبل أن يصل إلى السلطة إلى أداة إسرائيليّة. لكن سليمان قرّر أنّ من المضروري أن يجتمع معه لسبب ما.
لا يعبّر سليمان عن ولع بالسياسة بالمعنى اللبناني التقليدي، لكن في ما يتعلّق بالعائلة، هو سياسي تقليدي بالكامل. وفي حالته، كما في حالة عون وحالة سليمان فرنجيّة الجد وحالة إلياس الهراوي، الصهر هو سند الظهر وسند العائلة السياسيّة. قد لا يكون سليمان طامعاً بالسياسة ومكاسبها ومنافعها لنفسه (هو مشغول بالسفرات الرئاسيّة وما بعد الرئاسيّة) لكنّه يريدها للعائلة. ومن يدري؟ قد يكون ابنه الطبيب، لبنانيّاً آخر ممن «يخترعون» على طريقة وصف جريدة «النهار» اللاعلميّة دواءً ناجعاً للسرطان. قد يريد ميشال سليمان ان يبتاع لنفسه عائلة سياسيّة: لا أحد أفضل من أحد، كما يُقال في لبنان. حتى بعد القضاء على بعض عائللات الإقطاع في بعض الطوائف، هناك محاولات حثيثة من بعض زعماء الحرب والطوائف الجدد لإنشاء عائلات زعامة جديدة. حتى إيلي حبيقة (واحد من أدوات إسرائيل الكثيرة أثناء الحرب، والذي عاد وتمتّع بتعويم من قبل رفيق الحريري والنظام السوري)، خلّف وراءه ابنه زعيماً لحزب يضم حواضر البيت.
وميشال سليمان حكم بإرادة خارجيّة ومحاولة مصطنعة وغير مبدئيّة لكسب ودّ جميع الأطراف. يتحدّث أحياناً عن المقاومة وكأنّه أهل المقاومة وأم عروسها: يتكلّم وكأنّ المقاومة التي أنقذت شرف الوطن برمّته من التمريغ بالوحل . إنّ مقاومة إسرائيل هي قبل الوطن وبعده، ولولاها لما كان هناك وطن. لولا حرب تمّوز يا ميشال سليمان لكان جنرالات العدوّ مقيمين في ثكن الجيش وينامون في مخادع كبار الضبّاط. . كان ميشال سليمان يستفيض في الحديث عن العدوّ الإسرائيلي في خطبه عندما كان قائداً للجيش، لكن خطابه تغيّر بعد ذلك. لعلّه تلقّى تأنيباً من الراعي الأميركي الذي تجاهله أثناء زيارته الأخيرة إلى نيويورك. عتب عليهم ميشال سليمان: من يلومه وهو الذي يفتح أبواب بعبدا على مصراعيها أمام أي زائر من أميركا، حتى لو كان مساعداً لمساعد لأصغر مساعد لوزيرة الخارجيّة الأميركيّة. صاحبكم ميشال سليمان بات صدّاحاً في الحديث عن خطر «الإرهاب» وهو يعني به «الإرهاب» الفلسطيني أو الأصولي الإسلامي فقط. لا يقصد بالإرهاب الإرهاب الإسرائيلي الذي عانى منه لبنان أكثر من أي معاناة أخرى.
القائد السابق للجيش، والقائد الأعلى الحالي للجيش، يطلب من الأمم المتحدة صون سيادة لبنان، لأنّ جيش لبنان متخاذل في المهمّة ولأنّ حضرة ميشال سليمان يرفض طلب الحماية من المقاومة التي شرّفت لبنان وتاريخه الذليل والمهين خوفاً من نقمة زعيم التحريض الطائفي والمذهبي في لبنان والذي لا يفعل إلا تنفيذ أوامر آل سعود (كم بدا ناصر قنديل ساذجاً هذا الأسبوع عندما صرّح بأنّ السعوديّة غير راضية عن أداء الحريري وتصريحاته، وكأنّ للرجل المعيّن خليفة لوالده من قبل الأمير سلمان سلطة قرار، لكن حلفاء سوريا في لبنان يصرّون على تبرئة السعوديّة من التآمر المستمر في موسم الانتفاضات وكأنّ قطر بعيدة عن التوجّه السعودي هذه الأيّام).
