ليس من عادة حزب الله أن يقول علناً ما يفعله حين يحتدم الخلاف بين حليفَيه: رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن ليس من عادته أيضاً أن يترك الخلاف بينهما يتفاقم الى هذا الحد الذي وصلت إليه الأمور بينهما على خلفية مرسوم الأقدمية، لتتطور الى موضوع التوقيع الشيعي والكلام عن المساس بالطائف. لذا يصبح موقف حزب الله اليوم أحد محاور النقاش الأساسية في الأوساط السياسية، ولا سيما على أبواب الانتخابات النيابية، مثله مثل موقف الرئيس سعد الحريري بارتكابه هفوة تجاه بري، لم يعتَدْها رئيس المجلس من قريطم سابقاً ومن بيت الوسط حالياً.
ثمة أسئلة متداولة أبعد من التوقيت الذي لجأ إليه عون بتوقيع المرسوم بعد أزمة الحريري مع السعودية مباشرة. هل كان حزب الله عالماً بأن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقّعا المرسوم من دون توقيع وزير المال علي حسن خليل، واعتقد المكلفون عادة متابعة هذه الملفات أن اعتراض رئيس المجلس النيابي لن يأخذ هذا الحجم الكبير ليتحول إلى أزمة دستورية، أم أن المرسوم وقّع من دون علم الحزب الذي أصبح محرجاً بين حليفين، أحدهما حليف تاريخي، والثاني سلّف الحزب استراتيجياً في ملفات كثيرة؛ آخرها موقفه من السعودية في أزمة الحريري؟

هل وقعت دوائر رئاسة الجمهورية في خطأ القفز فوق التوقيع؟



يشكك متابعون لملف المرسوم ألّا يكون حزب الله على اطلاع عليه، لأسباب بديهية متصلة بعلاقة الحزب بالجيش، ولأن الجيش هو الذي أعدّ المرسوم وطرحه داخل المجلس العسكري. ومن الطبيعي أن يكون الحزب قد اطّلع على ما دار فيه بين مؤيد ورافض له، علماً بأن الترقيات ليست ملفاً مفاجئاً لأيّ طرف، فعون حاول إمرارها في مجلس النواب والحكومة معاً، وسبق للحزب أن رافق ملفها منذ أشهر.
ولا يمكن وفقاً لهؤلاء أيضاً ألا يكون الحزب مطلعاً على توقيع المرسوم، لأن رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل بحكم موقعهما في التفاهم معه وتنسيقهما في كثير من الملفات الحساسة، لن يغافلا الحزب بهذا المرسوم ويضعاه أمام الأمر الواقع.
هناك من يتحدث عن خطأ لدى دوائر حزبية، ارتكب في لحظة ما دفع الأمور الى هذا المنحى التصعيدي، بعدما انفجرت القضية إعلامياً وسياسياً، وتبيّن حينها للقيادة السياسية في الحزب أنها باتت أكبر من أن تعالج بسرعة لتخفيف الأضرار التي تنجم عنها وهي باتت كبيرة. والحزب يحاول منذ ذلك الحين تطويق تداعياتها، لكنه يواجَه بتصلب رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي.
لكن هذا الجانب من الرواية لا يقنع أطرافاً سياسيين. فثمة من يميل الى فكرة أن الحزب لم يخطئ حين ترك هذا الملف يذهب الى هذا الحد، بل إنه صرف النظر عمداً عنه، في محاولة لاستثماره سياسياً. فالحزب، مهما كان موقفه الإيجابي من عون، ومن مراعاته له في تفهم أسباب توقيع المرسوم لجهة وضع الضباط، لا يمكن أن يوافق على التفسير الذي بات يعطى «عونياً» لعدم توقيع وزير المال على المرسوم، لأن هذا الأمر يتعدى المشكلة الآنية. فالقضية أصبحت أكبر من مجرد إحراج مزدوج للحزب مع رئيس المجلس النيابي، وهما باشرا التحضير معاً للانتخابات النيابية، ومع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني من باب استراتيجي وانتخابي أيضاً. إذ إن الحزب ومن خلال ردة فعل بري المتوقعة، استفاد من موضوع الترقيات، كي يضع فكرة التوقيع الشيعي على بساط البحث لأول مرة بهذه الجدية. فحين طرح عون ــ وكان لا يزال نائباً ــ موضوع الترقيات، لم ترفض لأسباب تتعلق بالتوقيع الشيعي، بل لأسباب أخرى مختلفة تماماً. أما اليوم، فيأتي الرفض من زاوية وضعية الضباط المرشحين للأقدمية، لكنه، وهذا هو الأهم، أخذ طابعاً سياسياً حين تقدم الكلام عن التوقيع الشيعي في المفاوضات وصار المحور الأبرز فيها.
ومن خلال المرسوم الذي أصر عليه عون، صار التوقيع الشيعي حقاً مكتسباً، ولم تعد المطالبة به من باب الأعراف فحسب. وكما حصل بعد اتفاق الدوحة حين كرس ثنائي أمل وحزب الله مفهوم الحكومات الجامعة مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية، كرّسا اليوم فكرة التوقيع الثالث. وتبعاً لذلك، لم يعد الكلام عن هوية وزير المال وطائفته في أي من الحكومات المقبلة أمراً قابلاً للبحث لدى الطرفين الشيعيين. وهذا الأمر بات على طاولة أي مفاوضات سياسية داخلية، بما يتعدى فكرة المثالثة التي ظلت متداولة من دون حيثيات عملية. فالرئاسة الثانية تتمسك بالتوقيع الثالث، في إطار الطائف نفسه وبذريعة عدم المساس به، ما يطرح أسئلة إذا كان ما يحصل هو الثمن الذي تريد الثنائية الشيعية قبضه لاستعادة الرئيس سعد الحريري الى بيروت والتسوية الرئاسية والحكومية الثانية. وهل وقعت دوائر رئاسة الجمهورية في خطأ القفز فوق التوقيع، فسهّلت تحويل ترقيات الضباط من مجرد شأن عسكري داخلي الى باب تدخل فيه تسوية الطائف منعطفاً جديداً، أم أنه ليس خطأ؟