تكشف زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، برفقة 130 رجل أعمال، إلى الهند، عن حرص تل أبيب على تطوير العلاقات بينهما في أكثر من اتجاه سياسي واقتصادي. ويؤكد حدوثها بعد نحو ثلاثة أسابيع على تصويت الهند، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة «عاصمة لإسرائيل»، تجاوز أي عقبة قد تعترض طريق تنفيذ القرار الاستراتيجي الذي اتخذته القيادة السياسية الإسرائيلية.
الزيارة غير التقليدية، لنتنياهو إلى الهند، يفترض أن تستمر لمدة ستة أيام، وهي تأتي بعد مرور 25 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين، كما تكشف عن الآفاق التي تدفع تل أبيب باتجاهها، إذ من المقرر التوقيع على تسع اتفاقات ثنائية، بينها وثيقة تفاهم في مجال النفط والغاز، واتفاق أبحاث وتطوير صناعي، ووثيقة تفاهم في مجال حروب السايبر، وتعزيز الاستثمارات، وتحديث اتفاقية الطيران، والإنتاج المشترك في مجال السينما، واتفاقات في مجال الفضاء، وغيرها.
تشكل هذه الزيارة ترجمة لقرار الحكومة الإسرائيلية قبل نحو ستة أشهر بتطوير العلاقات مع الهند في عدة مجالات، بينها السياحة والزراعة والتكنولوجيا والتحديث والسايبر والثقافة والمياه. وامتداداً للمسار التصاعدي الذي تتخذه العلاقات منذ ربع قرن، مع الإشارة إلى أن الهند كانت قد ألغت صفقة ضخمة مع إسرائيل بقيمة 850 مليون دولار لشراء صواريخ «سبايك»، التي تنتجها «رفائيل» (شبكة تطوير الوسائل القتالية الإسرائيلية). لكن في أعقاب ضغوط من الجيش الهندي، أعلنت وزارة الدفاع أنها تدرس العودة إلى الصفقة.
الملاحظة البارزة التي يتسم بها تطور العلاقات بين الطرفين، أنها بعدما كانت الهند حليفاً دائماً للقضايا العربية، تحولت إلى المستورد الأكبر للأسلحة الإسرائيلية، كما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت». ووفق مسؤولين إسرائيليين، كان يكتب في جوازات السفر الهندية قبل عقود أنه «يمنع مواطنو الهند من زيارة إسرائيل، بينما تتطور العلاقات معها اليوم».
بداية هذا التحول أتت في سياق ونتيجة التحولات الدولية والإقليمية التي شهدها العالم في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومفاعيله على موقع الهند الإقليمي وخياراتها الاستراتيجية. كذلك أدى انطلاق عملية التسوية، في مؤتمر مدريد، ثم التوقيع على اتفاقي أوسلو ووادي عربة، إلى تسريع التقارب الإسرائيلي ــ الهندي. وفي موازاة ذلك، شهد الداخل الهندي تحولات بنيوية باتجاه تبني سياسات اقتصادية ليبرالية، وصولاً إلى الانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية، خاصة أن اللبرلة الاقتصادية تتطلب استثمارات أجنبية، وبخاصة الغربية، إضافة إلى الحاجة للتكنولوجيا المتطورة والسلاح.
على المستوى الإسرائيلي، من الواضح أن هناك أهدافاً عليا وراء الحرص الشديد على تطوير هذه العلاقات، انطلاقاً من أنها تمهد الطريق أمامها للاستفادة من الموقع الجغرافي الذي تتمتع به الهند، لجهة مجاورتها باكستان وإيران. كذلك إن السوق الهندية، لكونها قوة اقتصادية صاعدة وتتمتع بثاني أكبر تجمع سكاني في العالم، توفر لإسرائيل فرصة تنويع دائرة خياراتها السياسية والاقتصادية وتوسيعها في عالم يتجه نحو مزيد من التعددية القطبية، ومن دون أن يؤثر ذلك في خصوصية علاقاتها مع واشنطن.
في هذا السياق، ركزت مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية التي قاربت العلاقات مع الهند، طوال المراحل السابقة، على ثلاثة عناصر رأت أنها تشكل مساحة مشتركة بين الطرفين: مواجهة «الإرهاب الإسلامي»، العداء المشترك للمحيط الإقليمي، خطورة انتشار القدرات النووية في المنطقة والإقليم، إضافة إلى الحديث عن المنافع المشتركة على المستويين الاقتصادي والسياسي.
وتحتل الجمهورية الإسلامية في إيران رأس التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل. ومن الطبيعي أن تحاول توظيف تطوير علاقاتها بالهند بما يخدمها في احتواء هذا التهديد. لكن نيودلهي تتبع حتى الآن سياسة خارجية مركّبة، وتحاول التوفيق بين التناقضات انطلاقاً من متطلبات المصلحة الهندية. وبناءً على هذه الخلفية، لا تجد ما يمنعها من عقد مختلف أنواع الاتفاقات مع الأطراف المتصارعة كافة.
مع ذلك، ينبغي القول إن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، يتمتع بعلاقات وطيدة مع إسرائيل منذ كان يترأس حكومة ولاية غوجارات. وهو يتبنى خيار تطوير هذه العلاقات قدماً على مختلف الصعد، وسبق أن زار إسرائيل قبل نحو ستة أشهر. كذلك نقلت «يديعوت» عن نائب المدير العام لـ«دائرة آسيا والمحيط الهادي» في الخارجية الإسرائيلية، غلعاد كوهين، قوله إن العلاقات الشخصية «الجيدة» بين نتنياهو ومودي تنعكس إيجاباً في الرأي العام الهندي، وإن المساعي تتجه نحو تطوير «شراكة استراتيجية بين الدولتين على كل المستويات».
ولفتت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن نتنياهو سيجتمع أيضاً مع رؤساء صناعة السينما في «بوليوود»، بهدف «تعزيز الصورة الإيجابية لإسرائيل في الهند، وعلاقاتها مع الصناعة في بوليوود والإعلام الهندي، وتعزيز التعاون، بما في ذلك تصوير أفلام في إسرائيل وشراء نماذج إسرائيلية للمسلسلات المختلفة». وكان الطرفان قد اتفقا على تقديم تسهيلات جدية في سياسة تأشيرات الدخول بهدف تشجيع السياحة الهندية في إسرائيل، ومن ضمنها منح تأشيرات لرجال الأعمال الهنود لدخول إسرائيل تظل سارية المفعول مدة خمس سنوات. وأضافت التقارير أن نتنياهو سيقدم هدية إلى مودي، هي مركبة لتحلية المياه اشترتها وزارة الخارجية بقيمة 400 ألف شيكل (100 دولار = 350 شيقل)، وأنه يزور إسرائيل سنوياً نحو 47 ألف سائح هندي.