لكن لميشال سليمان رصيداً سياسياً. يزور جنوب لبنان لا للاطمئنان إلى أهله ومقاومته: يزور جنوب لبنان ليشكر قوات الـ«يونيفيل»: أنجيلا ميركل كانت صريحة جداً في كلامها إلى الشعب الألماني عندما قرّرت تعزيز اليونيفيل. لم تداور ولم تزّور على طريقة زعماء الطوائف عندنا. هل يزور القائد الأعلى للقوّات المسلحّة اللبنانيّة جنوب لبنان لتحيّة من يخرق بوجوده صلب السيادة اللبنانيّة (لن يغرّنا فتح الآبار وإقامة الحفلات ورشّ المزروعات بالمبيدات: يجب على المحطات الوطنيّة مثل «الجديد» ان تتوقّف عن بثّ الإعلانات الترويجيّة عن الـ«يونيفيل» والتي يشترك فيها بغباء عناصر من الجيش اللبناني. كان الجيش اللبناني يريد ان يقول: دول الغرب لا تثق بنا، فقد جلبوا لنا قوّة من إعداد الرجل الأبيض للتجسّس علينا ولتخدم الإسرائيلي. ويتضمّن إعلان ترويجي ضابطاً لبنانياً يزهو بأنّ الجيش ساهم بترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة. يزهو بحماية حدود العدوّ؟ هو يدعو الشعب اللبناني إلى عدم إقلاق راحة العدوّ).
ميشال سليمان يزهو ايضاً بتدويل القضاء اللبناني، وتمويل المحكمة الكونيّة أهم عنده من زيادة أجور العمّال. قادة لبنان، مثل الكثير من اللبنانيّين، يعانون عقدة الرجل الأبيض: كل ما يأتي من الرجل الأبيض مبارك ودليل على أهميّة لبنان. هناك في لبنان من سيهتف: «آه، الرجل الأبيض يولينا أهميّة، يا لأهميّتنا»، لو انهمرت صواريخ الناتو على رؤوس اللبنانيّين. السيئ الذكر أمين الجميّل وممثّل الأمير سلطان في لبنان، صائب سلام، كانا يزهوان باهتمام رونالد ريغان بلبنان، مع انّ الأخير كان صريحاً وقال إنّ اهتمامه بلبنان نابع من اهتمامه بإسرائيل. هل هناك جانب من السيادة في لبنان لم يبعه لبنان بثمن بخس من دول غربيّة؟ حتى بصمات اللبنانيين بيعت، أو مُنحت، لحلفاء إسرائيل حول العالم. شُرّعت أبواب الدولة أمام عملاء إسرائيل من كل حدب وصوب. سليمان كان قائداً للجيش عندما تسرّب غسان الجدّ وترفّع إلى منصب نائب رئيس الأركان (أي ثالث أعلى منصب في الجيش اللبناني قاطبة)، لكن من حاسب من وقّع قرارات التوقيع على ترفيع العميل الإسرائيلي الأوّل في لبنان؟ من كان مسؤولاً عن قرارات أدّت إلى تهريب الجد خارج لبنان؟ لا يضيف فخراً الحلف الوثيق لإلياس المرّ (لكن سليمان عاد وعتب على الماريشال المرّ بعدما فضح المرّ نفسه في «ويكيليكس»، إذ لم يترك أحداً لم يصوّب عليه بالنميمة والقدح والذمّ حتى والده. المايرشال المرّ من تركة رستم غزالة القذرة في لبنان).
