بات مؤكداً أنّ صناعة الدراما اللبنانية دخلت منعطفاً جديداً نحو تغيير «هويتها» (الملتبسة في الأصل). بعد موجة الأعمال المكسيكية الملبننة مع «متل القمر» (إخراج سيزار خليل-2016)، و«الحبّ الحقيقي» (إخراج جوليان معلوف ـ العمل المكسيكي Bodas de odio) قبل سنوات، جاءت الموجة التركية مع مسلسل «بلحظة» (كتابة نادين جابر وإخراج أسامة شهاب الجمل)، المنسوخ أيضاً عن المسلسل التركي «عشق وجزاء»، فيما انطلق أخيراً عرض مسلسل «50 ألف» (كتابة آية طيبة وإخراج دافيد اوريان، مأخوذ عن «حب للإيجار» ـ راجع المقال أدناه) على mtv.
بات واضحاً دخول شركات الإنتاج بتواطؤ مع القنوات اللبنانية هذه الموجة، وتفريغ الدراما اللبنانية من أصولها وبيئتها، وارتباطها اللصيق بالمجتمع خدمة لرأس المال. سمات جعلتها صناعة منتشرة في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية.
مسلسلات بدأ عرضها منذ رمضان الماضي كـ «بلحظة» على «الجديد» الذي انتهى قبل أيام، وقد وصل عدد حلقاته الى 73 متوزعة على جزءين اثنين. الكاتبة نادين جابر وضعت المسؤولية على إدارة المحطة في تعمّد إطالة حلقاته، بعدما كان مقرراً عرض ستين حلقة فقط. تزامناً، انتهت أخيراً حلقات مسلسل «أول نظرة» (كتابة كريستين بطرس وإخراج زهير أحمد قنوع) على المحطة عينها، والجزء الثاني من «الحب الحقيقي» على lbci، فيما نتابع حالياً الحلقات الأولى من «50 ألف» على قناة المرّ.

رغم تاريخه الفني، فشل غسان صليبا في مسلسل «أوّل نظرة»

هذه الأعمال اتكأت بمجملها (ما عدا «أوّل نظرة») على استنساخ واضح لأعمال مكسيكية وتركية. مشاريع تمّ تحضيرها على عجل لتكون في متناول المشاهدين. تنسلخ عن الواقع المعاش وتعتمد على معالجة درامية ضعيفة، وغير منطقية في تسلسل الأحداث وتبلور الحبكة في معظم الأحيان. عدا ذلك، بدا واضحاً اتكاؤها على وجوه فنية معروفة على وجه التحديد. تصدّر اسم المغني زياد برجي مسلسل «بلحظة»، لكنه لم يستطع طيلة حلقاته إقناع المتابع، بأداء يعكس سير الأحداث، وحتى تفاعله معها. يفتقد برجي إلى حرفية تمثيلية واضحة، شاهدنا ضعفها في هذا العمل مع جمود تعابير وجهه التي لم تخدمه أبداً. إلى جانب برجي، استعان «أوّل نظرة» بالنجم غسان صليبا وبنجله وسام، كبطلين برفقة ريتا حرب وجوي خوري. قصّة مركّبة، قد تثير الفضول لمتابعتها، إلا أن الكاتبة وقعت في فخ ربط الأحداث بطريقة غير مبرّرة في كثير من الأحيان. كما أغفلت مسار قصص أخرى، كانت تسير في موازاة الحدث الأساسي.
رغم تاريخه الفني وحرفته في تجسيد شخصيات هامة على المسرح غناءً واستعراضاً، إلا أنّ غسان صليبا لم يظهر هذه الإمكانات في المسلسل. بدا ضعيف الأداء، يعيد تكرار نفسه وتعابير جسده ووجهه في أغلب الأحداث. لم ينجح في تجسيد الطبيب الناجح الذي أوقعت به شابة تصغره عمراً، ولا خبر خيانة زوجته مسا (جوي خوري) من قبل صديقه المقرّب.
لم تقنعنا ردّة فعله، بل شاهدنا نهاية «سعيدة» مكرورة في زواجه من شقيقتها ندى (ريتا حرب). في «الحب الحقيقي» أيضاً، تصدّر جوليان فرحات الذي عُرف كموديل في الكليبات الغنائية، دور البطولة، فيما وضع نيكولا معوض في المرتبة الثانية مع تمتّعه بموهبة لافتة في التمثيل. لم يوفّق فرحات في تجسيد دور «ركان»، لا إن كان عاشقاً ولهاناً، ولا في دور سّيد المزرعة وسيد القرارات الحاسمة. تعليقات عدة صبّت ساخرة في طريقة أدائه المبالغ بها أمام زوجته (باميلا الكيك) خاصة في تعبيره عن ولهه بها.