الاتفاق على «استثناء» مُستخدمي وموظفي مؤسسة كهرباء لبنان من تعميم تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب، الصادر عن رئيس الحكومة سعد الحريري الشهر الماضي. هذه هي خُلاصة «التسوية» التي توصّل إليها الاجتماع الذي عُقد، أمس، في وزارة المالية بين وزيرَي المال علي حسن خليل والطاقة سيزار أبي خليل ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ورئيس نقابة مُستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان.
عقب الاجتماع، ركّز خليل على ما سمّاه «خصوصية مؤسسة كهرباء لبنان» التي استدعت، برأيه، استبعاد موظفيها من التعميم الذي استثنى العاملين والموظفين في المؤسسات غير الخاضعة لقانون العمل والمصالح المُستقلّة والبلديات (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مؤسسة المياه، الجامعة اللبنانية...)، من سلسلة الرتب والرواتب. ولفت خليل إلى أن التسوية وفقت بين «روحية» القانون رقم 46 (قانون سلسلة الرتب والرواتب الصادر في 21/8/2017) ومصالح المُستخدمين في المؤسسة، فيما قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ «الأخبار» إن التسوية تقتضي تطبيق المادة 17 من القانون. هل تسري «التسوية» على بقية القطاعات؟

الأسمر: التسوية يمكن أن تنطبق على المستخدمين في سائر المصالح المُستقلة


وتنصّ المادة 17 على أن المؤسسات العامة والمصالح المُستقلّة التي لا تستلزم إصدار مرسوم لتعديل سلسلة الرتب والرواتب، تقوم بتعديل سلسلتها «بموجب قرارات تصدر وفقاً للأصول المُحدّدة في قوانينها وأنظمتها الخاصة بما يتوافق مع الأحكام والجداول الواردة في القانون». بهذا المعنى، يصلح أساس التسوية لأن ينطبق على سائر المصالح المُستقلة والمؤسسات العامة، ولا ينحصر بموظفي مؤسسة كهرباء لبنان؟ «بالطبع»، أجاب الأسمر، لافتاً إلى أن «كل مؤسسة تستطيع إعداد جدول لسلسلة الرتب والرواتب الخاصة بها وفق أنظمتها ووفق ما ينص عليه قانون السلسلة».
هذا الأمر سيدفع، حُكماً، بقية الاتحادات العمالية في بقية القطاعات إلى أن تحذو حذو مُستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان وأن تسعى إلى تصعيد تحركاتهم حتى تحقيق مطالبهم، خصوصاً أن موظفي المؤسسة كانوا ضمن الاتحادات العمالية التي أعلنت الإضراب المفتوح في 17 كانون الأول الماضي عقب إصدار الحريري التعميم المذكور.
ولعلّ «الخصوصية» التي أشار إليها الوزير خليل تتعلّق بـ «تفاقم» أزمة الكهرباء التي اندلعت منذ نحو أسبوع في بعض المناطق عموماً وفي منطقة صور خصوصاً، بعد أعطال طاولت تلك المنطقة وجوارها. ما جعل (ربما) تحرّك موظفي المؤسسة «موجعاً» أكثر من غيره.

الإضراب يُحيي «الملفات المنسيّة»

