في كتابه الأنطولوجي «الشعر السوري المعاصر» الذي صدر بالفرنسية والعربية عن دار «لوكاستور أسترال» في باريس، يوزّع صالح دياب تاريخ الشعرية في سوريا الكبرى إلى أربع حداثات شعرية، يفتتحها بالتجارب المبكّرة للشاعرين خير الدين الأسدي وأورخان ميسّر، ثم يتوقّف عند تجارب شعراء «مجلة شعر» البيروتية (يوسف الخال، وتوفيق صايغ، وفؤاد رفقة، وكمال خير بك، ونذير العظمة)، كما يرصد التجربة الصوفية في شعر بدوي الجبل، وقصائد حب من عمر أبو ريشة، والتجربة المتفرّدة لنزار قباني الذي لم ينخرط حزبياً على غرار معظم شعراء هذه الحقبة.
ذلك أن معدّ الانطولوجيا يربط أسماء الشعراء بالانتماءات الحزبية كخلفية لتجاربهم، خصوصاً الحزب القومي السوري الاجتماعي، والحزب الشيوعي، فيما تعبّر الحداثة الثالثة المتمثلة بتجارب شعراء السبعينيات عن توجه يساري صرف، مثل نزيه أبو عفش، وبندر عبد الحميد، وعادل محمود، ورياض الصالح الحسين، ومنذر مصري، بالإضافة إلى سليم بركات كحالة لغوية تجريبية في المقام الأول.
أما الحركة الرابعة في الحداثة السورية، وفقاً لهذه الأنطولوجيا، فقد أتت مع تجارب «ملتقى شعراء جامعة حلب» كأنموذج لمختبر جديد خضع لتأثيرات ومصادر ومنابع ساهمت في تشكيل هذا الجيل، خصوصاً، تحت تأثير الشعر العالمي المترجم، قبل أن ينطفئ معظمه عند تخوم المأساة السورية اليوم. ويشير صالح دياب، وهو شاعر وناقد سوري مقيم في باريس، إلى أهمية تجربة نزيه أبو عفش التي عكست بحق مأساة السوريين اليوم، بعيداً عن رطانة الأصوات الناشزة التي وضعته في موقع الاتهام، نظراً لمواقفه المضادة في تفسير ما يجري في/ وعلى الخريطة السورية المحتضرة. صمّم غلاف الكتاب الذي يقع في 400 صفحة التشكيلي المعروف يوسف عبدلكي.