تؤشر تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الموجهة إلى الوجود الإيراني في سوريا كما وردت في الكلمة التي ألقاها أمس في مؤتمر ميونيخ للأمن، على تفكير وربما توجه، يتعلق بضرورة نقل المعركة إلى مستويات أرفع وأكثر مباشرة مع الدولة السورية وحلفائها.
قراءة كلمة نتنياهو وما ورد فيها من تهديدات تستلزم قراءة هادئة ومرتبطة بإمكانات الطرفين وقدرتهما على تفعيل خياراتهما النظرية، وليس فقط المعاني المباشرة للكلمات التي ترد في تهديدات إسرائيل تباعاً، وكان آخرها تهديدات نتنياهو، وإن كانت بعينها تعد نقلة في سياق المواجهة بين الجانبين.
مع ذلك، تعني التهديدات الإسرائيلية كما وردت من ميونيخ في قراءة أولية إقراراً إسرائيلياً بفشل المساعي والخطط لمواجهة الدولة السورية وحلفائها المفعَّلة حتى الآن في الساحة السورية، إن بواسطتها هي (إسرائيل) مباشرة أو عبر حلفائها (الأميركيين وتوابعهم)، فشل لا يبدو أن بالإمكان جبره أو المراهنة على المزيد منه ضمن المستوى نفسه من المقاربة لهذه الساحة، الأمر الذي يدفع إلى التلويح بالانتقال إلى مستويات وخيارات أخرى بديلة وردت إشاراتها في كلمة نتنياهو عندما أكد أن إسرائيل لن تردّ فقط على «وكلاء» إيران، بل ستعمد إلى الرد عليها مباشرة.
رغم هذا، التهديد المشار إليه يراد منه الدلالة على وجود خيارات لدى إسرائيل، مع الاطمئنان إلى أن قدراً كبيراً من إرادة الترهيب واردة فيه، لكن يصعب التقدير أن بإمكان تل أبيب تنفيذه كخيار مجدٍ، حتى مع التسليم النظري بإمكان تنفيذه عملياً نظراً إلى معوقاته وموانعه وأثمانه.

بالإمكان قراءة
تهديدات نتنياهو
على أن العمل
العدائي ليس وشيكاً

واضح أن إسرائيل ترى، في هذه المرحلة، ضرورة إطلاق التهديدات وتعزيزها وتشديدها في وجه الدولة السورية وحلفائها، وإن كانت تركز في خطابها على الجانب الإيراني تحديداً في المحور المقابل لها. وهي تهديدات تتعلق بالمرحلة الحالية حصراً التي تتطلب قدراً من الوعيد دون أن تعني إمكانية معقولة لتحققها عملياً، إن لم «تمتثل» الدولة السورية وحلفاؤها لمحاولات الإملاء الإسرائيلية، التي تسمى الخطوط الحمراء. وللتذكير، ثبت وجود فروق في ما يتعلق بتهديدات إسرائيل، بين التهديد نفسه، وإمكان تنفيذه فعلياً.
كذلك، لا يمكن فصل مواجهة الأسبوع الماضي ونتائجها ودلالاتها في كشف موقف الجانبين وقدرتهما الفعلية على تنفيذ خيارات متطرفة، عن تهديدات إسرائيل أمس كما وردت على لسان نتنياهو. فمن ناحية تل أبيب، التي عمدت إلى محاولة تظهير موقف دفاعي جراء المواجهة وأسبابها، عبر رواية أن طائرة إيرانية مسيرة خرقت أجواءها وكانت هي السبب والمحرك للمواجهة نفسها، لم تعمد عملياً إلى ما يشير إلى أنها متوثبة وأن تهديداتها الاعتيادية المتواصلة ستترجم خيارات متطرفة ضد الدولة السورية وحلفائها. الرد الإسرائيلي جاء في أدنى مستوياته، رغم أن تل أبيب عمدت إلى رواية خرق الطائرة الإيرانية، ورغم إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة «إف 16» في الجليل الأسفل، ورغم تحليق الصواريخ السورية فوق تل أبيب، فضلاً عن أصل قرار التصدي السوري ومعانيه ودلالاته الاستراتيجية.
