القاهرة | بائسة مصر! كلما تنفست الصعداء عابرة نحو الديموقراطية، جاء من يعيدها سنوات إلى الوراء. الآن، على مرأى ومسمع من الجميع في الداخل والخارج، تجري على قدم وساق عملية تتويج الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيساً لفترة ثانية (2018-2022). لا شيء ينقص هذه الانتخابات حقيقة إلا أن تجري على وقع أغنية «اخترناه» التي غنتها الفنانة التونسية لطيفة/ للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2005.
وبمناسبة الحديث عن عهد مبارك، لم ينجح النظام السياسي الحالي في مصر حتى الآن في جعل انتخابات الرئاسة 2018 على قدر «تمثيلية 2005» التي جرت لأجل الرئيس المخلوع، والتى شكّلت أول انتخابات تعددية في مصر منذ ثورة يوليو 1952. في حينه، نجح عشرة أشخاص في الوصول إلى مرحلة الترشح للرئاسة، كان أبرزهم بالطبع أيمن نور زعيم «حزب الغد» السابق، فيما ترشح عن «حزب الوفد» نعمان جمعة. حصل أيمن نور على نسبة 7.3 في المئة من الأصوات، بينما حصل مبارك على 88 في المئة. أما نعمان جمعة، فقد حصل على نسبة 2.9 في المئة من الأصوات التي بلغت وقتها أكثر من 7 ملايين ناخب من مجموع ناخبين مسجلين بلغوا 30 مليون ناخب.
وخلال انتخابات 2005، استطاع أيمن نور أن يقوم بجولات انتخابية ومؤتمرات، هاجم بعضَها رجالُ «الحزب الوطني»، لكنه في النهاية كان بإمكانه التحرك في مصر ومقابلة جمهوره، بل واستطاع العاملون معه مراقبة الانتخابات والدعوة إلى انتخابه في محافظات الجمهورية.
أما اليوم، فها هي مصر تعود إلى ما يشبه الاستفتاء على ولاية جديدة للرئيس السيسي، الذي رفض نظامه أن ينافسه الفريق أحمد شفيق، ثم كان ما حدث مع الفريق سامي عنان، ثم انسحاب خالد علي من المنافسة. وحتى اللحظات الأخيرة كان «حزب الوفد» قد أعلن تأييده للسيسي فى الانتخابات المقبلة، رافضاً ترشيح رئيسه السيد البدوي، وذلك بعدما عقد الحزب وهيئته العليا اجتماعات متتالية للاستقرار على اسم ليترشح في الانتخابات، وانتهى إلى قرار عدم اختيار مرشح.
بالطبع، حتى إذا نافس السيسي نفسَه في الانتخابات المرتقبة، فسيكون عليه الحصول على نسبة 5 في المئة من الأصوات، وفقاً لمقتضيات الدستور. وقد يثير هذا الأمر مخاوف النظام، إذ لا أحد يضمن مشاركة 3 ملايين ناخب.
رئيس «حزب الدستور»، خالد داود، وهو العضو البارز فى حملة خالد علي، قال قبل أيام قليلة إنّ انتخابات 2005 ترشح فيها أكثر من شخص، ورغم ما حدث لأيمن نور بعدها، إلا أنّ انتخابات 2018 يحدث فيها العكس، إذ إنّ عرقلة المرشحين تجري قبل الترشح. وأضاف داود أن خالد علي مثلاً كان يريد الاستمرار في المعركة الرئاسية، لكن ما حدث للفريق عنان ومن قبله للفريق شفيق، جعل أمر المشاركة في الانتخابات غير مطمئن. وكان خالد داود صريحاً حينما شدد على أنّ مصر تجني الآن ثمار أربع سنوات «من قتل السياسة فيها، وتعمُّد تغييب الأحزاب وتقسيمها، وتشويه المعارضين وحبس وسجن الشباب».
ربما الشبه الوحيد بين انتخابات 2005 و2018 أنّ السيد أحمد الصباحي الذي ترشح للرئاسة وقتها، أعطى صوته للرئيس حسني مبارك، رغم كونه أحد المرشحين أمامه في الانتخابات. والسيد البدوي إذا كان قد ترشح بدوره مستقلاً في الانتخابات الحالية، فهو بالتأكيد سيعطي صوته للرئيس السيسي. صحيح أنّه لم يقلها، لكن ربما الأطفال في مصر يعرفون أن صوت السيد البدوي للسيسي مهما حدث. فقد أعلن البدوي في 12 كانون الثاني الجاري أن «حزب الوفد» لن يُرشح أحداً في انتخابات الرئاسة، وبرر الحزب وقتها في بيان قائلاً: «نعرف من هو الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما يملكه من إرادة وعزيمة، فإنه الوحيد القادر على تحقيق إنجاز ظلّ المصريون يحلمون به لأكثر من 60 عاماً... وهو إقامة نظام ديموقراطي سليم وحقيقي».
أحمد الشاعر، وهو المتحدث الرسمي باسم «حزب مستقبل وطن»، قال إنهم في الحزب تمنّوا أن يكون هناك أكثر من مرشح في الانتخابات الرئاسية، وذلك من أجل التجربة الديموقراطية في مصر، لكن هذا لم يحدث. وختم الشاعر حديثه بالتساؤل: ما الذي منع الأحزاب السياسية في مصر من العمل في السنوات الماضية؟