الجزائر | ضربة قوية تلقاها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خلال الأسبوع الجاري، بسقوط عادل صغيري المكنّى بـ«هشام أبو رواحة» والمكلّف بالدعاية والتحريض في هذا التنظيم، وهو من بين الذين التحقوا في سن مبكرة بالجماعات المسلحة في بداية نشاطاتها سنة 1994، ضمن مجموعات انجرفت إلى العمل المسلّح ضد الدولة بعد نحو 3 سنوات من توقيف المسار الانتخابي الذي أسفر عن فوز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بأول انتخابات تشريعية في إطار التعددية الحزبية التي أطلقها دستور عام 1989.
ويُعدُّ أبو رواحة الذراع الإعلامية لتنظيم «القاعدة»، وهو مؤسس «شبكة الأندلس» على الإنترنت التي تبث أشرطة التنظيم ودروسه الدينية وتقوم بالدعاية والتجنيد لكسب منضمين جدد. وقد اعتمد التنظيم منذ فترة على الإعلام في شبكة الإنترنت من أجل إثبات حضوره على الساحة، وذلك بعدما تراجع بشكل كبير نشاطه الميداني متأثراً بسلسلة الهجمات والاعتقالات التي تعرّض لها عناصره، بفعل الضربات القوية للجيش الجزائري الذي اكتسب خبرة واسعة في مواجهة هذا التنظيم.
وجاء الإعلان عن إطاحة أبي رواحة في بيان نشره الجيش الجزائري، قال فيه إنّه «تمّ القضاء على إرهابيين خطيرين، الثلاثاء الماضي، خلال عملية عسكرية بمحافظة جيجل التي تبعد 400 كلم شرقي العاصمة، من بينهما المكنّى هشام أبو رواحة الذي كان مكلفاً بالدعاية والتحريض». وأوضح بيان الجيش أن الإرهابيين التحقا بالجماعات الإرهابية سنة 1994. وتسبق هذا النوع من العمليات في العادة، عمل استخباري طويل، ترصد فيه الأجهزة المتخصصة حركة الإرهابيين في مناطق عدة، من بينها جيجل المعروفة بجبالها الوعرة التي تجعلها معقلاً محصناً للعناصر الإرهابية.
ويأتي الكشف عن هذه المعلومات في سياق حصيلة نشرها الجيش الجزائري، عن عملياته العسكرية خلال شهر جانفي في إطار مكافحة الإرهاب، والتي أسفرت عن القضاء على 15 إرهابياً واعتقال 5 آخرين سلّموا أنفسهم للسلطات العسكرية وكذلك توقيف 23 عنصر دعم للجماعات الإرهابية، فضلاً عن كشف وتدمير 70 مخبأ للإرهابيين وحجز 44 قطعة سلاح و33 مخزن ذخيرة وآلاف الطلقات النارية من مختلف العيارات. وكانت وزارة الدفاع الجزائرية قد كشفت عن أن قوات الجيش تمكنت خلال عام 2017 من تحييد 90 إرهابياً وتوقيف 40 إرهابياً، من بينهم 5 نساء، واستسلام 29 إرهابياً وتوقيف 203 عناصر دعم وإسناد، والقبض على 9 تجار أسلحة.
وينتمي العناصر الذين يتم القضاء عليهم أو توقيفهم في الغالب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو التنظيم الوحيد تقريباً الذي لا يزال ينشط على التراب الجزائري، بعد الضربات التي تلقاها تنظيم داعش الذي اختفى من الساحة إثر القضاء على أبرز قادته عبد المالك قوري بعد ظهوره في سنة 2014. أما باقي التنظيمات الموروثة من فترة التسعينيات، فإن أغلب عناصرها رجعوا عن العمل المسلح واستفادوا من المصالحة أو انصهروا في تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» الذي أعلن عن نفسه في 24 كانون الثاني/ يناير 2007، وهي التسمية الجديدة لـ«الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بعد مبايعتها لتنظيم القاعدة العالمي. ومن بين أشهر الهجمات التي نفذها هذا التنظيم، التفجيران اللذان استهدفا في يوم واحد مقر الأمم المتحدة والمحكمة العليا في العاصمة الجزائرية، في 11 كانون الثاني 2007.
ومن أهم من تم اعتقالهم أو القضاء عليهم من هذا التنظيم، يبرز اسم صلاح قاسمي مسؤول الدعاية الذي اعتقل في 2012، إضافة إلى مسؤول الهيئة الشرعية (مفتي التنظيم) الذي قتل في 2007 والسعيد أبو زكريا، وهو مسؤول اللجنة الطبية الذي سقط في كمين للمخابرات عام 2009 واستفاد من المصالحة الوطنية. ومن أشهر رفاق هؤلاء، مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، حسان حطاب الذي سلم نفسه عشية الاستفتاء حول المصالحة في أيلول/ سبتمبر 2005. ويقول الصحافي بوعلام غمراسة المتخصص في الشؤون الأمنية، في هذا الموضوع، إنّ تنظيم «القاعدة» فقد الكثير من قدراته التنظيمية والعملياتية، لأسباب عدة؛ من بينها أن الجيش الجزائري اكتسب خبرة في ملاحقتها عسكرياً واستخبارياً، زيادة على أن هذا التنظيم فقد الكثير من قيادييه، منهم من قتل وآخرون تابوا عن الإرهاب، كما أن قدرته على التجنيد أصبحت ضعيفة.
ويشير خبراء أمنيون إلى أن الجماعات الإرهابية في الجزائر، لم تعد تحصي في صفوفها إلا عناصر قليلة جداً معزولة في تحركاتها وغير قادرة على الهجوم، إلا أن ذلك لا يلغي التحسب من إمكانية تنفيذها عمليات في المستقبل. ويبدو القلق متركزاً حالياً من خطر الجماعات الناشطة في دول الساحل، حيث أعلن تنظيم «القاعدة» عن تحالفه مع «داعش» في مالي لمواجهة قوة ساحل 5 والدول المتحالفة معها في المنطقة. وكذلك، يتخوف المسؤولون الجزائريون كثيراً من الوضع القائم في ليبيا التي تعاني من انفلات أمني قد يجعلها مكاناً مفضلاً لاستقرار بعض الجماعات. وفي هذا الشأن، صرح الوزير الأول أحمد أويحيى، في القمة الأفريقية الأخيرة، بالعاصمة الإثيوبية، بأن عودة الإرهابيين الموجودين حالياً في تنظيم «داعش» بسوريا والعراق إلى بلدانهم الأصلية في أفريقيا، يشكل تهديداً كبيراً لأمن القارة.