بناءً على ذلك، بات في الإمكان قراءة التهديدات الإسرائيلية، وتحديداً تهديدات نتنياهو في ميونيخ، لا بوصفها تهديدات دالّة على أن العمل العدائي الإسرائيلي المهدد به بات وشيكاً، أو يوجد توثب وتحفز إسرائيلي فعلي آني لتنفيذه، بل هو دالّ على فشل مقاربة إسرائيلية للساحة السورية في مرحلة ما بعد فشل المقاربة العسكرية للحرب السورية نفسها في تحقيق أهداف إسرائيل ومصالحها. وهي تهديدات دالّة على الفشل وضيق الخيارات أكثر من كونها دالّة على خيار عملاني توشك إسرائيل على تنفيذه.
رغم هذا التفسير الأكثر معقولية من التفسيرات التي تستند إلى المعاني المباشرة للكلمات الواردة في التهديدات أمس، فإن هذه التهديدات تظهر أن صانع القرار في تل أبيب وصل إلى الحد الذي لم يعد بإمكانه شنّ حروب ومواجهات محدودة المخاطر في سوريا، سواء بواسطته أو عبر حلفائه وأتباعه، وعلى النحو الذي كان متبعاً طوال سنوات الحرب السورية. الواضح أن الأوضاع وصلت إلى الحد الذي يستلزم من إسرائيل، إذا قررت تحقيق مصالحها كما يرد في خطوطها الحمراء المعلنة، أن تعمد إلى المجازفة مع تلقي الأثمان المقابلة، وهو بدوره يفسر تعاظم التهديدات وتراكمها، بل أيضاً انفلاتها وإفراطها، لعلها تحقق النتيجة المطلوبة بالضغط على أعداء إسرائيل من دون تلقي أثمانها، أي تجنب تنفيذها.
من هذه الناحية تحديداً تحضر أمام طاولة القرار في تل أبيب دلالات مواجهة الأسبوع الماضي، باعتبارها عينة أو نموذجاً لما يمكن أن تصل إليه الأمور في حال تجاوُز إسرائيل المحظورات وقررت المجازفة. يعني ذلك أن الكرة في ملعب تل أبيب التي لا تريد أن «تهضم» نتيجة الحرب السورية وخسارتها هي وحلفائها فيها، مقابل موقف الدولة السورية وحلفائها، الذين يترجمون بصورة طبيعية نتيجة الحرب التي خاضوها، وانتصروا فيها عسكرياً.
وكان نتنياهو قد رفع نبرة التهديد في وجه الوجود الإيراني في سوريا في الكلمة التي ألقاها ضمن فعاليات المنتدى الأمني، وقال إن «إسرائيل ستتحرك ضد إيران وليس ضد وكلائها فحسب في الشرق الأوسط إذا لزم الأمر»، مؤكداً مرة أخرى أن «طهران تمثل أكبر تهديد للعالم».
وبينما كان يمسك بقطعة مما قال إنها جزء من طائرة إيرانية من دون طيار، أشار إلى أنها أسقطت بعد أن دخلت المجال الجوي الإسرائيلي (مواجهة الأسبوع الماضي) ، قال نتنياهو إن «إسرائيل لن تسمح للنظام بلف حبل الإرهاب حول عنقنا». ودعا المسؤولين والدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين للتصدي لإيران فوراً، وعرض خريطة تظهر ما وصفه الوجود الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط. وقال إن إيران تزيد نفوذها بينما يسترد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» في العراق وسوريا أراضي من أيدي المتشددين. وأضاف: «المؤسف أنه بينما ينكمش داعش، تتوغل إيران، فهي تحاول إقامة هذه الإمبراطورية المتصلة حول الشرق الأوسط من الجنوب في اليمن لكنها أيضاً تحاول إنشاء جسر من الأرض من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة... هذا تطور خطير جداً بالنسبة إلى منطقتنا».