برّر وزير البيئة طلبه، بتخصيص المال المطلوب لمعالجة المكبات في منطقة جبل لبنان فقط، دون سواها، استنادا الى الكتاب الذي وجهه الى مقام مجلس الوزراء والمسجل في رئاسة مجلس الوزراء 29/1/2018، بـ«أن القسم الأكبر من محافظات بيروت وجبل لبنان وكسروان وجبيل أصبح بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 45 بتاريخ 11/1/2018، مخدوماً بمنظومة متكاملة لإدارة النفايات المنزلية الصلبة، وبغضّ النظر عن الأداء البيئي لهذه المنظومة، فإنه يقتضي بدء إغلاق وتأهيل المكبات في هذه المناطق، شرط استمرار الخدمة في مرفق النظافة الحيوي دون انقطاع».
وطالب في الكتاب المذكور نفسه «تكليف مجلس الإنماء والإعمار تأهيل هذه المكبات»، و«تكليف وزارة الداخلية والبلديات التعميم على البلديات ضرورة التقيد بالتعميم رقم 8/1 تاريخ 16/11/2015، المعدل بالتعميم رقم 7/1 تاريخ 16/11/2017، حول إرشادات الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة وتكليف الشرطة البلدية المراقبة والضبط لمنع الرمي العشوائي، وذلك تحت طائلة الملاحقة القضائية…».

كفالات المقالع للنفايات؟!

من دون أي تمحيص أو دراسة أو دراية، وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 15/2/2018 (قرار رقم 70) على مطالب وزير البيئة وعلى تكليف مجلس الإنماء والإعمار تأهيل المكبات كما ورد في اقتراح الوزير، إلا أنه طلب توفير مبلغ الـ 20 مليوناً المطلوب «من المبالغ الموجودة لدى المجلس الأعلى للمقالع والكسارات والتي يحددها وزير البيئة بعد إجراء جردة على حسابات المجلس»، و«نقل الاعتماد المتبقي، في حال عدم توافره بعد إجراء الجردة، من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة وزارة البيئة لعام 2018 على أساس القاعدة الاثني عشرية لهذه الغاية، وذلك استناداً إلى الكلفة الإجمالية المقدرة بـ 74 مليون دولار...». وكأن مجلس الوزراء يقول أن لا مال من الخزينة، وأنّ عليه أن يستعين بكفالات الذين قدموا على تراخيص للمقالع والكسارات! مع العلم أن هذه الكفالات مرتبطة بحسن سير عمل هذا القطاع، وقد حصلت نضالات لأكثر من 20 عاماً وحتى الآن لتنظيمه، دون جدوى، بسبب تقاسم عائداته بين القوى السياسية المسيطرة في المناطق كافة، والذين منعوا قوننته وتنظيمه، لكي تذهب معظم عائداته إلى جيوبهم بدل أن تذهب إلى خزينة الدولة. وكان الهدف من فكرة الكفالات المصرفية للمقالع والكسارات، منع العمل العشوائي والتشويه الحاصل في هذا القطاع، ومصادرة هذه الكفالة وإصلاح التشوهات في حال مخالفة المستثمر الشروط البيئية للاستثمار. مع العلم أن كل المستثمرين في هذا القطاع خالفوا أبسط الشروط، ويفترض مصادرة كفالاتهم لإصلاح قسم من التشويه المقونن (لوجود قسم أكبر من التشويه من دون تراخيص). فكيف سيكون التصرف بهذا الكفالات ومخالفة القوانين، أم أن كل شيء بات مستباحاً لأجل أهداف انتخابية وتمويل عملياتها؟!

