لم تكد تهدأ حدة المواجهات التي اندلعت أول من أمس في مدينة عدن جنوب اليمن بين ميليشيا «الحزام الأمني» وبين الألوية التابعة للرئيس المستقيل، حتى تجدّد اشتعالها يوم الإثنين، موقِعةً المزيد من القتلى والجرحى، ومسفِرةً عن تبدلات إضافية في خارطة السيطرة العسكرية التي استقرت معطياتها على نحو ما ليل الأحد - الإثنين.
وفيما بدا أن «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المحسوب على أبو ظبي، مدفوعاً بنشوة التقدم الذي أحرزه يوم الأحد، كان يحاول إسقاط ما تبقى من معاقل حكومية غير قليلة داخل عدن، ظهرت القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي وكأنها استعادت زمام المبادرة، وانتقلت من موقع الدفاع إلى الهجوم، محاوِلةً السيطرة على أبرز المعسكرات المحسوبة على رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، في جبل حديد. وما بين الفريقين، ظلت قيادة «التحالف» في موقع المتفرج، وإن مال كل من طرفيها، السعودي والإماراتي، إعلامياً، إلى جبهة من الجبهتين المتضادتين، من دون أن يُترجم ذلك إلى خطوات عملية.

لم تتمكن قوات
«الانتقالي» من استقدام
تعزيزات من شبوة وأبين

وتجددت الاشتباكات يوم أمس بعدما حاولت ميليشيات «الحزام الأمني»، التابعة لـ«الانتقالي»، السيطرة على مقر قوات الأمن الخاصة الموالية لهادي في حي الصولبان في مديرية خورمكسر، وكذلك قصر معاشيق في مديرية كريتر والذي تتخذه حكومة أحمد عبيد بن دغر مقراً لها. محاولات قوبلَت بتنفيذ قوات معسكر بدر الموالية لهادي تهديداتها بالتدخل في المعركة، عبر قيامها بقصف قوات اللواء أول مشاة التابعة لـ«الانتقالي» في جبل حديد بخورمكسر بقذائف الدبابات للمرة الأولى منذ بدء المواجهات، ومن ثم محاصرته وفق ما أفادت به بعض الأنباء. ولعلّ هذا هو ما أسهم في تعديل ميزان القوى إلى حدّ ما لصالح قوات «الشرعية»؛ بالنظر إلى الأهمية التي يحظى بها معسكر جبل حديد، الذي أُنفقت ملايين الدولارات على تجهيز عناصره وتدريبيهم، ليضحي القوة الضاربة بيد رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، والتي يفقد الأخير من دونها رافعة أساسية من روافع نفوذه.
تحسّب «الانتقالي» لاحتمالات هذا التدخل دفعه إلى طلب تعزيزات من القوات المحسوبة عليه في كل من شبوة وأبين ولحج والضالع، إلا أن تلك التعزيزات لم تأتِ في الشكل الذي اشتهاه المجلس. إذ إن قوات «الحزام الأمني» في أبين انقسمت ما بين مؤيد لـ«الانتقالي» ومناصر لـ«الشرعية»، الأمر الذي حال دون تدفق قوة منها ذات ثقل إلى عدن. وعلى خط شبوة - عدن، منعت قوات «الحزام» الموالية لهادي قوات «النخبة الشبوانية» من سلوك طريقها إلى المدينة لمساندة ميليشيات «الانتقالي» هناك، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين فريقَي «حزام أبين» المنقسم (بين عبد اللطيف السيد المحسوب على هادي ومحمد العوبان الموالي للانتقالي) أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى. وبذلك، لم تجد قيادة «الانتقالي» أمامها إلا التعزيزات التي جاءتها من محافظتي الضالع ولحج، واللتين تُعدّان أساساً معقلاً رئيساً لها.
