مضى عام تقريباً على خطف المواطن اللبناني قاسم تاج الدين. أين أصبحت قضيّته؟ صمت قضائي ودبلوماسي وحتى سياسي. لا جديد يُضاف إلى ما نشرته «سي أن أن» في آذار العام الماضي. لا يزال رهن التوقيف في أحد السجون الأميركيّة بشبهة «دعم حزب الله». لم يُعلَم إن كان المسؤولون اللبنانيّون قد أثاروا قضيّته، يوم أمس، مع وزير الخارجيّة الأميركي ريكس تيلرسون أثناء زيارته لبنان ولا مع مساعده دايفيد ساترفيلد «المقيم» هذه الأيام في بيروت.
لم تكن الطريقة التي أوقف بها تاج الدين مألوفة. أوقفته السلطات المغربيّة على أراضيها، أثناء مروره بها كمحطة سفر من أفريقيا نحو بيروت، وذلك نزولاً عند طلب الأميركيين الذين لا يُرفَض لهم طلب في أكثر دول العالم. لم يُعلَم ما الذي فعلته الدبلوماسيّة اللبنانيّة، منذ ذلك الحين إلى اليوم، مع المغرب لناحية عدم التنسيق في أمر التسليم. بعيداً عن العروبة والأخوة والشراكة وما شاكل، إنّما أقلّه في الشكل، بحسب أعراف العلاقات الدوليّة، ألم تكن تلك الخطوة بمثابة إهانة للبنان؟ أمّا الولايات المتّحدة، فهذا ديدنها، غطرسة واستعلاء واحتقار وقفز فوق كلّ قانون.
قبل نحو عشرين عاماً، زار وفد أميركي (أمني – دبلوماسي) وزير العدل اللبناني (آنذاك) بهيج طبّارة، وطلبوا أن يُسلّمهم القضاء اللبناني بعض المواطنين اللبنانيين ليُحاكموا على الأراضي الأميركيّة. رفض طبارة ذلك، إذ لا اتفاقيّة تبادل مِن هذا النوع بين البلدين، إضافة إلى عدم استحقاق أميركا مبدأ «التعامل بالمثل». كان لبنان قد طلب مِن الأميركيين، قبل ذلك، تسليمه أحد اللبنانيين المطلوبين للقضاء (ضمن ملف جرائم الحرب الأهليّة المحالة أمام المجلس العدلي). إلا أنّ ذلك لم يحصل. لذا، في المحصلة، رُفِض الطلب الأميركي. هذه مِن المواقف السياديّة اللبنانية النادرة تجاه أميركا تحديداً. آنذاك، كان المدّعي العام لدى محكمة التمييز هو القاضي عدنان عضّوم، وقد حضر ذاك الاجتماع وشارك طبّارة الموقف. في قضيّة تاج الدين، يبدو أنّ أميركا لم ترغب في تكرار التجربة، فقرّرت أن تحصل على ما تريد بطريقتها الخاصة، على طريقة القراصنة، بإنزال اللبناني مِن طائرته في المغرب وسوقه إلى ما وراء البحار. آخر ما عُرِف عن هذه القضيّة، بعيداً عن الإعلام، هو سماح وزارة العدل الأميركية لمسؤول أمني لبناني بالاجتماع بتاج الدين في مكان توقيفه، مع وعد بـ»حلحلة» القضيّة، ووضعه تحت المراقبة في ما يُشبه الإقامة الجبريّة. لم يحصل شيء مِن هذا بعد. أخلفت أميركا بالوعد. الأميركيّون يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إن أصيب أحد مواطنيهم بسوء في بلد آخر، ليسوا هم مَن يفعل ذلك فقط، كلّ دولة تعتبر أن كرامة كلّ مواطن فيها مِن كرامتها تفعل ذلك وأكثر. المسألة هنا في لبنان، في المسؤولين اللبنانيين، كيف يُعالجون قضايا كهذه؟ يُصبح هذا تفصيلاً عندما نرى، باستمرار، كيف يأتي الأميركي، وسواه أحياناً، إلى لبنان ويُهين اللبنانيين وهو على أراضيهم. لو أهان أحد في العالم المقاومة الفرنسيّة مثلاً، اليوم وبعد نحو سبعين عاماً على تلك الحقبة، هل تسمح له فرنسا بأن يدخل أراضيها بلا محاسبة؟ ألا تغضب دبلوماسيّاً، أقلّه، إن جاءت الإهانة مِن مسؤول حكومي؟ نحن، هنا، تُهان مقاومتنا، وتوصف بالإرهاب، ويُسمّى كل من هو جزء لا يتجزأ من بيئتها مجرماً... ثم نستقبل صاحب الإهانة مِن غير محاسبة، مِن غير مباحثة، ولا حتّى كلمة عتب.