تجاوز دراسة تحتاج إلى نقاش

في العودة إلى مقترحات وزير البيئة بحصر معالجة المكبات العشوائية في منطقة جبل لبنان دون سواها، فإن هذا الموضوع يطرح إشكاليات وعلامات استفهام عدة، منها أن هذا الاتجاه يتجاوز توصيات الدراسة التي استند إليها لعرض الموضوع على مجلس الوزراء والتي كانت قد وضعت معايير محددة لاختيار المكبات «ذات الأولوية»، وفي حين أن هذه الدراسة كانت تحتاج إلى نقاش، ولا سيما لناحية طرق دراسة المكبات وتصنيفها، أو لناحية المعايير التي وضعت لتقييم مدى خطورتها وإلحاحية معالجة ما هو ضروري وطارئ قبل غيره من المكبات… كانت هذه الدراسة على الأقل قد وضعت بعض المعايير العلمية، غير المناطقية، كما في اقتراح وزير البيئة، الذي حدد منطقة جبل لبنان عملياً دون سواها!
ثم إن الحجة التي يستند إليها الوزير، لاختيار هذه المنطقة، أي كون هذه المنطقة قد دخلت في حل مستدام، ليست مقنعة إطلاقاً، ولا هي واقعية ولا تستند إلى حجة قوية. ولذلك، هناك تخوف من أن تذهب هذه الأموال هدراً، لأن لا شيء يمنع من أن تعود النفايات إلى الطرقات أو إلى المكبات العشوائية. والدليل على ذلك، أن الخطة الطارئة عام 2016، التي اعتمدت على مطمري برج حمود والكوستا برافا، والتي كانت حياتها الافتراضية مقدرة لفترة أربع سنوات، استنفدت قدرتها الاستيعابية في سنتين، ولذلك أقر مجلس الوزراء توسيع هذه الخطة، خلافاً لأية معايير ودون محاسبة أحد على أسباب فشل هذه الخطة!

بين البيئة ومجلس الإنماء

كذلك إن المنطقة المقترحة لمعالجة مكباتها، هي من «حصة» مطمر برج حمود - الجديدة، الذي لم يشمله قرار مجلس الوزراء رقم 45 في 11/1/2018، لأسباب «انتخابية» (متنية تحديداً) كما يقال.

تمويل معالجة المكبات
من كفالات المقالع والكسارات!
ويذكر مجلس الإنماء والإعمار في تقريره إلى مجلس الوزراء في 6/12/2017 حول الخيارات المتاحة لتوسيع المطمرين، أنه عندما أقرت خطة الطوارئ في آذار عام 2016، كان مقترح موقع ثالث (بالإضافة إلى برج حمود ـ الجديدة) يخدم الشوف وعاليه (لم يؤمن) وعلى أساس أن بعض البلديات واتحادات البلديات ستنفذ مشاريعها اللامركزية وتخرج من الخطة المركزية (وقد مرّت سنتان على هذه الخطة ولم يحصل شيء من هذا! فعلى ماذا يراهن وزير البيئة ليبدأ بمعالجة المكبات في منطقة توقع التقرير نفسه لمجلس الإنماء والإعمار أن تبلغ السعة القصوى لمطمر برج حمود (zone c) نهاية عام 2017 (تكون قد انتهت الآن) وأن القدرة الاستيعابية في الجديدة (zone d) قادرة على استيعاب النفايات لمدة 14 شهراً فقط (تنتهي في أول آذار 2019)، أي بعد سنة فقط من الآن، مع العلم أن لا أحد من البلديات واتحادات البلديات في المتن وكسروان تقدم بمشروع جدي مستقل ومتكامل (مع مطمر بديل لبرج حمود) حتى الآن؟!

المخطط التوجيهي

في عام 2011، قامت وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بمساعدة تقنية من شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد بإعداد مخطّط توجيهي لإغلاق وإعادة تأهيل المكبّات العشوائية في لبنان. ومنذ ذلك الحين، أدى حدثان رئيسيان إلى ضرورة تحديث المخطّط التوجيهي لعام 2016، هما: أزمة اللجوء السوري وأثره، وأزمة جمع النفايات الصلبة والتخلّص منها التي بدأت في شهر تموز من عام 2015، مع إغلاق مطمر الناعمة الذي كان يخدم المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في بيروت وجبل لبنان (باستثناء قضاء جبيل).
هدف المخطّط التّوجيهي المحدّث عام 2016 لإغلاق وإعادة تأهيل المكبات العشوائية في لبنان إلى فهم وضع ونمط وديناميكية أنشطة المكبّات العشوائية منذ آخر مسح أجري كجزء من المخطّط التّوجيهي لعام 2016، مع مراعاة الحدثين المذكورين أعلاه؛ وتحديد المناطق المثيرة للقلق؛ وتحديد المكبّات ذات الأولويّة من حيث حاجتها إلى الإغلاق وإعادة التأهيل في ضوء آثارها المحتملة على البيئة، على أساس أنّ نموذج تحديد الأولويّات مطوّر لهذا الغرض؛ واقتراح خيارات إعادة التأهيل لكل مكبّ بناءً على «أداة قرار إعادة التأهيل»، ويعرض هذا التقرير المنهجية المتبعة لتحديث المخطّط التّوجيهي ويلخص استنتاجاته الرّئيسية وإجراءاته.

