منذ احتلالها الشطر الشرقي من القدس في حزيران 1967، وتشكيلها إدارة عسكرية قادها آنذاك من مقر الحكم في فندق «الأمباسادور»، رئيس بلدية تل أبيب السابق، شلومو لاهط، لم تستطع إسرائيل «الرسو على بر» مع المقدسيين. لكن الواضح أن الاحتلال دفع منذ ذلك الحين بسلسلة من الإجراءات التي ترجمت هدف الحرب، وهو: توحيد القدس كـ«عاصمة يهودية لإسرائيل». فعلى الأرض، أزال الحواجز كافة التي فصلت بين شرقيها وغربيها، ثم وجد نفسه أمام واقع تجب فيه إدارة شؤون السكان الفلسطينيين الذين أصبحت مناطقهم بموجب الحرب خاضعة له قانونياً وإدارياً.
بعد عامين على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، خطة لإقامة جدار الفصل العنصري، فأُخرجت بموجبها عدّة أحياء فلسطينية من المدينة، علماً أن بعضها لا تزال رغم الفصل تقع ضمن حدود بلدية الاحتلال في القدس.
أما المشروع «الجديد» للتعامل مع هؤلاء، بعد القرار الأميركي الأخير بشأن المدينة، فهو الإمكانية التي يناقشها جيش الاحتلال حالياً لفرض الحكم العسكري. ووفق ما كشفته صحيفة «هآرتس» في تقرير أمس، «يفحص الجيش إمكانية فرض سيادته العسكرية على أحياء سكنية فلسطينية في القدس المحتلة، وكيفية تحمله مسؤوليتها الأمنية». والمناطق التي تنخرط ضمن هذه الخطة هي الأحياء التي عزلها جدار الفصل عن المدينة المحتلة، علماً أنها تشمل مخيم شعفاط للاجئين، وبلدة كفر عقب، وهما منطقتان أصبحتا بموجب عزلهما تعيشان واقعاً اجتماعياً متردياً يتصف بانتشار الفوضى والعنف والفقر بين السكان، في نتيجة للإهمال الخدماتي.

عدد الفلسطينيين الذين تستهدفهم الخطة يراوح بين
100 ألف ــ 150 ألفاً

ومن يتولى مناقشة هذه الإمكانية، كما تقول الصحيفة، هم «طاقم من الموظفين التابعين للقيادة العسكرية في منطقة المركز»، بالتعاون مع «منسق الأنشطة الحكومية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووفق ما نُقل عن مصادر أمنية مطلعة على أجواء المناقشات، «من المزمع أن يقدم الطاقم قريباً جملة من التوصيات تتعلق بهذا الشأن إلى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت».
والسبب الذي دفع القيادة الأمنية الإسرائيلية إلى بحث هذه الإمكانية هو «العنف، واتساع دائرة المواجهات»، الأمر الذي خلق واقعاً يستوجب ضرورة تشديد التعاون بين الشرطة والجيش في المدينة المحتلة، ولا سيما حول الأحياء الشرقية الواقعة خارج جدار الفصل، ولا سيما في محيط مستوطنة «هار أدار».
رغم ذلك، ادعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن «الهدف من عمل هيئة الموظفين ليس إحداث تغيير في المكانة القانونية لتلك الأحياء وسكانها»، كما استدركت «أوساط الأمن» قائلةً إن «الآثار والتداعيات المترتبة على سكان القدس الذين يعيشون خارج جدار الفصل ستنتج من القرارات والتوصيات في حال قبولها، وتبنيها لاحقاً».
يشار إلى أن عدد الفلسطينيين الذين تستهدفهم هذه الخطة يراوح بين مئة إلى مئة وخمسين ألفاً، ونصفهم يحملون بطاقات هوية إسرائيلية في وضع المقيمين الدائمين في القدس. وعدا كفر عقب ومخيم شعفاط، ستشمل الخطة «مراكز سكانية أخرى» لكن من غير الواضح حتى اللحظة «ماهية صلاحيات الجيش تجاه هؤلاء السكان». واحد من الخيارات المطروحة تمثلت في تغيير في القطاعات العاملة في الضفة المحتلة، حيث تتوسع حدود ما يسمى «لواء السامرة»، المسؤول عن قطاع نابلس، نحو الجنوب، و«لواء بنيامين» المسؤول عن رام الله، باتجاه المناطق المقدسية المستهدفة. ورغم أن شرطة الاحتلال هي المكلفة حالياً إنفاذ «القانون» في هذه المناطق، لم يتضح بعد كيف ستتوزع المسؤولية بين الأولى والجيش. والأهم أنه لم يعرف أيضاً طبيعة السيطرة العسكرية على هذه الأراضي وهل ستكون على صلة بالمناطق المدنية، ولا سيما أنه في حال نقل المسؤولية المدينية من يد الشرطة إلى الجيش، قد يثير ذلك سلسلة من الأسئلة القانونية الخطيرة. فالأحياء الواقعة ضمن حدود القدس تعتبر جزءاً من «أراضي الدولة» بالقانون الاسرائيلي، وذلك بخلاف أراضي الضفة التي تطبق فيها الصيغة «الاحتلالية العدوانية»، أي إن الجيش يُعطى فيها صلاحيات قانونية وإدارية واسعة وتتبع له ما تسمى «الإدارة المدنية».
في المقابل، ردت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على الموضوع، قائلةً إن «عمل الموظفين لم ينتهِ بعد»، مشيرةً إلى أن هذه العملية طويلة ويستغرق النظر فيها البحث في عدد من البدائل والمخططات. أما الجيش، فعلّق بالقول إنه يدرس باستمرار «أفضل السبل» لنشر قواته في مختلف القطاعات بما فيها القيادة في المركز، مضيفاً أن «هناك بدائل مختلفة قيد الدرس، ولكن في هذه المرحلة لا يوجد تغيير ولم تتخذ أي قرارات في هذا الصدد».
في سياق ليس بعيد، قال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إن «القدس ستظل العاصمة الأبدية لفلسطين، وإنه لم يولد بعد الذي يمكن أن يساوم على القدس أو فلسطين»، لكنه في الوقت نفسه أعاد فتح قضية «زيارة القدس» بادعاء أن ذلك «ليس تطبيعاً مع الاحتلال». كلام عباس جاء في كلمة له أمام «مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس»، الذي يعقد في القاهرة بمشاركة 86 دولة، عربية وإسلامية، وذلك كما قال رداً على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قال إن «نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس سيتم في غضون عام واحد»، رغم نفي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذا المضمون أمس.
وتابع عباس، أمام الدول المشاركة، مروجاً لنظريته القائلة إن «زيارة السجين ليست تطبيعاً مع السجان»، دعوة الحاضرين إلى «شد الرحال إلى فلسطين لنصرة أهلها ولرفع روحهم المعنوية»، معتبراً أن دعوته إنما هي «بهدف ترسيخ الحقوق العربية في القدس، حتى يدرك العالم أجمع أنها ليست لقمة سائغة».