كل ما يحصل في المشهد الإعلامي السوري يبدو في غاية الغرابة. وزير الإعلام عماد سارة، بدأ رحلته قبل أيّام، بسلسلة قرارات وصفها المنتقدون بالتعسفية والانتقامية. في البدء، قرر الوزير تحويل برنامج المذيع شادي حلوة «هنا حلب» إلى مذيع آخر. ثم أتبع ذلك بمجموعة قرارات أقال فيها مدراء، ونقل آخرين، وعيّن بدلاً منهم.
كل القرارات بدت كنوع من الزينة للتغطية على قرار إقالة الإعلامي وضّاح الخاطر من منصبه كمدير لإذاعة «سوريانا» وتعيينه مديراً للرصد، رغبةً في الحد من جرأته! خلال ثلاث سنوات تسّلم فيها إدارة الإذاعة السورية الأهم، حقق الخاطر معادلة نموذجية، لتقديم سوية إعلامية مهنية رسمية، وفق الإمكانيات والمعطيات البسيطة، وفي ظل الرقابة الحديدة المفروضة على الإعلام الحكومي. هكذا، صنع أثيراً مسموعاً ومحطّ ثقة للجمهور. بمعنى آخر تمكّن المدير الشاب مع فريقه، من صياغة مثال إعلامي يحتذى به للنهوض بمختلف مفاصل الإعلام السوري الرسمي، معتمداً على شبكة مراسلين غالبيتهم متطوعون على الأرض، آخذاً في الاعتبار الاهتمام الوفير بأخبار الميدان أولاً، وقضايا الناس ثانياً، من دون الالتفات لأخبار الحكومة من افتتاحات وتدشينات وزيارات وغيرها من قصص لا تسمن ولا تغني المستمع عن جوع. في مكان آخر، كان يهتم بتقديم مختارات موسيقية مهذبة، وأخرى شعرية رفيعة المستوى، وفتح هواءه لكلّ السوريين، من دون الانكفاء على شريحة معينة، أو وضع «فيتو» على أحد. استقبل مجموعة من معارضي الخارج بمنطق تعريتهم أمام الشارع، وإيضاح مواقفهم المرهونة لمموليهم، إضافة إلى تبنّيه مجموعة برامج جريئة مثل «استديو الخدمات» و«مرّ الكلام» (الأخير أوقف بعد إقالة الخاطر فوراً). كما ولّف منبره لصالح المنتخب السوري بطريقة معاصرة، وسجّل كلمات من سياسيين وشخصيات مرموقة، ليقول بأن المنتخب لعب من أجل كلّ السوريين، وأن ما صنعه، عجزت عنه الدبلوماسية والسياسة! فضلاً عن كلّ ذلك، اقترح الخاطر شكلاً جديداً للإدارة الإعلامية والعلاقة الرفاقية، ووطد حالة استثنائية بين عناصر فريقه بأسلوب محب للغاية، إلى درجة أن هذا الفريق صار عائلة واحدة يخشى غالبيتهم التقصير، وفاء لمنبرهم ومديرهم، الذي لا يملك من مفهوم العقوبات شيئاً سوى مقاطعة المقصّر على مستوى شخصي، لتفي العقوبة بالغرض. حالة الزمالة العميقة تلك، والتعاون المثمر بين فريق «سوريانا»، تعتبر عملة نادرة حتى في أعرق المنابر الإعلامية. ما سبق من منجزات لم تشفع للإعلامي، الذي تلقّف خبر إقالته من منصبه بسعادة، كونه كان لا يجني سوى المسؤولية، والسهر المتواصل في مقر الإذاعة، والعمل ليل نهار من دون مقابل أو عرفان ولو بكلمة شكر عابرة! لعلّها أتت بعد إقالته من فريقه وزملائه، وعدد كبير من الإعلاميين والجمهور الذي ملأ السوشال ميديا منذ صدور القرار قبل أيّام حتى الآن، بكلمات المحبة والشكر له، والتمنيات بأن يكون بحماسه وحضوره أينما حلّ، إضافة إلى الغضب الواضح لمثل هذه القرارات الجائرة. بعد كل ذلك، هل يمكن القول إنّه تم القضاء على آخر بارقة أمل في الإعلام السوري؟!