خيارات إعادة التأهيل

حول خيارات إعادة التّأهيل وتقديرات تكاليفها، رأى المخطط التوجيهي أن هناك اختلافات في إجراءات إعادة التّأهيل من مكبّ لآخر استناداً إلى مدى صعوبة الحالة وتوافر الحلول البديلة لإدارة النّفايات.
أُخذ أكثر من خيار لإعادة تأهيل مكبّات النّفايات المنزلية الصّلبة بالاعتبار، بينها الحفر، المعالجة الأولية ونقل النفايات إلى معامل لمعالجة النفايات و/أو إلى مطمر صحّي؛ أو النقل إلى مطمر صحّي؛ أو تحويل المكبّ إلى مطمر صحّي؛ والتسوية والتغليف ومعالجة الغازات والعصارة؛ بالإضافة إلى الحفر والمعالجة ونقل النفايات، أو الحفر ووضع طبقة عازلة، التسوية والتغليف ومعالجة الغازات والعصارة، أو التجميع مع النفايات الناتجة من المكبات الأخرى ثم ترحيلها إلى مطمر صحّي.
أما بالنّسبة إلى مكبّات نفايات البناء والردميات، فقد أُخذت أربعة إجراءات تصحيحيّة بالاعتبار: الفرز، الطحن وإعادة التدوير، والنقل إلى مكبات أخرى ذات أولويّة، أو إلى مطمر لنفايات البناء والردميّات موافق عليه، أو تسوية الأرض وردمها بالتربة وإعادة الغطاء النباتي إليها.

نموذج تحديد الأولويات

حدد المخطط التوجيهي نموذج لتحديد الأولويات لإعادة التأهيل بناءً على مؤشر الحساسية على المخاطر، وطُوِّر نموذجان لكل من النفايات المنزلية الصلبة وردميات البناء، ولم يُشَر إلى المكبات المختلطة مع أنواع نفايات أكثر خطورة. كذلك حُدِّدَت عشر سمات لتحديد الأولية في النفايات المنزلية الصلبة، منها ما هو جيولوجي كالصفات الحجرية وكثافة التصدع والفتحات وإمكانية التسرب، ومنها هيدروجيولوجي، والأخذ بالاعتبار البعد عن مجاري التصريف أو البعد عن ينابيع المياه، بالإضافة إلى البعد عن الأماكن السكنية، بالإضافة إلى الكميات وعامل رؤية المكب وعمق الطمر وعمر المكب. اختير 20 موقعاً من كل نوع بناءً على هذا الأساس. وقد اختيرت المواقع العشرون لمكبات النفايات في مناطق طرابلس، جبيل، المنية - الضنية (2)، البترون وعكار (3)، زحلة (2)، صور (2)، كسروان، المتن، صيدا (3)، جزين، بعلبك والنبطية. إلا أن ما عرضه وزير البيئة على مجلس الوزراء لم يأخذ بهذه المعايير!




تقديرات الكلفة

بحسب تقديرات المخطط التوجيهي يبلغ معدّل الكلفة الإجماليّة لإعادة تأهيل مكبّات النّفايات المنزليّة الصّلبة الـ 20 ذات الأولوية 35,660,000 مليون دولار أميركي. فيما تقدّر كلفة إعادة تأهيل مكبّات النّفايات المنزليّة الصّلبة الأخرى بنحو 24,550,000 مليون دولار أميركي.
كذلك يبلغ معدّل الكلفة الإجماليّة لإعادة تأهيل مكبّات نفايات البناء والردميات الـ 20 ذات الأولوية 6,324,000 ملايين دولار أميركي، فيما تقدَّر كلفة إعادة تأهيل المكبّات الأخرى بنحو 7,455,000 ملايين دولار أميركي.




الفصل بين النفايات والردميات

فصل المخطط التوجيهي بين مكبات النفايات الصلبة ومكبات الردميات (ولا سيما البناء)، واختار 20 موقعاً من كل صنف (نفايات أو ردميات) كأولويات من أصل 941 مكباً، مع العلم أن هناك مكبات اختلطت فيها النفايات مع الردميات مع نفايات غير منزلية (صناعية وطبية وحيوانية وإلكترونية…)، وكان يمكن أن تحتاج لأنواع معالجة مختلفة عن تلك المقترحة في المخطط التوجيهي الذي أعدته شركة خاصة ولم يحظَ بنقاش مفتوح وشفاف مع متخصصين ومهتمين ومعنيين!