برزت خلال الأيام القليلة الماضية جملة مواقف وتطورات متصلة بالشأن اليمني، أوحت بإمكانية عودة المسار السياسي إلى الواجهة مجدداً، تمهيداً للدفع باتجاه حل الأزمة. وكان آخر تلك التطورات يوم أمس اجتماع اللجنة الرباعية بشأن اليمن في العاصمة البريطانية لندن، بمشاركة السعودية والإمارات والولايات المتحدة إلى جانب بريطانيا.

وبحسب وزارة الخارجية البريطانية، فإن الاجتماع بحث «الخطوات المقبلة بشأن العملية السياسية في البلاد»، وتخلّله تشديد وزير الخارجية، بوريس جونسون، على أن «التوصل إلى حل سياسي متفاوض عليه بعناية هو ما سيؤدي حقاً إلى إنهاء المعاناة».
سبق ذلك بساعات إعلان الأمم المتحدة إعفاء مبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من مهماته، وبدء سريان الحديث عن أن من سيخلفه في المنصب هو البريطاني مارتن غريفثتن، الذي يُروَّج له بوصفه مقتنعاً بأن الأزمة في اليمن استثنائية وذات بعد إنساني، وبأن فرص الحل تتضاءل مع مرور الوقت.
ويوم الأحد الماضي، انعقد ما سُمّي «الاجتماع الاستثنائي» لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في الرياض، الذي غابت عنه معظم الوجوه الوزارية، ليحلّ بدلاً منه سفراء تلك الدول في المنظمة، الذين أصدروا بياناً أدانوا فيه «بأشد العبارات» عمليات إطلاق الصواريخ على الداخل السعودي، متهمين إيران بالاستمرار في تزويد «أنصار الله» بالصواريخ الباليستية، في محاولة من قبل السعودية للظهور بمظهر الضحية، والتعمية على الوضع الإنساني الكارثي في اليمن، حيث يفتك الجوع والمرض، إلى جانب المجازر، بعشرات ملايين اليمنيين.

تسعى واشنطن
ولندن إلى تلميع الصورة القاتمة في اليمن


عقب ذلك بيوم واحد، انعقد في الرياض أيضاً اجتماع لوزراء خارجية دول «التحالف العربي»، أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على إثره، تقديم «مساعدة إنسانية جديدة» إلى اليمن بقيمة 1.5 مليار دولار. مساعدة سارع وزير الخارجية البريطاني إلى الترحيب بها، خصوصاً أن إعلانها جاء مباشرة في أعقاب إطلاق الأمم المتحدة خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2018، التي يتطلب تنفيذها قرابة ثلاثة مليارات دولار. وقد سبقت إعلانَ المساعدة السعودية مبادرة الرياض إلى وضع وديعة جديدة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي اليمني في عدن.
كل تلك التطورات أوحت بأن أفق الأزمة قد يشهد انفراجة سياسية قريباً، لكن التدقيق في ما وراء «البيانات الإنسانية» ومقارنتها بما يدور على الأرض يشيان بأن الغاية ليست إلا الحصول على صكّ براءة من المأساة الدائرة فصولها في اليمن، والتي باتت تُعرف لدى المنظمات الإنسانية والإغاثية الدولية بأنها أسوأ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد تتالي المشاهد والتقارير الهائلة على نحو لا يمكن التستير عليه.
هكذا، تسعى كل من واشنطن ولندن إلى تلميع الصورة القاتمة القادمة من اليمن، وتسويق الادعاءات بشأن التزامهما القواعد الأخلاقية والإنسانية للحرب، استناداً إلى ظنهما أن حملة علاقات عامة ستكون كفيلة بتقليص حجم المعاناة إعلامياً، في خضم حرب غير متكافئة وصلت إلى طريق مسدود منذ شهورها الأولى. يضاف إلى ذلك أن الحملة الإعلامية هذه تُعدّ، بالنسبة إلى السعودية والإمارات، محطة لالتقاط الأنفاس، والتزود بالإنعاش الضروري، بعد مدة من إنكارهما الواقع، ومحاولتهما التعويض عن الفشل بالاقتصاص من المدنيين وتصعيد الضغوط عليهم.
وتأتي تلك الحملة بعد فشل محاولات «التحالف» إدماء صنعاء، من طريق زرع الفتنة بين أبنائها، قبيل مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعد مقتله أيضاً، وارتداد المحاولات المذكورة على أصحابها (السعودية والإمارات) ومن يؤمن لهم الغطاء لدى الرأي العام العالمي (واشنطن ولندن). وإذا كانت الرياض وأبو ظبي غير مكترثتين لما ترتكبانه بحق الشعب اليمني - وهذا هو التوصيف الدقيق لحالة الإنكار التي تعيشانها - إلا أنهما تنصاعان للإرداة الغربية التي هي جزء من الحملة اللاإنسانية تجاه اليمن (مجازر، حصار، تجويع، أمراض). وفي الوقت الحاضر، يجد الجميع أنفسهم في أمسّ الحاجة إلى تغيير هذه الصورة، وهو ما يفسر كثرة التصريحات والوعود برفع الحصار وتسريع عمليات الإغاثة ومعالجة الوضع الإنساني، مقابل انعدام الأفعال والمبادرات على هذا الصعيد.
المتغير الوحيد الذي استدعى هذا التحرك، هو استشعارهم ضرورة تخليص أنفسهم من صورة الجرائم التي تلاحقهم، والتحلل من تبعاتها، وإلا فإن «التحالف» ومَن وراءه مستمرون في انتهاج السبيل الأوحد لديهم، وهو الخيار العسكري الميداني، وما غير ذلك يحتاج إلى دليل لإثباته.