يتابع كيان العدو مسلسل تشريع القوانين التي تشكّل إحدى أهم آليات تهويد فلسطين، وجديده أن «الكنيست» يفترض أن يُصوِّت خلال الأيام القريبة على مشروع قانون فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة. ويأتي طرح هذا الاقتراح بعد نحو شهر من تصويت اللجنة المركزية لحزب «الليكود» على فرض السيادة الإسرائيلية على كافة المستوطنات (لم ينص قرار الليكود على فرض السيادة على الضفة، بل على المستوطنات فقط، وهو ما يلتقي مع روح الاقتراح الجديد).
على المستوى السياسي، يأتي هذا الاقتراح، أيضاً، بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، وبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل، ورفعها عن طاولة المفاوضات، وبعد الهجمات اللاذعة التي شنّها على الطرف الفلسطيني. ومن الواضح أن افتراض استكمال تشريع هذا القانون يعني عملياً تتويجاً قانونياً لمراسم إنهاء عملية التسوية، وإعلاناً رسمياً مذيّلاً بختم قانوني، أن على السلطة الفلسطينية التخلي عن وهم إمكانية التوصل إلى تسوية نهائية. لذلك، يبدو أن الجهات التي دفعت إلى التصويت على هذا الاقتراح تحديداً، إنما أرادت اختبار القوى السياسية ودفعها إلى معرفة مدى استعدادها وجديتها في تنفيذ قرار ضم المستوطنات، ومحاولة دفعها لتحويله إلى حقيقة قائمة. لذلك، لفتت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن «طريق هذا المشروع (ضم الضفة) لن يكون سهلاً، ومن المتوقع أن يسبب عدم ارتياح لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو».
في كل الأحوال، الدلالة التي ينطوي عليها هذا الاقتراح أنه يأتي في سياق سلسلة مبادرات لسنّ مجموعة من القوانين، قانون القدس الموحدة، الذي يحظر نقل أي أجزاء من القدس المحتلة في أي تسوية مستقبلية، إلا بموافقة 80 عضو كنيست، وتصديق الكنيست في قراءة تمهيدية على «قانون الإعدام» الإشكالي، إضافة إلى قوانين أخرى، تتصل بالتجاذبات الداخلية. وبعيداً عمّا إذا كان «الكنيست» سيستكمل تشريع هذا القانون في فترة قريبة أو ستجري فرملته لاعتبارات دولية وإقليمية، بحسب القانون الإسرائيلي، أي مشروع قانون يحتاج إلى التصديق عليه في قراءات ثلاث حتى يتحول إلى قانون نافذ.
سواء صُدِّق على القانون أو لا، فإن القوانين التي سُنَّت، والمساعي التي يبذلها القادة الصهاينة، تأتي أيضاً ترجمة للمحتوى الإيديولوجي الذي تختزنه المؤسسة الإسرائيلية، لكنّ قيوداً سياسية وغير سياسية حالت في السابق دون تحويلها إلى وقائع حتى الآن. وتنفيذاً لقرار الانتقال إلى مرحلة شرعنة الواقع الاستيطاني الذي فرضته إسرائيل طوال السنوات الماضية، وتضاعفت وتيرته منذ ما بعد اتفاق اوسلو.
من الواضح أنهم في تل أبيب يتعاملون مع وجود دونالد ترامب في البيت كفرصة تاريخية تسمح لهم باستكمال تنفيذ مخططاتهم المتصلة بأرض فلسطين وشعبها، وبوتيرة أسرع وأوقح من السابق، وعلى هذه الخلفية نشهد هذا التسارع في الخطوات السياسية والقانونية في «الكنيست» التي تجسد قرار اقتناص الفرص السياسية والتاريخية، وتترجم مخططات التهويد.
مع ذلك، إن التنافس السياسي والقانوني، ينطوي أيضاً على أبعاد داخلية. فكل حزب من معسكر اليمين يحاول تعزيز مكانته الشعبية، وتحديداً حزب «الليكود» الذي يتعرّض لنكسات سياسية وشعبية بفعل تهم الفساد الموجهة إلى رئيسه بنيامين نتنياهو.
ولا يخفى أن أي تطور قضائي دراماتيكي يتصل بنتنياهو سيؤدي إلى دينامية سياسية داخلية من الصعب الجزم بالمسار الذي ستسلكه. نتيجة ذلك، تستعد الأحزاب لسيناريو إجراء انتخابات مبكرة، ويحاول كل منهم تعزيز مكانته الشعبية. ويدرك حزب «الليكود» أن مثل هذه القوانين تعزز مكانته لدى الجمهور اليميني عموماً، والمستوطنين خصوصاً.
على خط موازٍ لسياسة التهويد، حذّرت أجهزة الأمن الإسرائيلية، القيادة السياسية، من تداعيات خفض المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، وإمكانية أن ينعكس ذلك على التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، التي تعترف بأن لها دوراً استراتيجياً في إحباط العمليات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. ومع أن هذه الأجهزة، تعتقد أيضاً ــ بحسب تعبير ضابط رفيع ــ بأن وجود وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين، «أونروا»، تساهم في إطالة الصراع، وديمومة مشكلة اللاجئين، لكنه لفت إلى أن وجودها ودورها يحولان دون نشوب جولة مقبلة من القتال، وهو ما يعكس أن الأجهزة الأمنية تتخوف من حشر الطرف الفلسطيني، بما فيه «السلطة»، تفادياً لانفلات الأمور.
في سياق متصل، أرجأت الحكومة الإسرائيلية التصويت على شرعنة البؤرة الاستيطانية «حفات غلعاد»، رداً على مقتل حاخام مستوطن بالقرب منها. وأوضح نتنياهو أنه سيعمل على طرح المشروع للتصويت في الأسبوع المقبل، وأن التأجيل يعود لأسباب تكتيكية. في المقابل، تعتقد الأجهزة الأمنية أن تسوية البؤرة الاستيطانية غير ممكنة قانونياً، وهو ما حال حتى الآن دون انطلاق محاولة شرعنتها.