انفجرت بين نقابة مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمدير العام لوزارة العمل جورج إيدا. الأخير استدعى النقابة إلى مكتبه أمس لتقديم حلّ ما يتعلق بمنح المستخدمين حقّهم في تعديل سلسلة الرتب والرواتب، إلا أنهم فوجئواً به يهدّدهم إذا لم يفكّوا الإضراب.
وبحسب نقابيين شاركوا في اللقاء، فإن إيدا «خدعنا» بعدما توسّط مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر طالباً اللقاء لتقديم عرض ما يُسهم في معالجة المشكلة العالقة بين الإدارة والمستخدمين والناتجة من عدم حصول مستخدمي الصندوق على سلسلة الرتب والرواتب أسوة بما حصل عليه موظفو الإدارات العامة والأساتذة وغيرهم. انتظر أعضاء النقابة «العرض»، لكنهم لم يحصلوا إلا على تهديدات ، إذ أبلغهم إيدا بوجوب فكّ الإضراب المقرّر يومي الخميس والجمعة، وإلا فإنه سيعمد إلى ملاحقتهم بالطرق الجنائية.
أعضاء النقابة كانوا مرتبكين بشأن كيفية التعامل مع الدعوة التي وجهها إيدا قبل ساعات، محدداً موعداً لأول جلسة وساطة بين «طرفي النزاع»، أي بين مجلس الإدارة والنقابة عند العاشرة والنصف من صباح اليوم. الارتباك كان ناجماً عن قصورهم في تحديد الخصم والردّ المناسب عليه. فالخصم، في حساباتهم قبل أيام، كان يتمثّل في أصحاب العمل، ثم دخلت أزمة «مرسوم الأقدمية» و«الميغاسنتر» لتخلط الأوراق، إلى أن أتى إيدا واحتلّ موقع الخصم المباشر الذي يمثّل طرفاً سياسياً ويملك موقعاً إدارياً يختصّ بالتعاطي مع الضمان والشؤون النقابية.
تدخّل إيدا بهذه الطريقة، عزّز القناعة بأنه يسعى إلى تعطيل الإضراب، وأنه يردّ على ما يُعدّ له المكتب العمالي لحركة أمل من إضرابات في صندوق الضمان ومؤسسة الكهرباء وأخيراً في نقابات النقل.
لكن الارتباك الفعلي يكمن في ما حصل تالياً، إذ بدأت تتضح الحسابات أكثر في الصندوق. فالنقابة ذهبت مباشرة إلى الوسيط، أي الأسمر، ظناً منها أنه يحمل مفتاح الحلّ بوصفه محسوباً على عين التينة. وبحسب المعلومات، جرى اتصال بين إيدا والأسمر اتفقا فيه على تسوية تتضمن إعداد مشروع لتعديل سلسلة الرتب والرواتب خلال فترة وجيزة، ما يوفّر مخرجاً للجميع. بهذه الصيغة كان إيدا يربح تنفيس إضراب الضمان، وكانت النقابة تنهي لعبة المماطلة في إقرار سلسلة الرتب والرواتب ويقطع الطرفان الطريق على اتهامهما بالتسييس. عندها أجرى الأسمر اتصالاً بالمدير العام للضمان، محمد كركي، فأعرب الأخير عن موافقته على أي مشروع متفق عليه، إلا انه اعتبر أن «الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل».
هكذا عادت المشكلة إلى نقطة البداية، ما دفع اللاعبين الفاعلين في الضمان إلى إعادة تموضع يكشف عن خطة كل طرف للصندوق. ففي تزامن مريب، طلب وزير العمل محمد كبّارة من الهيئات الأكثر تمثيلاً تسمية مندوبيها إلى مجلس إدارة الضمان (10 للعمال، و10 لأصحاب العمل، 6 للدولة). وفي موازاة ذلك، طلب أصحاب العمل بالتعاون مع مستشار الرئيس فؤاد السنيورة لشؤون الضمان رفيق سلامة، من ممثلهم في مجلس الإدارة غازي يحيى أن يتصدى لمنح المستخدمين أي زيادة أو تعديل على سلسلة الرتب والرواتب، بحجّة أن كلفتها تبلغ 500 مليار ليرة. «هذا الرقم المنفوخ لا يتضمن الزيادات السنوية فحسب، بل يحتسب التعويضات التقاعدية لكل الموظفين! وكأن المستخدمين لن يتقاضوا تعويضاً إن لم تنفّذ الزيادة» يقول أحد مستخدمي الضمان. واللافت أن أصحاب العمل، انطلقوا من هذه المسألة للقضاء ليس على السلسلة فحسب، بل على مكتسبات يحملها مستخدمو الضمان منذ إنشاء الصندوق تتعلق بالزيادات السنوية والمنافع الأخرى المنصوص عليها في أنظمة الضمان.