في ظل هذا الوضع، وجدت حكومة هادي فرصة لتصعيد موقفها ضد «الانتقالي» والتشنيع عليه، بعدما بدت أول من أمس في موقع المستنجد بـ«التحالف». واجتمع الرئيس المستقيل، الإثنين، في مقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض، بعدد من وزرائه ومستشاريه وممثلي القوى السياسية المؤيدة للعدوان. وصدر عن الاجتماع بيان وصف ما جرى في عدن بأنه «خطوات انقلابية، وتمرد مسلح، وسلوك عبثي مرفوض»، معتبراً أن «تلك الأعمال ليست عفوية، وتضع أكثر من علامة استفهام حول الجهة المستفيدة منها». وأكد أن «أي حرف لمسار هذه المعركة سيواجه بحزم وقوة»، لافتاً إلى أن «الإصرار على التصعيد يُعتبر تحدياً سافراً لدعوات السلام الصادرة عن التحالف العربي»، داعياً من سمّاهم «الواهمين» إلى «مراجعة أهداف وغايات التحالف العربي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، والمواقف الدولية الموحدة تجاه اليمن وقضيته، وعدم المقامرة والتضليل سعياً وراء تحقيق مصالح شخصية، والمتاجرة بقضية يعرف الجميع أن الشرعية أحرص عليها، وحققت لها ولا زالت مكاسب فعلية عكستها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل»، في إشارة إلى مطالبة قيادات «الانتقالي» بالعودة إلى وضع ما قبل العام 1990، أي وضع الدولتين.
على مقلب «التحالف»، لم يغاير الموقف البيان الذي صدر عشية اندلاع الاشتباكات، والذي دعا إلى «التهدئة وضبط النفس والحوار». إذ عقد المتحدث باسم قيادة «التحالف»، تركي المالكي، أمس، مؤتمراً صحافياً في الرياض، طالب فيه بـ«وقف المواجهات والاستماع إلى لغة الحوار للوصول إلى تفاهمات»، معتبراً أن «الأمور في عدن ستتجه نحو الأفضل». وأشار المالكي إلى أن «هناك بعض الخلل، وهناك مطالبة شعبية»، حاضاً ما سماه «المكون السياسي»، الذي يبدو أنه يقصد به «المجلس الانتقالي»، على «الاجتماع وضبط النفس، وكذلك تغليب الحكمة والتباحث مع الحكومة الشرعية»، حاثاً حكومة هادي في الوقت نفسه على «النظر في مطالبات المكون السياسي والاجتماعي». وشدد على ضرورة «التركيز على المعركة ضد الميليشيات، وتلافي أي أسباب تؤدي إلى الفرقة».
وفي موازاة ذلك الموقف، برز تمايز بين الضفتين السعودية والإماراتية في التوصيف الإعلامي لما يدور في عدن. إذ أبدت وسائل إعلام السعودية ميلاً إلى تبني وجهة نظر «الشرعية»، من خلال إبراز مواقف حكومة هادي والتشديد عليها، فيما أظهرت وسائل إعلام الإمارات انحيازاً لصالح مناوئي «الشرعية» وإن لم تبدِ تأييداً لتحركات «الانتقالي». وبرز، يوم أمس، في هذا السياق، ما أورده موقع «إرم نيوز» الإماراتي شبه الرسمي، نقلاً عما سماها «مصادر دبلوماسية خليجية»، من أن «دور الإمارات مرسوم ومتفق عليه وتحت قيادة التحالف الذي تقوده السعودية»، وأن «محاولات الوقيعة بين البلدين فشلت في الماضي وستفشل في المستقبل». ورأت المصادر أن «فشل الحكومة الشرعية... يجعلها تسعى من جهة لتحميل التحالف العربي كل مسؤولياتها، وتريد جره لخوض صراعاتها السياسية مع الأطراف اليمنية الرافضة لممارسات حكومية فاشلة، ومن جهة أخرى تعمل أيضاً على الوقيعة بين السعودية والإمارات».
إزاء ذلك، تعرب مصادر سياسية جنوبية عن اعتقادها بأن كلاً من طرفي قيادة «التحالف» لم يتخلّ عن رهاناته على الميليشيات الموالية له، إلا أنه يكتفي راهناً بمراقبة الميدان وانتظار ما ستؤول إليه المواجهات حتى يبنى على الشيء مقتضاه. إلا أنه، ومع ما تقدم، تبقى الكلمة الأخيرة، بحسب ما ترى المصادر نفسها، للسعودية، التي لا يبدو أنها حالياً في وارد التخلي عن «الشرعية»، من دون أن يعني هذا التمسك برئيس حكومة هادي ووزير داخليتها.
(الأخبار)