لم يمرّ في تاريخ لبنان من احتلّ سدّة الرئاسة ولم يترك فيها أثراً مثل ميشال سليمان. هل ستذكره كتب التاريخ: قد تذكره كتب تاريخ اخرى لأنّه أصرّ في حمأة الصراعات المذهبية والطائفيّة أنّ لبنان يجب ان يصبح مركزاً لحوار الحضارات والأديان. مركز لصراع الطوائف والمذاهب؟ معقول جداً. هل يريد للناتو أن يأتي إلى لبنان ليحلّ أزمة السير؟ هل يريد للناتو أن يقصف بالصواريخ مواقع مخالفات الكهرباء (وهي واقعة في مناطق محض إسلاميّة، على ما يصرّح ـــــ لا يلمّح الوزير الطائفي الطموح، جبران باسيل، والذي يظنّ انّ مصاهرته لعون تجعله أكثر اللبنانيّين ذكاءً وقدرة وكفاءة).؟ هل يريد من الناتو ان تقصف الجبال والتلال لتسهيل عمل الكسّارات؟
ثم هناك سؤال مشروع يا رئيس لبنان. من المعروف أنّ السعوديّة ودولة الإمارات تغدقان مبلغاً من المال (هديّة) على كلّ رئيس لبناني جديد (كان المبلغ نحو 5 ملايين دولار في عهود سابقة)، هل يمكن أن نسأل عن هذا المبلغ؟ أخبرني الصحافي الرصين، رفيق خوري، انّ إلياس سركيس استعمل جزءاً من المبلغ ثم أودعه مع الأمين على أموال الدولة، أمين الجميّل. ماذا حدث للمبلغ؟ وهل كانت الهديّة النقديّة مُخالفة لسيادة لبنان؟ ثم ما سرّ الزيارة المفاجئة لدبيّ من قبل رئيس لبنان؟ ثم لماذا وكيف شكر حكومة دولة الإمارات على استضافتها للبنانيّين مع أنّ تلك الحكومة عملت على امتداد السنتيْن الماضيتيْن على طرد لبنانيّين بسبب انتمائهم المذهبي؟ لا نريد أن نصدّق انّ سليمان كان يبدي موافقة على الطرد المذهبي التعسّفي من قبل حكام النفط والساعين بحماسة إلى خدمة إسرائيل في المنطقة، والذين استضافوا فرقة من أغبياء الموساد لقتل مسؤول في حماس، لكن انكشاف أمر الفرقة أحرج الطرفيْن.
لا، يا ميشال سليمان. لا يحتاج لبنان إلى استعارة حماية أجنبية عدوّة مرّة أخرى. هل تريد أيضاً تنفيذ الطلب الأميركي لوضع قوّات غربيّة على الحدود مع سوريا؟ ولو كان الأمر بيدك، هل كان في لبنان قوات أجنبيّة متعدّدة: اليونيفيل وقوّة بحريّة «لحماية» أعمال التنقيب وقوّة على الحدود مع سوريا، وماذا أيضاً؟ ماذا لو طالب مجلس الأمن لبنان بقبول قوّات خاصّة ناتويّة مطعّمة بعملاء من إسرائيل للتفتيش عن قتلة رفيق الحريري؟
إنّ الدفاع عن لبنان لم يعد ملكاً للدولة اللبنانيّة. تخلّت عنه طوعاً منذ سنوات طوال. الدفاع عن لبنان وحتى تقرير مصيره الاستراتيجي لم يعودا بيد الدولة ولا حتى بيد الشعب اللبناني غير العظيم. كما في تاريخ مقاومات الاحتلال، تستولي المقاومة على مقدّرات الدولة. طبعاً، هناك في لبنان ما يحول دون ذلك. الدولة طائفيّة حتى العظم والفريق المركزي في المقاومة ذو بنية طائفيّة مُعيقة. لكن حقبة مقاومة الاحتلال لا تفرض فقط صمت المتسكّعين والمنتظرين بل محاكمة مرشدي الاحتلال وناصحيه على طريقة وليد جنبلاط ومروان حمادة وبطرس حرب وإلياس المرّ في «ويكيليكس».
إذا كنتَ، يا ميشال سليمان، عاجزاً عن تأمين حماية لأعمال التنقيب عن النفط والغاز في البحر، كما كان لبنان عاجزاً عن حماية الوطن من عدوان إسرائيل، فما عليكَ إلا الاعتراف بالعجز في خطاب طويل تصارح فيه الشعب اللبناني وتقدّم فيه استقالتك. لكن اطمئنّ. هناك من يتطوّع للدفاع عن لبنان. تنحّ ودع غيرك يقوم بالواجب الوطني. طبعاً، لن يحول ذلك دون استمرارك في السعي نحو الأسفار.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)