خطّة أصحاب العمل عبر غازي يحيى كانت «سرية»، إذ تنبّه سلامة ومن معه إلى أن المستشار المالي في الصندوق أعدّ تحت إشراف المدير العام، مشروعاً للزيادة تبلغ كلفته 15 مليار ليرة سنوياً، لا 500 مليار ليرة كما روجوا، وهي كلفة «مقبولة» قياساً بكلفة الموازنة الإدارية البالغة 125 مليار ليرة. لكن ما حصل أنّ أصحاب العمل شنّوا هجوماً على الخطّة، ما أضعف موقف معدّيها وسمح لأصحاب العمل بالفوز في تلك الجولة، دافعين المدير العام للضمان إلى سحب المشروع من مجلس الإدارة.
في هذه المعمعة جاء تدخل إيدا، ما أثار الكثير من الاستياء بين صفوف المستخدمين، ولا سيما أن الأحداث السابقة المتعلقة بالتعديلات المطروحة على سلسلة الرتب والرواتب تنبئ بأن شيئاً ما يُعَدّ للصندوق. وبرزت الاتهامات المتبادلة بين التيار وحركة أمل بالسعي للسيطرة على الضمان من خلال مشروع كبارة لانتخاب مجلس إدارة. فأي انتخابات جديدة ستؤدي إلى تقليص نفوذ أمل في مجلس الإدارة مقابل تعزيز سيطرة التيار الوطني الحر الذي سيطالب بالحصة المسيحية كاملة، أي أكثر من 10 أعضاء، علماً بأن تحالفه مع تيار المستقبل يتيح له الإمساك بالقرار في الضمان في مقابل النفوذ الحالي لحركة «أمل»، وإلا فإن هناك توجهاً لتعيين لجنة مؤقتة يتّفق عليها سياسياً بين الأطراف.
المستخدمون وحدهم من يدفع الثمن. حقّهم المهدور بين حسابات السياسة، سيبقى حبراً على ورق، إلا إذا أوعزت عين التينة، بوصفها صاحبة النفوذ الأكبر في الضمان، بإنهاء مشكلة سلسلة الرتب والرواتب والتحضير لإضراب يتعلق بالدفاع عن الضمان الذي يعاني من عجز مالي كبير سببه أصلاً أصحاب العمل الذين حصلوا على خفض الاشتراكات بنسبة 50% منذ 2004، ومن تقاعس الدولة عن تسديد ما يستحق له في ذمتها. علماً أن الصندوق لم يعد قادراً على الحياد في لعبة السياسة، ونقابة المستخدمين انكشف ضعفها في الإمساك بالملف وصياغة خطّة مواجهة تحقق مكاسب لمن تمثلهم، فيما انكشف سعي أصحاب العمل إلى إجراء تغييرات هادئة في مجلس الإدارة.





مؤسسة عامة أم مستقلة؟

هناك مشكلة تصنيف قطاعي للضمان ناتجة من الكثير من التضارب القانوني. فهو لا يصنَّف من مؤسسات القطاع العام، ولا من مؤسسات القطاع الخاص، بل مؤسّسة مستقلة لديها قانون خاص وأنظمة منفصلة وسلسلة رتب ورواتب ومكاسب مختلفة عمّا هو رائج في القطاعين العام والخاص، أي إنه لا تنطبق عليه المواصفات المنصوص عليها في تعميم رئيس الحكومة المتعلق بتحديد سلاسل الرتب والرواتب وزيادات غلاء المعيشة للمؤسسات العامة والمستقلة.