ثمّة عوامل أُخرى ساهمت في تفاقم الأزمة، تعود إلى إهمال الكثير من الملفّات «المنسية» في قطاع الكهرباء، أبرزها تلك المُتعلّقة بعقود الشركات الخاصة لمُقدّمي الخدمات. ففي نهاية تشرين الأول الماضي، توقّفت شركة «دبّاس» (NEUC) الملتزمة تقديم خدمات التوزيع والجباية في ما يُسمّى المنطقة الثالثة (الضاحية الجنوبية وجبل لبنان الجنوبي والجنوب)، والتي انتهى عقدها بتاريخ 31/12/2017، عن سداد الرواتب لنحو 800 مياوم ونحو 200 موظف جديد. دفع ذلك مُياومي «دباس» إلى تنفيذ إضرابهم في منتصف تشرين الثاني الماضي مُطالبين بقبض رواتبهم، في حين تراكمت فيه المعاملات غير المُنفّذة إلى أكثر من 10 آلاف معاملة تتعلق بأعمال الصيانة وتركيب العدّادات والكشف على المباني الجديدة وتركيب المحولات وسواها.
ويعزى توقّف الشركة عن دفع الرواتب، بحسب المُطلعين على الملف، إلى عدم حصولها على مُستحقاتها من مؤسسة كهرباء لبنان من جهة، وإلى سعيها إلى الضغط على المعنيين لحسم مصيرها، من جهة أخرى، في ظل عدم حسم خيار التجديد لها أو لا.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة KVA (المملوكة من شركتي «خطيب وعلمي» و«الشركة العربية للإنشاءات»، والملتزمة منطقة بيروت الإدارية والبقاع) أمس، توقفها عن تقديم جميع الخدمات لاستحالة تنفيذ الأعمال «بسبب الظروف القائمة من إضرابات وصعوبات مالية تواجهها». وتمنت الشركة على المواطنين مراجعة مؤسسة كهرباء لبنان مباشرة في كل ما يتعلق بالأعطال والخدمات المرتبطة بعمل الشركة.
وتقول مصادر مُطّلعة إن مُستحقات الشركة المترتبة على مؤسسة كهرباء لبنان لم تُدفع بعد بسبب شلل المؤسسة، ما دفع الشركة إلى أن تمارس، بدورها، الضغوط المعتادة كي تحصل على مستحقاتها وتتمكن من دفع رواتب موظفيها والعاملين لديها.
لم يُعلن وزير الطاقة أمس أيّ مخرج لملف عقود شركات مُقدّمي الخدمات، لافتاً إلى وجود الكثير من الأفكار المطروحة التي تعمل الوزارة بالتعاون مع المعنيين على معالجتها.
بهذا المعنى، تغدو «التسوية» التي أُعلنت أمس، بمثابة إجراء «موضعي» لا يأخذ في الاعتبار حلّاً جذرياً للملف الذي لا يزال مُعرقلاً بـ«ورقة» المياومين.




المياومون: إقفال تام للمبنى المركزي وفي المناطق

مجدداً، انتظر مياومو مؤسسة الكهرباء أن يكون اجتماع وزارة المال خشبة الخلاص الذي يضمد جرحهم النازف منذ سنوات أسوة بالمستخدمين وبسلة واحدة. أمس، أعلنت لجنتهم التصعيد وإقفال الدوائر في المبنى المركزي وكل المناطق بنحو تام، بما أنّ الاجتماع لم يحلّ أزمتهم المستمرة. وعلمت «الأخبار» أن التحرك المتجدد نال ضوءاً أخضر من حركة أمل. المياومون يطالبون بـ «حقهم في التثبيت في ملاك المؤسسة»، بعدما خضعوا على مدى عقدين من الزمن لظروف عمل قاسية، كانوا يتقاضون خلالها أجورهم على أساس يومي، ولا يحظون بأي ضمانات صحية واجتماعية. هؤلاء أقفلوا المؤسسة لفترة طويلة عندما جرت خصخصة الجباية والتوزيع عبر عقود الشركات الخاصة لمقدمي الخدمات، إلا أنهم علّقوا في ذلك الوقت انتفاضتهم، عندما أجرى ممثلو الأحزاب التي يراهن عليها معظمهم تسوية سياسية. يومها، قضى الاتفاق بإجراء مباراة في مجلس الخدمة المدنية على أساس القانون الرقم 287 بتاريخ 30/4/2014 الذي أجاز لمؤسسة كهرباء لبنان ملء المراكز الشاغرة، بحسب حاجاتها في المديريات كافة من دون استثناء، ونظرية حاجة المؤسسة كانت تحتمل تأويلات مختلفة من أطراف التسوية.





الكهرباء في صور سبقت «التسوية»

بعد تفاقم أزمة الكهرباء في صور نتيجة الأعطال التي حصلت، ومنعاً لتطوّر حركة احتجاجات الناس، أوعز رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى عدد من المعنيين بمعالجة الأعطال. وبحسب المُعطيات، فإنّ عدداً من مُتعهّدي «غبّ الطلب» المُقرّبين من حركة أمل عمدوا إلى إصلاح الأعطال. وعليه عادت الكهرباء إلى المنطقة منذ يومين.